تفكيك دول الطوق: من تعدد الهويات إلى استباحة الأوطان
المقدمة: عندما يُصبح الوطن بلا هوية
في قلب الشرق الأوسط، حيث تُشكل دول الطوق الحاجز الاستراتيجي أمام التوسع الإسرائيلي، يُنفَّذ مخطط معقد يهدف إلى تفكيك الهوية الوطنية وإحلال تعددية هوياتية مشوهة، تمهيدًا لتحويل هذه الدول إلى كيانات مفككة بلا انتماء قومي. النتيجة؟ جيوش وأجهزة أمنية يقودها أشخاص متعددو الجنسيات مجهولو الهوية والانتماء. هذه ليست مجرد نظرية، بل مشروع قيد التنفيذ، تجلياته واضحة في سوريا، حيث اختفت معالم الدولة الوطنية لصالح "دويلات الأمر الواقع" التي تحكمها ميليشيات متعددة الولاءات.
المرحلة الأولى: تفكيك الهوية الوطنية تحت شعار التعددية
1. من دولة ذات سيادة إلى ساحة صراع بين الهويات المتناحرة
- تاريخيًا، كانت سوريا دولة مركزية ذات هوية عربية وطنية واضحة، لكنها تحولت إلى موزاييك من القوى المتناحرة:
- الشمال: تحكمه قوى كردية مرتبطة بالمشروع الأمريكي، تطمح لإنشاء كيان مستقل.
- الغرب: يخضع لنفوذ القوات الروسية والميليشيات الإيرانية.
- الجنوب: يعج بالفصائل المدعومة من دول خارجية مختلفة.
- قلب سوريا: تحت سيطرة النظام، لكنه لم يعد يملك سلطة مطلقة بسبب اختراق أجهزة الدولة من قِبل قوى خارجية.
2. انهيار الجيش والمؤسسات الأمنية: من جيش وطني إلى ميليشيات متعددة الولاءات
- الجيش السوري لم يعد موحدًا، بل يعتمد على دعم الميليشيات الإيرانية والروسية، مما أدى إلى تنافس داخلي على النفوذ.
- أجهزة المخابرات، التي كانت سابقًا العمود الفقري للدولة، أصبحت مشلولة بسبب الاختراقات الأجنبية.
3. التحول الديموغرافي: تغيير التركيبة السكانية لطمس الهوية القومية
- عمليات التهجير القسري غيرت التركيبة السكانية، حيث تم إخلاء مناطق سنّية واستبدالها بميليشيات شيعية، والعكس في مناطق أخرى.
- إعادة التوطين الممنهجة في المناطق الكردية، حيث تم تهجير العرب لصالح جماعات موالية للمشروع الأمريكي.
المرحلة الثانية: تعميم الفوضى في دول الطوق كتمهيد للتوسع الإسرائيلي
بعد نجاح التجربة السورية، يتم تصدير الفوضى إلى بقية دول الطوق باستخدام أدوات مشابهة:
1. لبنان
- انهيار الدولة وتحول الجيش إلى كيان ضعيف أمام نفوذ حزب الله والمصالح الخارجية المتضاربة.
2. الأردن
- محاولات مستمرة لإضعاف الدولة عبر أزمات اقتصادية وتغيير التركيبة السكانية نتيجة تدفق اللاجئين.
3. العراق
- ساحة نفوذ متداخلة بين إيران والولايات المتحدة، مع تقسيم فعلي بين الأكراد، والشيعة، والسنة.
4. مصر
- ضغوط خارجية مستمرة لخلق أزمات داخلية وإضعاف دورها الإقليمي، رغم صمودها حتى الآن.
لماذا هذا المخطط؟ ولماذا الآن؟
- الهدف ليس إسقاط أنظمة فقط، بل خلق فراغات أمنية وسياسية تتيح لإسرائيل التمدد دون حروب مباشرة.
- مع زوال الجيوش الوطنية وتدمير الهوية القومية، ستصبح إسرائيل القوة الوحيدة المنظمة في المنطقة.
- مشروع "إسرائيل الكبرى" لن يُفرض بالقوة العسكرية وحدها، بل من خلال انهيار الدول المحيطة.
كيف نواجه هذا المخطط؟
1. تعزيز الهوية الوطنية
- عدم الوقوع في فخ الطائفية أو العرقية، لأنها أهم أدوات التفكيك.
2. الحفاظ على الجيوش الوطنية
- تحييد المؤسسات العسكرية عن الصراعات الداخلية، ومنع اختراقها.
3. السيطرة على الاقتصاد
- منع الاختراقات الخارجية، لأن الضغوط الاقتصادية أداة رئيسية في تفكيك الدول.
4. تعزيز التحالفات بين دول الطوق
- التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي لمواجهة التفكك والتدخلات الخارجية.
الخاتمة: هل نسقط في الفخ أم نعيد بناء أوطاننا؟
ما يحدث في سوريا قد يكون النموذج الذي يُراد تعميمه على بقية دول الطوق. فالسؤال هو: هل سنسمح بتكرار هذا السيناريو؟ أم أن هناك فرصة لإنقاذ ما تبقى من الهويات الوطنية قبل أن تتحول المنطقة إلى فسيفساء من الكيانات المتناحرة، التي لن تصب إلا في مصلحة قوة واحدة فقط؟
إدراك هذه المخططات هو الخطوة الأولى لمواجهتها، لكن التحدي الأكبر: هل لدينا الإرادة للوقوف أمام هذا الزحف المنظم نحو الفوضى؟
تعليقات
إرسال تعليق