قال تعالى
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (سورة طه
5)
العرش
الإلهي:
عَ: الْعَرْشِ: هو الكاشف والواصل بين عالم الأمر وأعماق عالم الخلق والكاشف والواصل بين عالم الخلق وعالم الأمر فهو الكاشف والواصل بين العالمين الخفيين عن مخلوقاتهما، يقوم هذا العرش بتأليف وضبط مستمر بين أمور وأحوال السموات والأرض ومكوناتهم المتفرقة والمختلفة من خلال أمر الله تعالى وتدبيره فيضبطهم ضبطًا تامًا وكأنه والسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى شيئًا أو قالبًا أو إطارًا واحدًا، فهو الأفضل والأعظم والأعجب والأعقد وهو الأعمق في الارتفاع والأعمق قاع فهو المحيط بالسموات والأرض وهو الذي يميز كل ذرة فيهما
رْ: الْعَرْشِ: يربط بين عالم الأمر وعالم الخلق وبين عالم الخلق وعالم
الأمر ويتحكم ويسيطر على عالم الخلق وأطرافه وأعماقه فيقوم بربط أمور وأحوال السماوات
والأرض ومكوناتهم والتحكم فيهم وبأطرافهم بدون اتصال مادي مرئي، فيربط بين كل ذرة
وجزيء وجزء وجسد وحجر وكل شيء فلا يسمح بقطع الصلات بينها وبين العرش فيحافظ على
الرابطة بينه وبين كل شيء في عالم الخلق.
شِ: الْعَرْشِ: به أشباه وصور وأجزاء وتشعبات منه منتشرة مُتفشية كصور
أخرى من العرش في السماوات والأرض وما بينهما وفي كل ذرة سابحة على الماء متداخلة
في كل شيء كما يتخلله الماء فهي نسب منه أنشط وأكثر تأثيراً وتواصلاً في عالم
الخلق.
كيف يتنزل
الأمر من خلال العرش الإلهي
حيث يتنزل الأمر الإلهي من خلاله {تَنَزَّلُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}
(سورة القدر 4) لتغيير حال مكونات وخلائق بالسماء والأرض وأجرام سماوية وكل ذرة في
هذا الكون حاملاً هذا الأمر فيحل أمر يغير ما سبق أو يحل محله من خلال العرش الذي
يوصل هذا الأمر والعلم الخفي من امتداداته وشجرته التي تصل لكل ذرة في عالم الخلق،
ويُسمح من خلاله أن يوجد الملائكة والروح فيهم المكلفين بتنفيذ الأمر بعيدًا عن
الملأ الأعلى ليتواجدوا في عالم الخلق للقيام بتنفيذ الأمر الإلهي فيصل الملائكة
لمقام ومكان وميقات تنفيذ الأمر المحدد من خلال هذا العرش فتتنزل الملائكة من
خلاله كل منهم في مسار خاص في داخل هذا العرش وشجرته وفروعه وتشعباته.
فقد يتعجب أحدهم في العالم المادي بوصول إرسال تليفوني
عبر الأثير لتليفون محدد دون غيره، إلا أن كل هذا خاضع لهذا المطلق وقوانينه
فالأمر الإلهي المحمول على الروح والتي تصبح في الملائكة التي تقدس لله من خلال
العرش يكون تنزيلها أيضاً في الخلية والذرة والمكان والشخص المحدد له الأمر
للتنفيذ فيكون العرش الكاشف والواصل والرابط بين عالم الأمر (الأمر – الروح –
الملائكة) وعالم الخلق في المكان والميقات والمقام المحدد.
كيف تم تكوين
العرش الإلهي
تم من خلال الأمر الإلهي اسْتَوَى وهذا الأمر مستمر ما دامت السماوات والأرض
قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}
(سورة البقرة 29)
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (سورة الحديد 4)
وهنا نلاحظ في الآيتين الأمر اسْتَوَى، كان إلى السماء
ثم أصبح على العرش، ما الفرق بين إلى وعلى؟!
اسْتَوَى:
وقالوا عن معناها اسْتَوَى على العرش أي علا وارتفع
استواءً يليق بجلاله وعظمته، وقالوا الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب
والسؤال عنه بدعة.
وهنا سوف نجد أن الله تعالى اسْتَوَي إلى السماء، واسْتَوَي على العرش، فالسموات هي عمق ومركز إدارة الأرضين السبع والعرش عمق ومركز إدارة كل من السماوات والأراضين السبع إلا أن الفارق فقط بينهما أن السماوات جاءت بلفظ إلى والعرش على.
