هذا
الهجوم الضاري الذي حارب به الشيطان به بني آدم وسخر فيه أيضاً النصيب المفروض
الذي سبق وناقشناه في الجزء الأول كان له أساسيات انطلق منها عندما تلى هو
وشياطينه على ملك سليمان في عصرنا الحديث وهذا استلزم أن ينقسم مراحل التلاوة على
ملك سليمان مرحلتين أساسيتين:
المرحلة
الأولى: مرحلة محاكاة كرسي سليمان وكانت هي أصعب مرحلة، وقد شملت معرفة أهم مكونات
الكرسي:
أ-
المكونات الملموسة: (الصافات – الزاجرات – التاليات).
ب-
المكونات غير الملموسة: الرقيم
ج-
عناصر التخزين (الذاريات – الحاملات والمقسمة إلى جاريات ومقسمات)
المرحلة
الثانية. مرحلة تطوير استخدام القوانين والسنن الإلهية في برمجة الشعوب من خلال:
أ- تعميم الرقيم في جميع الاستخدامات وأهمها تكوين الشبكة العنكبوتية
ب-
تعميم استخدام (ورقكم هذه)
المرحلة الأولى: مرحلة محاكاة كرسي سليمان:
ففي هذا الجزء سوف نتكلم عن طبيعة كرسي سليمان، الذي
أسماه البعض أسطورة خاتم سليمان.
والآن:
(الدراسة التفصيلية للكرسي جسدًا، الفرق بينه وبين
كرسي الله تعالى)؟!!!!
قال تعالى:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}
(سورة البقرة 255)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} (سورة ص 34)
جاء
لفظ كرسيه في الآية الأولى مضموم الياء والهاء دليلاً أن أي متغيرات ناتجة عن
التحكم، والسيطرة تكون في الظاهر والباطن للمخلوقات والهيمنة موصولة بالله تعالى
على كل عناصر التحكم والسيطرة وقوانينها وفي الآية الثانية مكسور الياء والهاء إشارة
أن المتغيرات التي تحدث فيما هو ظاهر ومادي فقط وقوانين وسنن التحكم لا يهيمن
عليها سليمان عليه السلام، فهي مجرد وسيط بين سليمان عليه السلام وكرسيه الذي ألقى
الله تعالى علمه، فالفارق بين الكرسين كبير ما بين المطلق والمحدود.
{وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (سورة البقرة 255)
فالعرش
مكون من مكونات النظام الدنيوي الذي يحيط ويتداخل فيه العرش لنقل الأمر وتقديس
الملائكة لله من خلاله، والسموات هي مراكز توضع فيها المادة الأرضية، فالكرسي له
رابط مع جميع المكونات بذات تكوينهم، أي أن التكوين الكلي والبناء أوجد عناصر
وقوانين التحكم فيه، فصار عناصر التحكم هي بمثابة الكرسي، والعرش هو بمثابة ناقل
أوامر التغير فوسع ووصل السنن في أعماق التحكم السموات والأرض بما وضع في التكوين
من أساس بناءه وقوانين تجمعه وتحكم متغيراته.
مثال
بسيط:
لو
أننا جئنا بمغناطيس قوي وجعلنا حوله ملف ينجذب إلى المغناطيس، ولكن يحول بينه وبين
الانجذاب حائل يجعل بقوته المغناطيسية يدور الملف حول المغناطيس.
هكذا
صنعنا كرسي التحكم في دوران الملف من خلال قوانين وضعها الله تعالى في المادة
والله
تعالى وضع في كامل التكوين الذي سواه من أراضين وسموات ما يجعلهم يسيرون في
أفلاكهم بدقة بالغة بفضل مواقعهم وتكوينهم وقوانين جمعهم في عالمنا.
