ما
معنى الظن في القرآن الكريم؟!!!
الإجابة:
قال تعالى:
{وَمَا لَهُم
بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا
يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ﴿٢٨﴾ سورة النجم
الظَّنَّ:
(ظَّ) ظواهر الأمور أو ما ظهر على الشيء
متلازمًا معه، (نَّ) كنسب ونسخ من أصل الشيء كاستنتاجات.
فكما استنتجنا تكوين الذرة من الطاقات والإشعاعات
الناتجة منها، والتي سرعان ما نكتشف أنه علم ظني محدود، لا يرقى للحقيقة المطلقة،
وكذلك حينما، وكذلك عندما يتخذون من بعض الظواهر استنتاجات لوجود علاقة آثمة بين
رجل وامرأة، أو غيرها من الاستنتاجات من بعض الظواهر.
وقد يتطور الاستنتاج الظني إلى ما يحوي
على هوى صاحبه، فيجعل من بعض الظواهر وسيلة لاستنتاجات ظنية تحقق هو نفسه.
إذن الظن يعتمد اعتماد أساسي على الاستنتاجات
المبنية على الظواهر (إِن يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ) فتلك استنتاجات العلمية لا يجب اتباعها بشكل مطلق لا
طالما أنها تعتمد في منهجها على النظريات الظاهرية.
فإن
كل شخص يدرك العالم والواقع بطريقة معينة تستند إلى التجربة والتفسير الذي يصنعه
منه، بحيث يبني واقعه الخاص من هذه العناصر. هذا التفسير للواقع هو ما يسمى الظواهر. والواقع
هو إدراك الشيء فيمن خلال علم دنيوي تراكمي في نقطة زمنية معينة، لأنه لا يمكن
مشاهدتها بأي طريقة أخرى في تلك النقطة من العلم التراكمي، سرعان ما يتغير هذا
الواقع بتغير نقطة الإدراك التي وصل إليه المجتمع، وبالتالي هذا الواقع هو اللسان
الأعجمي، وقد يلحدون إليه إذا ما آمنوا بأنه بديلًا عن العلم المطلق.
والفرق بين العلم المادي (الظاهر) وبين العلم المطلق كالفرق بين الظن
واليقين، والمعضلة أننا لن نحصل على هذا اليقين في هذه الحياة.
فهرب البعض إلى
الإيمان بالعلم المادي الظني وجعله يقينًا من خلال مشاهدات وبراهين مادية سرعان ما
تنهار، أو على الأقل لا تكون لها نسيج يمكن الاعتماد عليه.
وهرب البعض إلى
محاولة إثبات أن النظرية المادية الظنية هي من كشفت جانب من الكتاب السماوي، وما
أسموه الإعجاز العلمي في القرآن مثلًا، وكأنهم يشيدون بالخالق انه وصل لما وصلوا
إليه قبلهم في حيلة شيطانية، وهو في حقيقته أنه تلبيس إبليس. فحتى لو أن النظرية
المادية الظنية جانبها الصواب في جانب من الحقيقة الكلية فهي لا يمكن أن تحيط
بكامل العلم المطلق، كعلم أحاط بعلم عن الجسد الإنساني ولكنه لم يدرك حقيقة النفس
والروح والنور والأمر اللاإرادي داخل هذه البلد الكبير في جسم الإنسان، فيكتشف أنه
الجسد ككون لا يمكن إدراك سوى قشور عنه، فمن العجيب أن يظن البعض أن الجزء يمكن أن
يحيط بالكل
وهناك من هرب إلى وضع حاجز بين العلم المادي الظني
والكتب السماوية. وجعل لنفسه إلهين أحدهما إله مادي والثاني إله روحي وجعل بينهما
حاجزًا، فقد تجد إنسان متدين جدًا يمارس العبادات الروحية ولكنه يعتقد أن لا خلط
بين الدنيا والدين، فكان الإله الروحي المزعوم في تدينه محظورًا عليه أن يتدخل في
إطار النظرية الدنيوية التي يطبقها المجتمع، فأمنوا بماركس وآدم سميث وكينز
والشيوعية والرأسمالية والراديكالية والعلمانية وغيرهم أكثر مما آمنوا بخالقهم.
