القائمة الرئيسية

الصفحات

ماهية العبادة في قوله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ

 


قال تعالى:

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (سورة الذاريات 56)

العبادة هي كشف وإدراك قوانين الله التي هي أسماءه في خلقه، فمفهوم خلق الإنس والجن إلا ليعبدون الذي تم نقله لنا هو مفهوم خاطئ.

فهم يعبدون سواء آمنوا أم لم يؤمنوا مارسوا مناسكهم أم لم يمارسوها، فالكل خاضع لقوانين أسماءه التي تتكشف في عالم الخلق فينا شئنا أم أبينا كذَّبنا أم صدَّقنا.

فقوله وما خلقنا الإنس والجن إلا ليعبدون مفهوم شامل، وهو مفهوم كشف القوانين من اللامُدرك إلى حالة الإدراك للمخلوقات.

لذلك عندما أخبر الله تعالى ملائكته بخلق آدم أبلغهم بأنه سوف يكون خليفة، والخليفة من له صفة التخليق من مادة الكون بخياراته الحرة وما يترتب عليها من إفساد، فكان إدراكهم لفساد الإنسان للأرض إذا ما وهبه الله صفة قدرة التخليق والاختيار الحر.

ولكن يحكم هذه الخيارات الممنوحة للخليفة أسماء الله التي تحمل السنن الحاكمة للفطرة مهما بلغ فساد وإفساد الإنسان، فهي تعيد التوازن في داخل حدود السنن الكونية مهما مر من وقت.

فالإفساد له قمة لتعيد الفطرة نفسها من جديد وتدخل الإنسانية المسجد الإلهي كما دخلوه أول مرة مفطوراً ساجداً للفطرة الإلهية مهما كانت وجهة وتوجهات من علوا في الأرض.

فكانت نهاية قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الحجر وبني إسرائيل في زماننا في علوهم الثاني قريباً، وغيرهم لإعادة الفطرة بعد العبث بتوازنها.

ولهذا علَّم الله تعالى الأسماء لآدم، ثم عرضهم على الملائكة كونهم لم يدركوها من قبل، وكون لم يكن هناك المخلوق الأساسي الخليفة الذي سوف يتم تسخير الملائكة والجن في خدمته وتتكشف هذه القوانين لمخلوقاته، وحين عرضهم على الملائكة أدركوا أنهم لم يكونوا يعلموا إلا ما علمهم الله.

وهكذا بإدراكهم للأسماء وقوانينها انكشف لهم علم جديد وحكمة إلهية من خلقه، فأمرهم أن يسجدوا، أي يصبحوا كملائكة وجن في خدمة آدم كطاقات أساسية ما بين طاقة الملائكة التي تقدس لله بنقل الأمر الإلهي، أي نقل الروح التي هي من أمر ربي إلى عالم الخلق فقط فهي طاقات موجبة لا يتم تسخيرها في معصية.

وفي الجانب الآخر الجن ولهم حق الاختيار بالسجود لآدم أم لا، فهم كطاقات سالبة في كل الأحوال يتم تسخيرها للإنسان بشكل غير مُدرك، فهم الطاقة الخفية التي لا يمكن إدراكها ولا تجسيدها كما يزعم البعض، فهي طاقات يمكن استخدامها في خير أو شر أو كلاهما وللإنسان حرية الاختيار.

فالجن هو قدرة التحول غير المرئية التي نستعملها في شتى المجالات التكنولوجية بشكل عادي ويومي، وكرسي سليمان عليه السلام كان يتحكم في الجن ومنسأته أداة أو ما نسميه عصا التحكم في زماننا.

 وليست تلك الخرافات التي نسجناها حول زمان سليمان عليه السلام، فمن خلال طرق التحكم التكنولوجية يتحول العمل البرمجي إلى تمثال ورسومات ونحت دقيق، فسليمان عليه السلام كان لديه من العلم ما يفوق ما وصلنا إليه وكان شاهداً علينا في كونه سخره في طاعة الله.