فصار
كرسي الله الذي سواه من خلال التكوين وجعله مرتبطاً ببعضه البعض بحيث كل شيء يتحكم
في حركة ومجال كل شيء من خلال سنن إلهية معقدة جداً جعلتهم على سنة اصطفاف وحركة
معينة مقدرة تمام التقدير تحكم عملية التغير الدائم الذي يحدث ومهيمن عليها ولا
تخرج عن هذه القوانين والسنن.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} (سورة ص 34)
وسليمان
عليه السلام كان لديه من المعرفة والعلم والتحكم عن بُعد في قواته وأسلحته ما يفوق
أنظمتنا الحالية، وكان لديه البصيرة والإنابة إلى الله فيها فكان شاهدًا على كل
أمه أفسدت بالعلم الذي كان بين يديها الأرض، مثل عاد وثمود وقوم فرعون والنظام
العالمي الجديد، وكان حُسن إدارته لعلمه الدنيوي وقدرته التي ألقاها الله عليه من
خلال هذا العلم الدنيوي سببًا لتسخير الله له ما يفوق قدرات البشر من نظام خاضع
للسنن الكونية، فهي سنن الله التي لم يملك التعامل معها أحد من قبله أو بعده، أي
أن سليمان عليه السلام أعطاه الملك الذي لن يبلغه أحد من بعده عن استحقاق.
فقد
ألقى الله تعالى على سليمان عليه السلام من المعرفة والعلم والقدرة التي بها يمحص
بها نفس سليمان عليه السلام تلك المعرفة والعلم والقدرة كانت تتكامل وتُتِم له
قوته وسلطانه الدنيوي لإتمام تأليف وضبط أموره وأحواله بخير وإتقان أو هلاك وتلف
(إفساد) على حسب استخدامه لتلك المعرفة.
وفيما يلي قراءة الآية من خلال دلالة حروفها
وَلَقَدْ
فَتَنَّا سُلَيْمَانَ بأن ألقى الله تعالى
على سليمان عليه السلام من المعرفة والعلم والقدرة التي يقوم بها بضبط وتأليف
مستمر لأحوال وأمور قوته وسلطانه التي بها يمحص بها نفس سليمان عليه السلام
بمفارقة وزيادة كبيرة عن المعرفة والعلوم القديمة، تلك المعرفة والعلم والقدرة
كانت تتكامل وتُتِم له قوته وسلطانه الدنيوي فكانت المعرفة وقوته وسلطانه متساويان
في إتمام مُلكه، فهي المعرفة والعلم والقدرة الناتجة من علم الله تعالى وبقدر الله
تعالى كنسبة من السنن الإلهية التي وضعها لنا الله في دنيانا، ولكنها كانت نقيه بلا
اختلاط مع المعارف أخرى دنيوية متداولة، وكانت متوافقة باستمرار مع أحوال وأمور
مُلكه المختلفة والمتفرقة فتضبط قوته وسلطانه بما هو الأفضل من المعرفة والعلم في
أقصى مدى.
فالفتنة
هي كل معرفة وعلم وقدرة يلقي الله لنا بها، فبإدراكنا لها وتمكننا من استخدامها
ليمحصنا الله بها فإما نقوم بإتمام استخدامنا لها في طاعة الله بخير وبإتقان
استعمالها، وإما نستخدمها بهلاك وتلف وإفساد للأشياء، فكاد سليمان أن يَركن لما هو
تلف للبشرية بما لديه من الخير (كل ما هو مادي مثل المال والسلاح.. الخ) فأناب لله
تعالى بعلمه أن ما بين يديه محدود إذا ما قورن بما سخره لنا في ملكوته وجعله لنا
من السنن العظيمة مثل الشمس والقمر والرياح والغيث.. الخ
وَأَلْقَيْنَا
عَلَى: وجمعنا له وأوصلناه بما يمكن من خلاله أن
يتوافق معه وعليه بالانتقال بين ساحتين مختلفتين (الكرسي الجسد – وملكه وبيئة
يتحكم بها من خلال هذا الكرسي) لبلوغ غايات التحكم عن بُعد والذي يمكنه من خلاله
إصدار أوامر التحكم ودمجها بما يتحكم به فيحوله إلى ما يؤول له الأمر ويغير حالته
من حال إلى حال بمعرفة نقيه غير فاسدة ومتوافقة مع البيئة والطبيعة، من خلال
الوصول لعمق علم التحكم والسيطرة بالقوانين المادة التي نقلناها له من ساحة الأمر
إلى ساحة كرسيهِ بأن يكون جسداً.
