هذا الفارق سوف يوضح أن
النيل كان متصلاً بالبحر الأحمر
الْيَمِّ:
أصل الكلمة يمم، أي
يستخرج أو يُخرِج شيء فيجمعه ويضمه إليه ويكرر هذا الاستخراج والجمع والضم، وقد
ورد لفظ الْيَمِّ بنفس التشكيل بالقرآن الكريم ما عدا الْيَمُّ في سورة طه الآية
39، حيث قال تعالى:
{فَانْتَقَمْنَا
مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (سورة الأَعراف 136)
{أَنِ اقْذِفِيهِ فِي
التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}
(سورة طه 39)
{وَانْظُرْ إِلَى
إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ
لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (سورة طه 97)
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى
أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ} (سورة القصص 7)
{فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الظَّالِمِينَ} (سورة القصص 40)
{فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} (سورة الذاريات 40)
الْيَمِّ هنا يوجد به صفة
أنه يتم خروج الماء إليه وجمعها وضمها فيه من روافد مختلفة فما يتم جمعه فيه يمر
ويجري هو أيضاً في مساره.
إذن الْيَمِّ يجري في نفس
الاتجاه والمسار للماء الوارد إليه ويستمر في ذات اتجاه سريانه في عملية مستمرة،
وهنا يصبح النيل بالتعبير القرآني يم.
إلا أن ذات الْيَمِّ أصبح
الْيَمُّ حين ألقى الوليد بالساحل، حيث تحول هنا من صفة الجريان للماء إلى الوصل
بين الوليد والساحل فصارت الميم مضمومة، وتغير حال النهر فلم يجري به لمسارات لا
تتوقف كما هي صفته الأساسية، فاختلف التشكيل.
البحر:
البحر له معاني أهمها بحر
علم وما بين البحر علم وما بعد مجمع البحرين محيط علم، فالبحر هو ما بدى لنا من
محيط وارتبط به، فكما هناك بحر من الماء بادي من محيط فهناك بحر من العلم الدنيوي
يبدو لنا من عالم المادة بادي لنا ندرك منه ما نستطيع ولكن من خلفه محيط علم أعمق
لا يمكن إدراك نهايته عن المادة.
وفي المقابل يبدو لنا من
كتب الله السماوية ومن حكمة الله في خلقه بحر آخر من الحياة الأخروية أي عالم
الأمر من خلفه علم محيط لا يمكن بلوغ نهايته من عالم الأمر.
ومن كلا البحران هناك
مجمع بينهما يبدوان لمن أنعم الله له من العلم، فيبدو له من عالم الأمر خُبرا عن
عالم الدنيا فكان موسى يريد بلوغ مجمع بينهما ولكن لم يستطع صبرا.
فصفة البحرين متضادان في
ظاهرهما، ولكن من كلاهما والانتقال بين علميهما والجمع بينهما والاحاطة بهما
والجمع بينهما واستمرار المحاولة يمكن تطويع أمورنا وأحوالنا وربطها بين عالم
الخلق والأمر بين الدنيا والآخرة، واستخراج العمل الأكثر تفاعلًا وتأثيرًا من خلال
إخضاع عمل الدنيا لقوانين عالم الأمر.
إذن البحر يبدو ويظهر من
محيط، في حيز مرتبط ومتحكم فيه ومسيطر عليه هذا المحيط.
ما الفرق بين اليم والبحر:
إذن الفارق أن اليم له
روافد متعددة ويسري في اتجاهه باستمرار ويصب في مكان آخر أما البحر فهو يبدو في
منطقة منخفضة وله مضيق يمده بالماء من محيط.
وهنا يبقى لغز يجب فهمه،
وهو كيف البحر يصبح يم أو العكس في قوله تعالى:
{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ
رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} (سورة الدخان 24)
{فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} (سورة الذاريات 40)
إذن أن مرورهم كان في بحر
وأصبح هذا البحر يم كيف؟!
فكيف يكون البحر الذي أوله مضيق ماءه مربوط بمحيط، يتحول إلى الْيَمِّ، ولكن لو تأملنا قليلاً سوف نكتشف أن البحر ما كان مصباً لهذا اليم وأن الماء كان رهواً ولكن حين التأم الماء اتخذ اتجاه مضاد عكس اتجاه المصب لداخل اليم أو النيل إذا ما اعتبرنا أنهم كانوا فرارهم من مصر، وأن النيل كان متصلًا بالبحر الأحمر في منطقة الفرار، وأن الطود العظيم حين إنساب الماء منه كان ضغط الماء عكس اتجاه ماء المصب فنبذهم الله تعالى في الْيَمِّ وكان غرقهم فيه بفيضان ماء البحر فيه، فجاء لفظ فَأَخَذْنَاهُ، فلم يكن غرق في ذات البحر وإنما تم أخذهم لهذا الْيَمِّ.
تعليقات
إرسال تعليق