القرآن الكريم بين الفهم والتطبيق: نحو قراءة حية ومتجددة
مقدمة
لطالما اعتُبر القرآن الكريم مرجعًا خالدًا يضيء دروب الإنسان في مختلف الأزمنة والأمكنة. غير أن الفهم التقليدي للنصوص قد أفرز حالة من الجمود، حيث اختُزلت القراءة والترتيل والتلاوة في التكرار الصوتي المجرد، بدل أن تكون منهجًا ديناميكيًا للتفاعل مع الواقع المعاصر.
القراءة والترتيل والتلاوة: مفاهيم تتجاوز الترديد
القرآن الكريم لم ينزل ليكون مجرد نص يُتلى دون إدراك، بل ليكون منهج حياة عمليًّا. يقول الله تعالى: "وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" (الفرقان: 32)، أي أنه نظّم آياته بشكل يجعلها قابلة للفهم والتدبر والتطبيق.
- القراءة ليست مجرد نطق للأحرف، بل هي إدراك لما وراء الكلمات من معانٍ ودلالات.
- الترتيل يعني التمهل في الفهم وإعادة النظر في المعاني وفق تطورات العصر.
- التلاوة تعني الاتباع، أي تحويل الفهم إلى واقع عملي يُطبّق على الحياة اليومية.
التطبيق العملي للفهم القرآني
إن المنهج الذي يجب اتباعه هو عملية مستمرة من القراءة والفهم، يليها التطبيق العملي في الواقع، ثم مراجعة هذا التطبيق لتقييم مدى صحة الفهم السابق، وإعادة تصويبه إن لزم الأمر. هذه العملية تضمن استمرارية تطور المجتمع وفق القيم القرآنية، بعيدًا عن الجمود أو التحجر.
عوائق الفهم والتطبيق في العصر الحديث
-
الجمود الفكري والتقليد الأعمى
- سيطرة التفسيرات التراثية دون النظر في مدى صلاحيتها للواقع الحالي.
- مقاومة إعادة النظر في الأحكام المستمدة من السياقات التاريخية المختلفة.
-
فصل الدين عن الواقع
- التعامل مع القرآن ككتاب طقوسي يُتلى في المناسبات، دون اعتباره دستورًا للحياة العملية.
- الابتعاد عن دراسة أبعاد النصوص من حيث المقاصد الكلية والتشريعات المرنة.
-
تبرير المحرمات عبر التأويلات الخاطئة
- تطويع النصوص لخدمة المصالح الشخصية أو السياسية.
- تسويغ الظلم والفساد بحجج دينية واهية.
العودة إلى المنهج القرآني الأصيل
إن استعادة الدور الفاعل للقرآن في توجيه الحياة يتطلب:
-
إعادة إحياء مفهوم الترتيل
- أي دراسة القرآن بفكر متجدد، والنظر في آياته وفق الظروف المستجدة، دون المساس بجوهر العقيدة.
-
تبني العقلية النقدية في الفهم
- مراجعة الفهم التقليدي في ضوء الواقع المعاصر، مع الاحتكام إلى المقاصد العامة للشريعة.
-
تحقيق الانسجام بين الفهم والتطبيق
- عدم الاكتفاء بفهم نظري، بل اختبار هذا الفهم عبر ممارسات عملية تُثبت مدى صحته أو الحاجة إلى تطويره.
-
مقاومة الانحرافات الفكرية
- رفض تسخير الدين لخدمة المصالح الشخصية أو السياسية، والعودة إلى الفهم النقي الذي يخدم الإنسانية والعدل.
خاتمة
القرآن كتاب لا ينضب من العلم الذي يجب أن ندركه في كل مرحلة وعصر، والتعامل معه يجب أن يكون عملية مستمرة من الفهم والتطبيق والمراجعة. إن التردي الحضاري للأمة لا يرجع إلى نقص في الدين، بل إلى غياب المنهجية الصحيحة في قراءته وفهمه وتطبيقه. لن تنهض الأمة إلا إذا أُعيدت الحياة إلى المفاهيم القرآنية وجُعلت ركيزة أساسية في بناء الفكر والمجتمع.
تعليقات
إرسال تعليق