فإن
الله تعالى يلقي لعباده المعرفة ويلقي بين أيديهم ويُخرج لهم من مواد الكون ما
ينفعهم ويفتنهم بها في ذات الوقت، حيث يضعها بين أيدي عباده إما يصلحوا بها الأرض
أو يفسدوا فيها، إلا أنه سخر لنا من السنن ما لا يلقيه لنا فهي بيد الله تعالى
لاستمرار صلاح الكون مثل النجوم والشمس والقمر والرياح والغيث، وما استثنى أحدًا
من هذا إلا سليمان الذي وصل من المعرفة إلى قمتها، فعندما نجح فيما فتنه الله به
وأناب إلى الله في كل عمل وفعل وصنع وكشفت بصيرته أن قمة المعرفة لديه لا توازي
شيئًا أمام ما سخر الله لنا فطلب من الله تعالى ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، هذا
الملك الذي لا يخضع له المعرفة الدنيوية عندها سخر له الريح والشياطين... الخ،
وهذا الملك لم يكن لينبغي لأحد من بعد، ولكن يظل من بني إسرائيل ومن الشياطين من
يسعى لاستعادة هذا المُلك، ولكنهم سوف يفسدون في الأرض بسعيهم هذا ولن يبلغوه.
كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا: هو عبارة عن إطار ومحتوى وتكتل وتآلف
وتوافق مكونات دنيوية مختلفة ووضعه في قالب واحد ينتج عن هذا التكوين قوة وسلطان
هذا القالب أو التكوين يجمع ويوصل ويضم خواص قوة ظاهرة وأخرى باطنه أي داخلية
وخارجية واصل بين بيئات وساحات أو نطاقات مختلفة ومتباعدة تجعله قادرًا من خلاله
إعادة بناء حالة السيطرة الذي سبق أن ينفذه به، وهذا القالب أو هذا التكوين المادي
كان طبقًا لما جاء بالآية جَسَدًا، والقوة والسلطان متعدد فهناك قوة وسلطان العلم
والقوانين الفيزيائية والكيميائية وقوة وسلطان المال والسلاح وغيرها كثير، ولابد
لكي تصبح فاعلة لابد أن يكون لها إطار متوافق مع بعضه البعض سواء كان يشمل قوة
واحدة أو عدة قوى متشاركة معًا ومجموعة في قالب واحد أو تكوين واحد لاستعمالها
سواء في كتاب أو سلاح أو أي شيء وفي حالة سليمان عليه السلام فهذا الإطار المتوافق
قالبه جسدًا وهذا ما سوف نعرف طبيعته المتميزة عن باقي القوى.
وهذا
الكرسي يربط بين أمور وأشياء متعددة ويتحكم فيها حتى بدون اتصال مادي بين الكرسي
وسليمان عليه السلام، وهذه الأشياء وحتى بعد ما مات بقى الكرسي فاعلًا، ولم يكتشف
المُسَخرين (الجن) من خلال هذا الكرسي الجسد أنه توفى إلا بعد أن أكلت دابة الأرض
منسأته، أي عصا التحكم في هذا الكرسي.
ومن
خلال هذا الكرسي كان يمكن بلوغ مركز وعمق شيء ما ويتحكم ويسيطر من خلال أمر خارجًا
من هذا الكرسي إلى هذا الشيء للتمكن من الانتقال من موضع إلى موضع ومن حالة إلى
حالة من خلال طاقة رابطة فيما بينهما ومسخرة لذلك ألا وهي طاقة الجن السابحة ومجالها
مُحمل عليها الأمر للتنفيذ.
ومن
خلال الكرسي تخرج تلك القوة والسلطان أي الأمر فيكون الكرسي مصدر هذا الأمر لتغيير
الوضع أو الحالة السابقة للشيء ويحل محلها الوضع أو الحالة التي تحمل الأمر
الجديد، فتصبح الحالة الجديدة للشيء محل التنفيذ الأكثر وضوح والأنشط والأغرب
والأكثر تأثيرًا فتصير عملية التغير بأشكال متعددة من صور الأمر وأشكال التنفيذ
المتعددة.
