🕊️ المقال الخامس عشر: الرجوع إلى الواحد – بين ذوبان رع، وفناء الصوفية، ورضا القرآن
"كلُّ كيان يعود طوعًا إلى المصدر… إلى الواحد." – رع
"ما رأيتُ شيئًا إلا ورأيتُ الله قبله، وبعده، ومعه." – ابن عربي
"يَـٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٱرْجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرْضِيَّةٗ" – القرآن الكريم
🌟 أولًا: ما هو "الرجوع" في فلسفة رع؟
في The Ra Material، الكون برمته – بجميع مخلوقاته وكثافاته – هو تجربة للـ"واحد اللامتناهي".
ورحلة الرجوع تمر بمراحل:
-
وعي منفصل (كما نعيش الآن).
-
وعي بالاتحاد (في الكثافات الرابعة والخامسة).
-
اندماج الحب والحكمة (في السادسة).
-
ذوبان كامل في الواحد (في السابعة).
وبعد الكثافة السابعة، تُصبح النفس جزءًا واعيًا من الذكاء اللانهائي، وتشارك في خلق كون جديد، إن اختارت ذلك.
الرجوع هنا إذًا ليس مجرد نهاية، بل ذوبان طوعي، حيث تذوب الفردية لا في العدم، بل في المصدر النوراني الذي خرجت منه.
🧘♂️ ثانيًا: "الفناء" في التصوف – طريق العودة من التعدد إلى الأحد
التصوف لا يتحدث عن رجوع بعد الموت فقط، بل رجوع روحي حيّ أثناء الحياة.
يسمّونه بـ"الفناء"، أي:
-
فناء أوهامك عن ذاتك.
-
فناء الحسّ في المعنى.
-
فناء إرادتك في إرادة الحق.
ابن عربي يرى أن:
"العبد إذا فني عن شهود نفسه، بقي في شهود الله، لا يفصل بينه وبين شيء، لأنه لا يرى شيئًا إلا وهو وجه الله."
الجيلي يعتبر أن "الإنسان الكامل" هو من بلغ مقام:
-
البقاء بعد الفناء، أي لم يعد يرى نفسه موجودًا، بل فقط الله يعمل به وفيه.
والفناء الصوفي ليس سكرًا أو ذوبانًا عاطفيًا، بل معرفة تامة، يُستعاد فيها كل شيء على حقيقته كمرآة لله.
📖 ثالثًا: الرجوع إلى الله في القرآن
القرآن لا يُقدّم الموت كاختفاء، بل كـ "رجوع إلى الأصل":
-
"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ" (البقرة: 156)
-
"يَـٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٱرْجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ" (الفجر: 27–28)
ويصف هذا الرجوع بأنه:
-
"رَاضِيَةٗ مَّرْضِيَّةٗ": أي أن النفس راضية عن ربها، وربها راضٍ عنها.
-
"فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي، وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي": وهذا يُشير إلى جنّتين: جنة اللقاء، وجنة الخلود.
لكن الأجمل أن القرآن يعترف أن هذا الرجوع يبدأ في الدنيا، لا فقط بعد الموت:
-
"وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة: 189)
-
"وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَا" (إبراهيم: 34)
أي أن معرفة النعمة، واتقاء الحجاب، هي بدايات الرجوع الداخلي.
🔄 كيف تتكامل هذه الرؤى الثلاث؟
-
رع يرى الرجوع كـ ذوبان واعٍ إلى المصدر الأصلي بعد سلسلة من التجارب الطاقية.
-
التصوف يرى الرجوع كـ فناء النفس واكتمال المرآة الإلهية داخل العبد.
-
القرآن يقدّم الرجوع كـ مقام وجودي، تحققه النفس المطمئنة بعد السير، لا بعد الفناء وحده.
وفي الثلاثة:
الإنسان لا يُلقى إلى الله، بل يعود إليه.
والعودة تعني أنك كنت معه دومًا، لكنك نسيت.
🧠 خلاصة المسار:
كل ما سبق – النسيان، والاختيار، والموت، والظلمة، والارتقاء – كان تمهيدًا لهذه الحقيقة:
أن كل كائن، في كل عالم، وفي كل زمان،
يعود إلى الله.
رع سماه الواحد اللامتناهي.
الصوفية سموه الحق.
والقرآن سماه الرب.
لكن الاسم لم يكن مهمًا…
المهم: هل بدأت طريقك نحوه؟
🪶 ملاحظات ختامية:
-
لقد عَبَرْنا في هذا المسار عبر سبعة مقالات، قارنا فيها قانون الواحد بالفكر الصوفي والقرآني.
-
وكان المحور المشترك بينها: أن الحقيقة ليست في الكلمات، بل في التجربة الحية، والنية الصافية، والرجوع المستمر.
تعليقات
إرسال تعليق