القائمة الرئيسية

الصفحات

المقال الثاني عشر: الضوء والظلمة – بين فلسفة رع، وعقيدة إبليس، وحقيقة الشيطان الصوفي

 


🌓 المقال الثاني عشر: الضوء والظلمة – بين فلسفة رع، وعقيدة إبليس، وحقيقة الشيطان الصوفي

"الظلمة ليست كيانًا قائمًا بذاته، بل غياب الضوء." – رع
"كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" – القرآن الكريم
"الشيطان هو مرآتك في سُفلك… لا تلعنه بل اعبره." – عبد الكريم الجيلي


🌒 أولًا: كيف يرى "رع" الظلمة؟

في قانون الواحد، لا يُوجد "شر" بمعناه المطلق أو الميتافيزيقي، بل:

  • الظلمة هي غياب الوعي.

  • هي حالة عدم إدراك "الوحدة".

  • هي النتيجة الطبيعية للاختيار السلبي، لا كيان منفصل عن الخالق.

رع لا ينكر وجود كيانات تخدم نفسها بوسائل مؤذية،
لكنه يوضح أنها اختارت ذلك بحرية، ضمن "اللعبة الكونية"، وستدفع ثمن العزلة لاحقًا.

إذن، الشر ليس ضدّ الله، بل اختيار داخل الله… تمامًا كما تكون الظلال جزءًا من ضوء واحد مائل.


🔥 ثانيًا: إبليس في القرآن… كائن أم مبدأ؟

القرآن لا يقدم إبليس كشيطان فقط، بل كمثال للكِبر والاختيار الرافض للسجود للإنسان.

قال:
"أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ"
فرفض الخضوع للتركيب الإلهي في الإنسان، وسلك طريق العزلة.

ولم يُطرد لأنه خُلق من نار، بل لأنه:

  • عرف الأمر، ثم فسق عنه.

  • أي: اختار النفي والكِبر على التسليم.

وهنا نرى أن القرآن لا يقدّم إبليس كندّ لله، بل كمخلوق أخطأ في حريته، ثم طلب الإمهال:
"أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ"

وهذا يوازي ما يقوله رع عن الكيانات "السلبية" في الكثافات العليا:
تعلم، تتطور، لكنها تختار طريق الهيمنة بدل الاندماج.


🕯️ ثالثًا: الشيطان في التصوف – مرايا النفس

التصوف لا ينظر إلى الشيطان ككائن خارجي دائم، بل:

  • كـ رمز لهواجس النفس السفلى.

  • أو كتجلٍّ للحجاب عن النور.

الجيلي يقول:

"الشيطان سُفلك الروحي… كلما انزلقت إليه، تكاثف، وكلما تجاهلته، اختفى."

وابن عربي يذهب لأبعد من ذلك، إذ يعتبر إبليس:

  • أشد الكائنات توحيدًا، لكنه توحيد ناقص.

  • لأنه لم يرَ في آدم نور الله، بل رأى صورة الطين، فـ"انحجب بالمقام عن المُقيم".

أي أن إبليس عبد الله لا ذاته، لكنه رفض أن يرى الله في غير ما تعوّد عليه.


🌗 رابعًا: كيف تتقاطع هذه الرؤى؟

الثلاث رؤى تتفق على أن:

  • الشر ليس كيانًا مستقلًا.

  • بل هو خيار، أو جهل، أو حجاب.

  • لا خلود للشر، بل ارتداد طبيعي لحركته.

رع يقول إن الكيانات السلبية ستذوب لاحقًا، لأن الظلمة لا تستطيع الاستمرار في الكثافة السادسة،
وفي التصوف: من لا "ينكسر" بنور المحبة، تحرقه الأنوار إذا اقترب منها دون تخلٍّ.

وفي القرآن: "إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفٗا"
أي أن تأثيره قائم على الوهم، لا على قوة حقيقية.


🧩 إذًا… ما دور الظلمة؟

في الفكر الثلاثي (رع – الصوفية – القرآن):

  • الظلمة هي محكّ للنية.

  • هي مرآة، أو تجربة اختبار، أو درس.

  • لا يُمكنك أن تختار النور حقًا دون أن تكون قادرًا على اختيار الظلمة.

ولهذا، يُقال في التصوف:

"ما لم تمر بجهنمك، لن تدخل فردوسك."


🧠 خلاصة المقال:

الشر موجود… لكنه ليس أزليًا.
والظلمة واقعة… لكنها لا تخلق نفسها.

كلما وعيت الظلمة في داخلك، كلما استطعت أن تُخرج منها نورًا،
وكلما كرهت الشر في الآخرين، فاتك أن ترى الحجاب فيك.


🟦 في المقال الثالث عشر (السادس في هذا المسار):
ننتقل إلى موضوع "الإنسان الكامل" – من هو في فلسفة رع؟
ومن هو في التصوف؟
وهل يتوافق هذا مع مفهوم "الخلافة" في القرآن؟

تعليقات