ومن خلاله يهيمن سليمان عليه السلام من خلال هذا
الإطار والمحتوى أي من خلال الكرسي وما يخرج منه من قوة وسلطان وأوامر متتالية في
مراحل التغيير لما سبقها من أوامر أو الأوامر المتعددة التي تحل محل سابقتها
مهندسًا بهذا الكرسي موضع وحالة الشيء محل التحكم به.
قال تعالى:
{وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ
الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ
يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ
كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ
عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ
عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي
الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (سورة سبأ 12 - 14)
الفرق بين كرسي الله تعالى وكرسي سليمان عليه السلام
وكما
سبق أن أوضحنا أنه لم تأتي كلمة (كرسيه) ومصدرها كرس إلا في آيتين في القرءان
الكريم في قوله تعالى:
{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا
بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (سورة البقرة 255)
وكذلك قوله تعالى:
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا
عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} (سورة ص 34)
والفرق
بينهما واضح فالله تعالى القوة والسلطان موصولة به ومتواصلة بل هو مانحها فجاء
كُرْسِيُّهُ مضموم في الحرفين الأخيرين الياء والهاء واللذان يعبران عن خروج القوة
والهيمنة على هذه القوة، إلا أنها قوة وسلطان موصولة بالله تعالى وليس موصولة
بدونه، أما مع سليمان عليه السلام جاءت برسم وتشكيل كُرْسِيِّهِ بالكسرة في حرفي
الياء والهاء فهو أيضا القوة والسلطان تحت إرادته ويهيمن عليها إلا أنها خارجة عن
ذاته، فهذا الكرسي غير موصول به ولكن يمكنه تشغيله من خلال منسأته، وبقى مفعلًا
حتى أكلت منسأته الدابة ثم خر النظام حينها.
فعندما خر أي خوى وخلا استواءه أو تشغيله بأجزاء وصور
مترابطة ومتتابعة من الخلو من حالة الاستواء الظاهر للدخول لعمقه (فينطفأ هذا
الكرسي الجسد كما تخر شاشة التلفزيون عند انقطاع الكهرباء)
والفارق
الثاني والأهم أن ما ألقاه الله تعالى لسليمان عليه السلام من فتنة المعرفة والعلم
والقدرة من قوة وسلطان إطارها ومحتواها جَسَدًا، فلا يمكن أن يصل الإنسان لقوة
التحكم في شيء مثل الأسلحة أو التلفزيون أو الطاقة إلا من خلال إطار ومحتوى مادي
يمثل جَسَدًا يمكن من خلاله إدارة هذه القوة والسلطان، أما الله تعالى لا يحتاج
لجسد مادي لتنفيذ أمراً من أوامر الله تعالى.
وقد
أعتمد كثير من المسلمين لفهم هذه الآية الخاصة بسليمان عليه السلام من خلال
الإسرائيليات، التي أنكرها البعض الآخر منهم، وإن كان البعض الآخر أعتمد على
روايات مثل خاتم سليمان لعدم معرفته أو علمه عن هذه القوة والسلطان شيئًا، وإن كان
دون أن يدركوا فإنهم وصلوا لجزء من الحقيقة وأنه لدى سليمان قوة وسلطان يتحكم
بالأشياء من خلالها فأنت يمكن أن تمسك بالريموت أو أي جهاز للتحكم عن بُعد في
الأشياء بل بالصواريخ والطائرات بدون طيار أو بالأقمار الصناعية فهذا كرسي الحياة
الدنيا، إلا إنه دائمًا لابد أن يكون من خلال جسد مادي يتيح لنا هذا التحكم
والسيطرة وإن كانت جميعها في زماننا متفرقة غير مجموعة في جسد واحد.
وقد
أفتتن سليمان كما أفتتن الناس في عصرنا بهذه القوى المادية إلا أن سليمان أناب
وعلم أن هذه القدرة مهما وصل من تحكم، فهناك علم الله الجامع الذي يفوق كل علم نصل
إليه، بل أنه من عند الله فأناب لله وطلب ما هو يتعدى حدود الجسد المادي، فسخر له
الله تعالى مركز ما هو خفي من القدرة والمعرفة للتحكم بالرياح والشياطين.
