القائمة الرئيسية

الصفحات

التفسير العلمي لتأثير "الزار": بين التأثير النفسي والجماعي

 


التفسير العلمي لتأثير "الزار": بين التأثير النفسي والجماعي

الزار هو طقس تقليدي يُمارَس في بعض الثقافات الإفريقية والعربية، ويُعتقد أنه وسيلة لطرد "الأرواح الشريرة" أو "الجن" من جسم الشخص المصاب. يتميز الزار بالموسيقى الصاخبة، والرقص العنيف، والتكرار الإيقاعي، مما يؤدي إلى حالات من الهياج والتشنج لدى المشاركين. لكن بعيدًا عن التفسيرات الغيبية، كيف يمكن تفسير تأثير الزار من منظور علمي؟

1. التأثير النفسي والفسيولوجي للزار

أ. حالة الغشية (Trance State) وتأثيرها على الدماغ

  • عند دخول الشخص في طقس الزار، يبدأ بالإحساس بتغيّرات في وعيه تشبه الغشية (Trance)، وهي حالة يتم فيها تقليل نشاط الدماغ الواعي وزيادة الاستجابة للعوامل الخارجية.

  • هذه الحالة تحدث بسبب التكرار الإيقاعي للموسيقى والرقص، مما يؤدي إلى تغييرات في النشاط الكهربائي للدماغ، شبيهة بتلك التي تحدث أثناء التأمل العميق أو التنويم المغناطيسي.

  • في هذه الحالة، يصبح الشخص أكثر قابلية للإيحاء، مما يجعله يعتقد أنه تحت سيطرة قوى غيبية.

ب. تأثير التكرار الإيقاعي على الجهاز العصبي

  • التكرار المنتظم للضربات الموسيقية يؤثر على نشاط الدماغ من خلال مزامنة الإيقاع مع موجات الدماغ، وهو ما يُعرف بـ "التذبذب العصبي" (Neural Oscillations).

  • هذا التأثير يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالنشوة أو فقدان الإحساس بالزمن والمكان، مما يعزز من الإيمان بأن الشخص قد "تحرر" من الأرواح.

ج. فرط التهوية (Hyperventilation) وتأثيره على الجسم

  • في الزار، يُطلب من المشاركين القيام بحركات سريعة وعنيفة، مما يزيد من معدل التنفس ويسبب فرط التهوية.

  • فرط التهوية يؤدي إلى انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم، مما يسبب شعورًا بالدوار، وخدر في الأطراف، وارتباك ذهني، وأحيانًا هلوسات حسية، مما قد يُفسَّر على أنه "تلبس روحي".

2. التأثير الاجتماعي والثقافي للزار

أ. تأثير الإيحاء الجماعي (Mass Suggestion)

  • عندما يشارك الشخص في طقس الزار وسط مجموعة تؤمن بتأثيره الروحي، فإن العقل يصبح أكثر استعدادًا لقبول الفكرة بأن ما يحدث له حقيقي.

  • هذه الظاهرة تُعرف بـ "الإيحاء الجماعي"، حيث يتأثر الأفراد بمعتقدات المجموعة ويتصرفون وفقًا لها.

ب. التحرر النفسي من الضغوط

  • الأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية أو كبت اجتماعي قد يجدون في الزار وسيلة للتنفيس عن مشاعرهم.

  • الزار يمنحهم فرصة للصراخ، والرقص العنيف، والتعبير عن أنفسهم دون خوف من الأحكام الاجتماعية، مما يجعلهم يشعرون بالراحة بعد الطقس.

ج. دور العادات والتقاليد في ترسيخ الاعتقاد

  • في المجتمعات التي تؤمن بالزار، يتم تلقين الأطفال منذ الصغر بأن هذه الطقوس لها تأثير خارق، مما يجعلهم أكثر عرضة للإيمان بها عندما يكبرون.

  • بعض الأشخاص يستخدمون الزار كحيلة لإثبات أنهم تحت تأثير "قوة خارقة"، مما يمنحهم اهتمامًا اجتماعيًا أو يُعفيهم من المسؤوليات.

3. مقارنة الزار بحالات نفسية معروفة

أ. تشابه الزار مع اضطرابات نفسية مثل الهستيريا الجماعية

  • بعض الدراسات النفسية تقارن ظاهرة الزار بما يُعرف بـ "الاضطرابات التحويلية" (Conversion Disorder)، حيث يعاني الشخص من أعراض جسدية (مثل التشنجات) دون وجود سبب طبي واضح، بسبب التوتر النفسي أو الضغوط الاجتماعية.

  • كما يشبه الزار حالات الهستيريا الجماعية، حيث تنتشر الأعراض بين مجموعة من الأشخاص نتيجة التأثر العاطفي المشترك.

ب. تشابه الزار مع الطقوس الروحانية في الثقافات الأخرى

  • هناك طقوس مشابهة في ثقافات مختلفة، مثل "الطقوس الشامانية" لدى بعض القبائل الأمريكية الأصلية، و**"الرقص الصوفي"** عند بعض الجماعات الصوفية، حيث يدخل الأفراد في حالات غشية مماثلة.

  • هذا يشير إلى أن التأثير ليس مرتبطًا بالجن أو الأرواح، بل هو استجابة فسيولوجية ونفسية للتحفيز الإيقاعي والإيحاء الجماعي.

4. الخلاصة: هل الزار حقيقي أم مجرد تأثير نفسي؟

من الناحية العلمية، لا يوجد دليل على أن الزار مرتبط بقوى غيبية أو كائنات خارقة. بل يمكن تفسيره بالكامل من خلال:

  • التغيرات الفسيولوجية (مثل فرط التهوية والتأثير العصبي للإيقاع).

  • التأثير النفسي (مثل الغشية والإيحاء الجماعي).

  • الجانب الاجتماعي والثقافي (حيث تلعب التقاليد دورًا في ترسيخ المعتقدات حوله).

إذن، لماذا يعتقد البعض أن الزار فعال؟

  1. لأن الشخص قد يشعر بتحسن بعد المشاركة فيه، وهذا يعود إلى التنفيس العاطفي وليس إلى تأثير خارق للطبيعة.

  2. لأن الإيمان بالتجربة يجعل العقل يفسر الأعراض على أنها نتيجة "علاج روحي"، بينما هي في الحقيقة استجابة بيولوجية ونفسية طبيعية.

هل يمكن استخدام الزار كعلاج نفسي؟

  • بعض المعالجين النفسيين يقترحون أن الأنشطة المشابهة (مثل الرقص العلاجي أو تمارين التنفس العميق) قد تكون مفيدة للتخفيف من التوتر، ولكن دون الإيمان بالخرافات المصاحبة لها.

الخاتمة

الزار ليس سوى ظاهرة نفسية واجتماعية يُفسرها العلم بشكل واضح، بعيدًا عن المعتقدات الغيبية. الخدع البصرية، التأثير النفسي، الإيحاء الجماعي، والتغيرات الفسيولوجية تلعب جميعها دورًا في خلق تجربة تبدو وكأنها "روحانية"، لكنها في الحقيقة مجرد استجابة طبيعية للعوامل المحيطة. لذا، فإن التعامل مع المشكلات النفسية والاجتماعية بطرق علمية هو الخيار الأفضل بدلاً من اللجوء إلى ممارسات لا تستند إلى أي دليل حقيقي.

تعليقات