القائمة الرئيسية

الصفحات

تحريك الميليشيات في الشرق الليبي: بين الحرب بالوكالة واستنزاف مصر استراتيجيًا

 


تحريك الميليشيات في الشرق الليبي: بين الحرب بالوكالة واستنزاف مصر استراتيجيًا

مقدمة

تشير التحليلات الاستراتيجية إلى احتمالية تحريك الولايات المتحدة وحلفائها للميليشيات التي صنعتها في الغرب الليبي بين مارس ويونيو من هذا العام. هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية استنزاف مصر وإشغالها في جبهات متعددة، للحيلولة دون تدخلها الحاسم في غزة أو التأثير على التوازنات الإقليمية. فما هي تفاصيل هذا التحرك؟ وما الغرض الحقيقي منه؟ وكيف يمكن لمصر مواجهته؟


أولًا: لماذا سيتم تحريك الميليشيات الليبية؟

تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تشتيت الجهد العسكري المصري ومنعها من اتخاذ خطوات أكثر حسمًا تجاه إسرائيل أو أي تهديد للمصالح الغربية في المنطقة. هناك عدة أهداف رئيسية لهذا التحرك:

1. إشغال مصر بجبهة جديدة

  • فتح جبهة غربية سيجعل الجيش المصري في وضع دفاعي بدلًا من التركيز على مواجهة المخططات الإسرائيلية في غزة.
  • أي اضطرابات في الحدود الليبية ستجبر مصر على استثمار موارد إضافية هناك، مما يؤثر على خططها في سيناء والحدود الشرقية.

2. إحياء الميليشيات التابعة للغرب

  • بعد فترة من التراجع، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تنشيط ميليشيات الغرب الليبي لتأمين وجودها العسكري غير المباشر في المنطقة.
  • تحريك هذه الميليشيات يمثل ضغطًا سياسيًا وعسكريًا على مصر.

3. الضغط على مصر في ملفات أخرى

  • أي تصعيد غربي في ليبيا يمكن أن يكون ورقة ضغط على مصر في ملف سد النهضة أو العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الغرب.
  • التهديد المستمر على حدود مصر الغربية قد يُستخدم لابتزازها ومنعها من دعم غزة أو التحالف مع قوى إقليمية معارضة للسياسات الغربية.

ثانيًا: الجبهات الأخرى التي يمكن تحريكها ضد مصر

إلى جانب ليبيا، هناك جبهات أخرى يمكن استخدامها لإضعاف مصر خلال هذه الفترة:

1. الجبهة الجنوبية (السودان - إثيوبيا)

  • مصر لديها مخاوف من حكومة السودان غير المستقرة، والتي قد تُستغل لخلق اضطرابات على حدودها الجنوبية.
  • هناك احتمال بأن تحاول إثيوبيا التصعيد في ملف سد النهضة مستغلة انشغال مصر في جبهات أخرى.
  • بعض الفصائل المسلحة داخل السودان قد تتحرك بدعم غربي لمحاولة زعزعة الاستقرار المصري.

2. الجبهة الشرقية (سيناء - غزة)

  • قد تستغل إسرائيل انشغال مصر في الجبهات الأخرى لفرض وقائع جديدة في غزة، مثل تهجير الفلسطينيين أو تنفيذ عمليات عسكرية واسعة.
  • سيناء قد تُستهدف بعمليات إرهابية متزامنة مع تحريك الجبهات الأخرى.

3. الجبهة الداخلية (الاقتصاد والإعلام والتخريب)

  • يمكن أن يكون هناك تحرك إعلامي وسياسي واقتصادي ضد مصر، يشمل نشر شائعات، وفرض ضغوط اقتصادية، وحتى افتعال أزمات داخلية لإضعاف موقفها.

ثالثًا: العدو الأساسي ولماذا لا يتم استهدافه مباشرة؟

من هو العدو الأساسي؟

  • العدو الأساسي هو الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، الذين يقفون خلف تحريك الميليشيات الليبية، ودعم إسرائيل، والضغط الاقتصادي على مصر.
  • إسرائيل هي المستفيد الأول من إضعاف أي تهديد عربي محتمل، مما يجعلها شريكًا رئيسيًا في هذه الإستراتيجية.

