القائمة الرئيسية

الصفحات

اللسان العربي واللسان الأعجمي: بين الإدراك الإلهي والفهم البشري

 


"اللسان العربي واللسان الأعجمي: بين الإدراك الإلهي والفهم البشري"


مقدمة
في زمن طغت فيه العلوم المادية على منابع الفطرة، بات لزاماً علينا أن نعيد النظر في المفاهيم القرآنية التي تُشكّل وعي الإنسان وحقيقته، وفي مقدمتها مفهوم "اللسان". فهل كل لسانٍ هو مجرد أداة نطق؟ أم أن القرآن يقدم فهماً أعمق يعيد تعريف الإدراك ذاته؟ في هذه المقالة، نستعرض الفرق الجوهري بين اللسان العربي واللسان الأعجمي، ونتأمل كيف يكشف اللسان العربي عن المعاني الإلهية الباطنة، بينما يعكس اللسان الأعجمي محدودية الفهم البشري المحجوب خلف ظواهر الأشياء.


أولًا: اللسان العربي – أداة الكشف الإلهي
اللسان العربي، كما يقدّمه القرآن الكريم، ليس مجرد لغة قومٍ أو أداة تواصل بشرية، بل هو وسيلة إدراك وتبليغ إلهية، فيها خاصية فريدة: أن ظاهر ألفاظه يكشف عن بواطن معانيه، دون اختلاط أو تشابه، بل بمعايير دقيقة وواضحة.

قال تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
(يوسف: 2)
وهنا ربط الله بين "العربية" والعقل، أي أن العربية هي وعاء الفهم العقلي الواضح غير الملتبس.

وقال أيضًا:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
(فصلت: 3)
فالفصاحة والتفصيل من خصائص هذا اللسان العربي، فهو يُبيِّن ولا يُشابه، يُظهر ولا يُخفي، يكشف الظاهر ليستنبط الباطن.

إذاً، اللسان العربي هو أداة الكشف الإلهي، الذي لا يُعاني من الترادف أو التداخل، بل ينقل المعاني كما هي، في صفائها الإلهي، غير مشوبة بتأويل بشري مشتت.


ثانيًا: القرآن الكريم ولسانه العربي
حين نُطلق مصطلح "لسان عربي" على القرآن، فإننا لا نشير فقط إلى لغة النطق، بل إلى بنية إدراكية متفردة، يتكشّف فيها المعنى الباطني من خلال ظاهر النص.

قال تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا}
(الرعد: 37)
فـ"الحكم" هنا هو طريقة الإدراك والنفاذ إلى المعنى، و"عربيًّا" تعني أنه بيّن واضح، يُفصّل الباطن من خلال الظاهر.


ثالثًا: اللسان الأعجمي – الإدراك البشري المحدود
على النقيض، فإن اللسان الأعجمي لا يُشير فقط إلى لغة أجنبية، بل هو تمثيلٌ للإدراك البشري المحصور في ظاهر الحياة، حيث تُستنبط العلوم من الظواهر دون بلوغ البواطن أو مقاصد الخلق.

قال تعالى على لسان الكافرين:
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ مُؤْمِنِينَ}
(الشعراء: 198-199)
فالأعجمية هنا تُعبّر عن الحجب، عن عدم القدرة على الإدراك العميق للمعنى، ولو أُنزل القرآن بلسانٍ أعجمي لانتفت خاصية البيان والكشف.

فكل ما يُنتجه اللسان الأعجمي – أي العقل البشري المادي – هو فهم ظاهري مشوَّش، لا يبلغ الحكمة ولا المقاصد. بل، قد ينتهي إلى قوانين شيطانية، لأن إدراكه منفصل عن الوحي.

قال تعالى:
{يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا۟ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا۟ أَن يَكْفُرُوا۟ بِهِ}
(النساء: 60)
فالتحاكم إلى الطاغوت، أي المقاييس البشرية المنفصلة عن الوحي، هو نتيجة من نتائج اللسان الأعجمي.


رابعًا: الجِبت والطاغوت – ثمرة الإدراك الأعجمي
حين يُفصل الإنسان إدراكه عن الوحي، ويكتفي بظواهر العلوم والمقاييس المادية، يصبح نتاجه رؤية "جِبت" – أي سحر باطل لا يؤدي إلى يقين – وتطبيقه لطغيان يتجاوز فطرة الله.

قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ نَصِيبًۭا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ}
(النساء: 51)
أي أن ترك لسان الوحي العربي، واللجوء إلى المقاييس الأعجمية الظنية، يؤدي إلى عبادة الجِبت وتطبيق الطاغوت.


خاتمة: نحو وعي قرآني جديد
الفرق بين اللسان العربي واللسان الأعجمي ليس لغويًا بقدر ما هو وجودي؛ الأول يُمثّل وعيًا ربانيًا شفافًا، يكشف المعاني من الظواهر، والثاني يُجسد وعياً أرضياً محجوباً، يقف عند ظاهر الأشياء دون التماس حكمة الله فيها.

فلنُجدِّد علاقتنا بالقرآن، لا على أنه كتاب مقدس فحسب، بل باعتباره أداة إدراك ولسانًا عربيًا مبينًا، يعلّمنا كيف نفهم الحياة، لا كما تُقدِّمها لنا علوم ظاهرية، بل كما أراد الله لها أن تكون.

🔹 اللسان العربي

  • أداة إدراك إلهية.

  • ظاهر الكلمات يكشف باطن المعاني.

  • لا اختلاط ولا تشابه (أي: لا ترادف).

  • وسيلة القرآن لنقل المعاني الربانية بدقة.

  • يُعبِّر عن الفهم النقي المرتبط بالوحي.

🔹 اللسان الأعجمي

  • إدراك بشري مستمد من ظواهر الحياة الدنيا.

  • معارف مختلطة، غير قادرة على بلوغ الحكمة.

  • تؤدي إلى قوانين ومقاييس مادية محدودة.

  • نتائجها قد تكون شيطانية، تُرى بعين "الجِبت" وتُطبق بقوانين "الطاغوت".


📖 القرآن بلسان عربي = بيان وحكمة.
🌍 العلم الأعجمي وحده = ظن وغفلة عن الباطن.


الرسالة الأساسية:
التمييز بين لسان الوحي (العربي) ولسان الإدراك البشري المحض (الأعجمي) ضروري لفهم حقيقة الوجود ومعاني القرآن كما أرادها الله.

تعليقات