ولكن ما وصلنا من علم سليمان عليه السلام هو ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، فهم نقلوا لنا علمه بعد شطنه، فما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا بشطنهم لهذا العلم وجعله يؤدي إلى الإفساد.

لذلك سجد كل من الملائكة والجن إلا إبليس الذي خرج عن طاعة التسخير ومن بعده قبيلهِ الذين خرجوا هم أيضاً من بعده، فبخروجهم يصبحوا لديهم القدرة للوسوسة والوصول لمراكز الوصل وإلقاء الأفكار للأذن الداخلية للإنسان لإغرائه وتحميله بالأماني لتغيير خلق الله.

فالشياطين توسوس بشطن الطاعة أي لجعلها شبيهة بها لكن قاموا بتحويرها لتصبح ضد الطاعة وان احتفظت بالشكل مثل الصلاة والصدقة من أجل الرياء ورأي الناس.

أو بَلَس المعصية بتزيينها واظهارها بأنها الأفضل لحياة الإنسان، فيصبح الزنا افضل بشطن الزواج وجعله صراع وخيبات في المجتمع، فيزين للناس حب الشهوات زنا وسرقة وفساد وحانات ومواقع إباحية .. الخ.

ورغم كل هذا الإفساد تبقى قوانين الله في أسماءه، لتعيد ضبط نسيج حركة الحياة، وللأسف معظم الأسماء يعيها الإنسان بمفاهيم متداولة خاطئة، فلم يدركوا السنن فيها فلم يعقلوها.

فمثلاً العليم والخبير قوانين خاصة بطبيعة الخلق والتخليق، فكل خلق أتى بقانون الخبير، وأهم ما يحكمه أن أي خلق يأتي من اللامُدرك أي يكون خفياً في الأصل أو من مادة مختلفة، فيبدو ويظهر على مخلوق آخر أو مادة أخرى لينشط وتتحكم فيه هذه المادة وتسيطر في ظهور هذا المخلوق.

فحتى آدم أتى من طين وذريته من ماء مهين، فأصل المخلوق مختلف عن طبيعة ظهوره.

وقانون العليم، هو قانون الكشف عن المخلوق من اللامُدرك أو المختلف عنه بجعله متناغم ومتلاحم في طبيعته مع نسيج حركة مادة الحياة التي يحيا فيها ويصير نشطاً فيها.

فخلق آدم من طين أو الذرية من ماء مهين كان كشف المخلوق هنا من اللامُدرك الى مرحلة الإدراك كان متناغماً متلاحماً مع المادة الكونية حوله.

فلك أن تتخيل أن الإنسان خرج للحياة فلم يجد الأكسجين، أو لم يكن بجسده قدرة التمثيل الغذائي كإمكانية يمكن تحويل المادة اليابسة من النبات مثلاً من خلال عملية معقدة إلى مواد وطاقة تساعد في بناء هذا البلد الأمين، أي تساعد في بناء هذا الجسد فيصير أنشط بكل ما تم نسجه له من قوانين العليم ليسبح داخل مواد حوله ليصبح أطواراً سواء في رحم الأم أو خارجها.

وهكذا الأميبا في بيئتها والأسد في الغابة وما تحت الثرى.

فأسماءه صفة وخصائص قوانينه المطلقة التي تحتاج لتأمل عميق في كل سُنة تحكمها داخل هذا الكون، لذلك سوف تجد الأسماء لا حدود لها، فقوله الله الرحمن الرحيم اسم واحد، والعليم الخبير اسم واحد، وإن كل منهم على حدة أسماء مفردة، فكلهم صفة قوانين مترابطة مع بعضهم البعض.

وأخيراً الإنسان حمل الأمانة بإرادته وأبت المخلوقات حملها، فكان له الاختيار في نطاق المادة، أما إبليس فأبى السجود أي التسخير من أجل الإنسان، فتم فرض الاختيار ما بين السجود وعدم السجود عليه، ومن وراءه الجن عليه تسري ذات القاعدة.

تعليقات