فما
يعطينا الله تعالى من علم ومعرفة وقدرة هي ما ألقى الله لنا، أما ما سخره لنا من
سُنن كونية لا يمكن أن نتحكم بها فما كان ينبغي لأحد وما سخره لسليمان لم يسخره
لأحد من بعده.
والسؤال
لماذا على وجه التحديد كان هذا الكرسي جسدًا وليس بدنًا أو جسمًا، ولماذا أيضًا
كان بني إسرائيل اتخذوا عجلًا جسدًا، ففتنهم في حين أن فرعون نجاه من البحر ببدنه،
ولماذا كان طالوت ظاهر التميز فيه إلى جانب العقل والجسم، ولم يقل الجسد أو البدن.
لماذا كان كرسي سليمان عليه السلام جسداً؟
وما طبيعة أن يكون كرسيه جسداً وخصائصه؟
جَسَدًا:
يجمع مكونات متفرقة ومتوافقة في جسم واحد، هذا الجسد له مركز وعمق يسيطر على كامل
الجسد ويكون دليله وبرهانه ويخمل قوانين توجهاته وهي نسبة موصولة بفعل وإدارة هذا
الجسد تمثل نسخة من أوامر لا إرادية لوجود التنوين على الدال قمن يتحكم فيه سليمان
عليه السلام.
والجسد
يختلف عن الجسم وعن البدن فالجسد له مكونات خارجية وداخلية وعمق، وهناك مركز
لإدارة هذا الجسد في أعماقه، أما الجسم فهو إطار الجسد أو مصمت مثل الحجر أو إطار
بلا مركز يديره، أما البدن فهو كامل الجسد بدون الهيكل العظمي الأساسي (العمود
الفقري ولوحي الإلية).
ثم
أَنَابَ: فقام عليه السلام بالتوافق مع كرسيه ونقى
نفسه من شبهات الدنيا وجعل كل ما فعل به ومن خلاله نسبة موصولة لله نقي بلا اختلاط
مع أغراض الدنيا وشهواتها فيقضي على كل ما يختلط بنفسه من شوائب وضبطه على هذه
الطاعة لله في كل ما يبدو ويظهر به من قوة تحكم وسيطرة والقدرة التي أكتسبها في
عالم المادة التي جعل الله تعالى محدودة مهما بلغنا من معرفة في الدنيا فهناك نقيض
لها في عالم الأمر هي سنن الكون التي سخرها الله لنا لا توازيها أي معرفة وقدرة
دنيوية فأناب لله في تسخيرها في صالح دعوته.
فهل
الحقبة الحالية هي محاولة فقط لإعادة مظاهر ملك سليمان عليه السلام وهل كانت من
خلال ما تلى الشياطين على ملك سليمان، وهل يتم استخدامها في غير طاعة الله في غالبيتها
أم لا؟!!!!!!!!!!!
وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا
قال تعالى:
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى
مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}
(سورة البقرة 102)
وَاتَّبَعُوا
مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ
(التلاوة يجب أن يسبقها الفهم والتطبيق) وحيث أن الشيطان يشطن الأشياء، أي يجعلها
أشباه من الأصل ويقوم بتطويعها لتتنافر مع هذا الأصل وتنسفه، فمُلك سليمان كان
موجهًا نحو طاعة الله، وفي زماننا تم استغلاله في بناء كنيس الشيطان والسيطرة على
العالم وتوجيهه نحو إفساده.
فما
بين أيديكم من حضارة سليمان نسخة مشوهة منها شطنها الشياطين، وأوعزوا بها لشياطين
الإنس من بني إسرائيل ليتلوها عليكم علماً مسيطرًا على كل جوانب حياتكم ويجعلكم
تشركون بالله بعبادة هؤلاء الشياطين ونظامهم الذي تحكم بكم.
وفي
الجزء القادم سوف نستعرض المكونات الملموسة من كرسي سليمان
تعليقات
إرسال تعليق