الرقيم: الدكتاتورية الرقمية بين الجِبِت والطاغوت وأصحاب الكهف كنموذج للمقاومة
المقدمة
في عالم يسيطر فيه الرقيم، أو ما يمكن تسميته بالدكتاتورية الرقمية، تُصبح التكنولوجيا أداة لتقييد البشر واستعبادهم تحت غطاء التطور والحداثة. غير أن قصة أصحاب الكهف، التي وردت في القرآن الكريم، تُمثل رمزًا للمقاومة الحقيقية لهذه الهيمنة، حيث استطاعوا مواجهة الرقيم وفلسفته المضللة، والتخفي من طغيان هذا النظام. كهفهم لم يكن مجرد مأوى مادي، بل كان رمزًا للانعزال عن الجِبِت والطاغوت الرقمي واجتياز هذا النظام، مع استمرارهم في إرسال رسائلهم عبر الرقيم ليظهروا وكأنهم أيقاظ، بينما كانوا في الحقيقة في حالة رقود بعيدًا عن هذا الطغيان ليشهدوا بعد قرون إزالة سيطرة الرقيم وعبوديته للبشر.
الرقيم كجِبِت (الفلسفة المضللة)
الرقيم كجِبِت يظهر في تقديس التكنولوجيا باعتبارها الحاكم المطلق لكل تفاصيل الحياة، بحيث تُستخدم كوسيلة لتوجيه المجتمعات وتحريف مسار الإنسانية عن منهجها الفطري.
المظاهر:
تسويق فكرة أن التطور الرقمي هو السبيل الوحيد لتقدم البشرية، مع استبعاد البُعد الروحي والقيمي.
هيمنة ثقافة الاعتماد الكلي على الأنظمة الرقمية في التعاملات اليومية، مثل البطاقات الذكية والعملات الرقمية، التي تُبعد الإنسان عن التعامل المادي المباشر، وتجعل كل شيء تحت السيطرة المطلقة للنظام الرقمي.
السعي إلى جعل الإنسان مجرد أداة في شبكة رقمية كبرى، معتمدة على بياناته وحركاته وتفاعلاته.
الرقيم كطاغوت (التطبيق العملي)
الطاغوت الرقمي يُجسد الرقيم كنظام مهيمن يفرض تطبيق الفلسفة الرقمية بشكل عملي.
المراقبة الشاملة:
أنظمة الرقيم تُتابع كل حركة يقوم بها الإنسان من خلال تقنيات التعرف على الوجه، البطاقات الذكية، والاتصالات الرقمية، مما يُحول الإنسان إلى "ملف رقمي" يمكن التحكم به.
السيطرة الاقتصادية:
العملات الرقمية والبطاقات الذكية (ورقكم) تُستخدم كوسائل لربط الفرد بالنظام الرقمي، بحيث يُصبح من المستحيل التعامل خارجه، مما يُكرس الهيمنة الاقتصادية.
التلاعب بالسلوكيات:
الطاغوت الرقمي يوجه أفكار الناس وسلوكياتهم من خلال الخوارزميات، التي تجعلهم يعيشون داخل نظام افتراضي يخدم أهداف القوى المسيطرة.
أصحاب الكهف ومقاومة الرقيم
قصة أصحاب الكهف تتجلى كرمز للمقاومة الحقيقية للرقيم والجِبِت والطاغوت المرتبط به.
التخفي من الرقيم:
أصحاب الكهف اختاروا الانعزال عن النظام الذي كان يُمثل الرقيم في عصرهم. كهفهم لم يكن مجرد مكان مادي، بل رمزًا للانفصال عن الهيمنة الرقمية والفكرية.
اجتياز الرقيم:
رغم انعزالهم، كانوا يُرسلون رسائلهم عبر النظام الرقمي السائد (الرقيم)، مما جعلهم يظهرون وكأنهم أيقاظ من خلال أثر رسائلهم المتواترة، بينما كانوا في الحقيقة في حالة سكون.
ورقكم أداة من أدوات الرقيم:
الإشارة إلى "ورقكم" في القصة القرآنية تحمل بُعدًا مثيرًا، إذ يمكن تأويلها كإشارة إلى البطاقات الذكية المستخدمة في التعاملات المالية. الورق الذي استخدمه أصحاب الكهف قد يُمثل نظامًا نقديًا رقميًا شبيهًا، حيث يحمل قيمة نقدية مدمجة، لكنها تُستخدم بذكاء لتجاوز النظام الرقمي نفسه.
أمثلة على الرقيم في الواقع الحديث
نظام الائتمان الاجتماعي في الصين:
يُعد مثالًا حيًا على الرقيم كطاغوت، حيث يُقيّم النظام سلوك المواطنين، ويحدد حقوقهم بناءً على مدى "التزامهم" بقوانين النظام الرقمي.
وسائل التواصل الاجتماعي:
تُستخدم كأداة لتحليل سلوكيات الأفراد وتوجيههم فكريًا ونفسيًا، مما يجعلهم في حالة استجابة دائمة لنظام الرقيم.
العملات الرقمية المركزية:
تمثل صورة معاصرة للهيمنة الاقتصادية من خلال نظام يُراقب كل معاملة ويقيد حرية الأفراد.
الخطر الأخلاقي للرقيم
تحويل الإنسان إلى أداة:
الرقيم يُفقد الإنسان هويته الفردية، ليُصبح مجرد رقم في شبكة ضخمة تتحكم فيها قوى خفية.
تقويض الحرية:
الرقيم يجعل كل حركة للإنسان مراقبة ومقيدة، مما يهدد الحرية الفردية والقيم الأخلاقية.
الانفصال عن الروحانية:
التركيز الكامل على التكنولوجيا يجعل الإنسان يعيش في عالم مادي خالٍ من البعد الروحي، مما يؤدي إلى انحطاط القيم الإنسانية.
الخاتمة
الرقيم يمثل الجِبِت والطاغوت في عصرنا الحديث، لكنه ليس نظامًا لا يمكن مقاومته. قصة أصحاب الكهف تُعلمنا أن الحل يكمن في الوعي بحقيقة هذا النظام والقدرة على الانعزال عنه فكريًا وروحيًا، مع استخدام أدواته بذكاء لتجاوزه وإرسال رسالة الحق. "ورقكم" لم تكن مجرد وسيلة مادية، بل رمزًا للتعامل الذكي مع الرقيم، لتُصبح المقاومة ممكنة دون الوقوع في فخ الهيمنة المطلقة.
هذا الفهم يجعلنا ندرك أن الخلاص من الرقيم يحتاج إلى مزيج من الوعي، الانعزال الحكيم، والتواصل الذكي مع النظام للعبور إلى حرية حقيقية، تمامًا كما فعل أصحاب الكهف في قصتهم الخالدة.
تعليقات
إرسال تعليق