وسيظل الإنسان في
حيرة وصراع حتى يتبين له أن عدم إدراك المطلق هو نعمة فإدراكه يعني أنه يقع عليه
العذاب بمجرد ارتكابه للخطيئة.
فللإنسان أن يسأل
نفسه السؤال الأهم في حياته كلها، وهو سؤال إبراهيم عليه السلام وما يجب أن يفعله
كل ما على ملته، السؤال الذي يجب أن يتكرر في قلب كل إنسان والسؤال:
هل استدللت من
خلال الكون حولك على وجود إله خلقه وخلقك؟
إذا كان الإجابة:
1- أنه لا يوجد خالق: هنا لا تحتاج أن تدعوا غيرك للإيمان بنظريات علمية، فالعبثية لا تنتج
نظرية ثابتة وليس هناك نتائج محددة، فالعبثية والعشوائية لا منطق لها لكي يستقر
على حال.
2- أن الخالق فينا: وهذه تجدها في الديانات الثيوصوفية الخارجة من باطن الديانات السماوية مثل
القابالا وحتى في بعد الطرق الصوفية في الإسلام، حينها سوف تجد نفسك في متاهة
التجليات المزعومة، فماذا لو تجليت أنت من دون باقي البشر وجعلت نفسك إلهاً لهذا
الكون، هل سوف تسمح لغيرك أن يتجلى مثلك أم ستحاربون بعضكم البعض عليها، والسؤال
لمعتنقي هذا الفكر من منكم تجلى حتى الآن؟!!! وأصحاب هذه الإجابة هم ذاتهم من
أكلوا من الشجرة في عالمنا من أجل ملك لا يبلى وأن يكونوا من الخالدين، ولكنهم لم
يتوبوا كآدم فظلوا على أمنيتهم عاكفين، وهم من علو في زماننا ويريدون ممارسة
الإلوهية على البشر وما يسمونه المخلص والمهدي والماثيريا وغيرها ما هي إلا صور
لترجمة ذات الثيوصوفية الخاصة بهم.
3- أنه يوجد خالق: صاحب هذه الإجابة يحتاج أن يبحث عن كتاب سماوي وليس كتاب دنيوي، ويراقب
فيه دليل أنه من عند الله، ويبحث من خلاله على البرهان على وجود الإله ويجد فيه رد
لأسئلته، حينها يحتاج لتطبيقه على نفسه في رحلته في الدنيا حتى يتأكد أن الكتاب
الذي بين يديه هو الذي يتلاءم مع طبيعته في هذه الحياة، فإذا كان هناك إله خالق
فلابد أنه يعلم ما يحتاجه الإنسان وما يتلاءم مع طبيعته في مقام ومكان وميقات هذا
المخلوق، وصاحب هذه الإجابة، إذا ما أراد أن يرتحل في العلم الدنيوي يحتاج أن يكون
هذا الكتاب السماوي العلم المطلق الذي يصل به لأبعاد من العلم الدنيوي والحكمة من
وراء الأشياء، فيكون كل خطوة إما لإثبات أنه اختار كتاب سماوي غير ملائم للمقام
والمكان والميقات، وإما يكون دليلاً من أنه الكتاب المُصدِق بوجود الإله وأنه
النافع لحياته الدنيوية والملائم لطبيعته.
فلا يجب أن يختلط
أصحاب الإجابات الثلاثة في بوتقة واحدة فلن يرحلوا من مكانهم إذا فعلوا ذلك ولن
يصلوا لإجابة إذا ما حاولوا الخلط بينهم
فهذه إشكالية هذا الزمان، أن جميعهم يريدوا أن يجذبوا
بعضهم البعض لعالمهم فهادنوا بعضهم البعض وأرادوا أن يضعوا دينًا وسيطًا بينهم
فتسابقوا في إنشاء المواقع التي تريد أن توائم بين النظرية والكتب السماوية سعيًا
من بعضهم أن تصبح في نظر الطرف الآخر المؤمن بها أن يعتبرها لبشر سبقوا زمانهم،
فكما قلنا أن هناك محاولة لجعل الظني يحيط بالمطلق، فانتبهوا لهذا الخلط فسوف
تظلوا كالقوم الذي وجدهم ذي القرنين من دون السدين لا قادرين أن يبلغوا ما بعد
حدود المادة ولا أن يرجعوا لخالقها.
تعليقات
إرسال تعليق