فكلمة المصدر سوي
(س) أي بلغ مركز وعمق ومقياس التحكم في الشيء وجعله على سنة
واحدة أو قانون واحد أو مقياس واحد (و)
وتواصلت السنن والقوانين مع ظاهر وباطن هذا العمق فكانت تلك السنن والقوانين
رابطاً بين بين الظاهر والباطن بدون اتصال مادي (ي)
فأخرج من خلال هذا المركز والعمق حال متغير أو مغاير عن حاله السابق فكان الحال
الجديد هو الحال الأوضح والنشط والأعجب والأغرب والخطر والأكثر تأثيراً.
فإذا كنا بصدد بشراً سوياً فهو المقياس الكامل الذي وصل
إلى مرحلة الاستواء من خلال سنن وقوانين إلهية جعلته يتكون من خلال أعماق المخلوق
ومنابت الجسد تلك القوانين أصبحت متحكمة ومسيطرة على ظاهره وباطنه يخرج من خلالها
أطوار المخلوق وحركته الدنيوية ولا يمكن لتلك القوانين والسنن الإلهية في استواء
هذا المخلوق أن تكون مجسدة وإنما هي تربط وتتحكم وتسيطر على هذا الجسد بدون رابط
مادي مرئي، كذلك كان السماوات وكذا العرش.
والآن لنعي مشهد تنفيذ الأمر على العرش
اسْتَوَى:
ا: أمر الله تعالى بضبط مستمر لأمور وأحوال هذا العرش المختلفة والمتفرقة في
كامل السماوات والأرض فجعلهم من خلال هذا العرش وكأنهم قالباً واحداً على أفضل حال
ولأقصى مدى سْ: فجعل العرش مركز وعمق التحكم في
تلك السموات والأرض وما بينهما وجعله على سنة واحدة وقوانين ثابتة تَ: فأصبح العرش تام ومتمماً لبعضه البعض ومتمماً على ما
تم بناءه قبله من السموات والأرض فأتم البناء بخير وإتقان فكان متمم لهم مُتشارك
معهم في الوظيفة لعالم الخلق مُتفاعل ومتتاخم معهم في تحقيق الصلة والربط بينهم
وبين عالم الأمر في انضباط تام، فكان العرش والسموات والأرض كقالب واحد وَ: فأصبح متواصل وموصول هذا المركز والعمق ألا وهو العرش على
كل جزء وعمق في عالم الخلق فكان هذا المركز رابطاً بين ما لا رابط بينهما
بين عالم الأمر وعالم الخلق وما بين عالم الخلق وعالم الأمر ى: فأخرج من خلال هذا المركز والعمق حال متغير أو مغاير
عن حاله السموات والأرض قبل وجود هذا الرابط والوصل ألا وهو العرش فكان الحال الجديد هو الحال الأوضح والأنشط
والأعجب والأغرب والخطر والأكثر تأثيراً في الخلائق والأكثر انضباطاً من خلال هذا
العرش.
قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} (سورة البقرة
29)
فإذا كان السماوات أصبحت بها مسارات بمثابة مراكز حركة
الأراضين بكل مكوناتها المادية، فالسماء مراكز ومقاييس ومسارات تجمع وتضم وتتداخل
فيها عناصر المادة وتضبطها وتتواصل فيها وتتكامل، فالعرش يربط بين جميع المسارات
والعناصر المادية أياً كانت.
قال تعال:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (سورة الحديد 4)
والفرق بين إلى وعلى في الاستواء في
في إلى: حالة الاستواء تتم من خلال خروج منضبط للدخان من
نطاقه إلى نطاق آخر في تلك السماء ليتضح ويتشكل في شكل ومسارات محددة، كمثال: انجذاب
العناصر إلى المغناطيس.
في حالة على: حالة الاستواء تتم بكشف ما عليه وهو هنا
العرش لكل عمق بانتقاله من نطاقه إلى نطاق كل ما علاه فضبط كشف ما بهذا العمق،
كمثال: عدسة استوت على الميكروب أو الطفيل فكشفت أدق تفاصيله.
ففي الحالتين السابقتين كل تغير يحدث سواء انجذاب عناصر
أخرى أو استمرار انكشاف حركة ما بداخل الطفيل أو الميكروب هي بمثابة تغيرات تحكمها
قوانين الاستواء بـ إلى أو على، فيكون الاستواء مستمر لا يتوقف لأنه تم وضع قوانين
هذا الاستواء لاستمراره كسنة ثابتة لا تحتاج لإعادة بناء وهذه الحالة لا نجدها
ثابتة فيما أشارت له الآيات.
تعليقات
إرسال تعليق