لماذا لا يتم استهداف العدو الأساسي بشكل مباشر؟

1. القيود الدبلوماسية والعسكرية

  • مصر تدرك أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل تعني الدخول في نزاع غير متكافئ عسكريًا واقتصاديًا.
  • المواجهة العسكرية المباشرة قد تؤدي إلى عقوبات وضغوط دولية تؤثر على الاقتصاد المصري.

2. التكتيك الاستنزافي بدلًا من التصعيد المباشر

  • يمكن لمصر إفشال مخططات العدو عبر تعطيل أدواته مثل الميليشيات في ليبيا، ودعم المقاومة في غزة، وتقوية الحلفاء الإقليميين.
  • التحرك الذكي يكون بضرب أذرع العدو بدلًا من الدخول في مواجهة مباشرة معه.

3. الاستفادة من الصراعات الدولية

  • الولايات المتحدة مشغولة بمواجهة روسيا في أوكرانيا والصين في المحيط الهادئ، ما يجعلها في وضع غير قوي.
  • يمكن لمصر استغلال هذا الوضع عبر تحالفات تكتيكية مع قوى مثل روسيا والصين لموازنة الضغوط الغربية.

رابعًا: كيف يمكن لمصر مواجهة هذا المخطط؟

1. تعزيز الأمن على الحدود الليبية

  • نشر وحدات استطلاع عسكرية متقدمة على طول الحدود.
  • تنفيذ ضربات وقائية ضد أي تحركات مشبوهة داخل ليبيا.
  • دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر لضرب أي محاولات لإعادة إحياء الميليشيات الموالية للغرب.

2. تحرك استراتيجي في ملف غزة

  • التحرك الاستباقي لمنع أي تصعيد إسرائيلي خطير ضد الفلسطينيين.
  • استمرار الدعم اللوجستي لغزة يمكن أن يكون ورقة ضغط مضادة على إسرائيل وأمريكا.

3. تعزيز العلاقات مع روسيا والصين

  • أي مواجهة بين مصر والغرب تستدعي خلق تحالفات جديدة تقلل من تأثير العقوبات الاقتصادية أو الضغط السياسي المتوقع.
  • روسيا والصين يمكن أن تكونا داعمتين لمصر في حال تصاعدت الضغوط الأمريكية عليها.

4. استخدام الدبلوماسية الذكية

  • تجنب إعطاء مبررات للغرب لتصعيد الموقف ضد مصر.
  • استخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على الدول الأوروبية التي قد تكون أقل رغبة في الدخول في صراع مفتوح.

خامسًا: ماذا لو نجح الغرب في تحريك الميليشيات الليبية؟

إذا لم يتم التصدي لهذا المخطط مبكرًا، فقد نشهد:

  • تصاعد العمليات الإرهابية في المنطقة الغربية من مصر.
  • زيادة التدخل الغربي المباشر في ليبيا، وربما محاولة إنشاء قواعد عسكرية دائمة.
  • إضعاف قدرة مصر على المناورة إقليميًا، وإشغالها بجبهة استنزاف طويلة الأمد.

لكن إذا نجحت مصر في إجهاض هذا التحرك مبكرًا، فستكون في موقف أقوى للتعامل مع بقية التحديات الإقليمية، وخاصة ملف غزة.


الخاتمة

تحريك الميليشيات الليبية ليس مجرد تحرك تكتيكي، بل هو جزء من استراتيجية شاملة لإضعاف مصر ومنعها من لعب دور حاسم في القضايا الإقليمية. لكن إذا أدارت مصر هذا الملف بذكاء، فقد يكون بإمكانها ليس فقط إجهاض هذا المخطط، بل أيضًا تعزيز نفوذها الإقليمي وإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة لصالحها.

تعليقات