الفساد: الداء القاتل في جسد الأمة
الفساد ليس مجرد سرقة أموال، أو تزوير وثائق، أو رشوةٍ تُعطى في الخفاء.
الفساد يبدأ أول ما يبدأ حين يُقتل الضمير، وحين يستسلم الناس للصمت، ويُرفع من شأن المفسد لأنه قوي، أو غني، أو "ابن عائلة".
إن أعظم ما يُبتلى به مجتمع ما هو أن يتطبع مع الفساد حتى يصبح جزءًا من حياته اليومية، لا يُستنكر ولا يُدان، بل يُبرر له: "كل الناس تفعل ذلك"، "المسألة بسيطة"، "ما في يدنا شيء".
أشكال الفساد
الفساد لا يقتصر على المال والسياسة، بل له أوجه متعددة، منها:
-
الفساد الإداري: حين تُعطى المناصب لمن لا يستحق، وتُدفن الكفاءات لأنهم بلا واسطة.
-
الفساد الأخلاقي: حين يُكافأ الكاذب ويُدان الصادق، ويُهان العفيف ويُمدح الوقح.
-
الفساد الاجتماعي: حين تُقاس قيمة الإنسان بثروته لا بأخلاقه، وبمظهره لا بمعدنه.
-
الفساد الديني: حين يُستخدم الدين للتغطية على الظلم، أو لتبرير مصالح فئة معينة، ويُكتم صوت الحق باسم الطاعة أو الفتنة.
لماذا ينتشر الفساد؟
-
السكوت عنه: أول سبب لتفشي الفساد هو أن يراه الناس ويسكتوا.
-
التمجيد الكاذب: حين يُشاد بالمفسد لأنه "ذكي"، أو "يعرف كيف يأخذ حقه"، فيُصبح القدوة السيئة مصدر إلهام.
-
الخوف من المواجهة: كثيرون يعلمون ما يجري، لكنهم يخشون أن يقولوا كلمة، ولو همسًا.
-
انعدام المحاسبة: إذا فسد من بيده القرار، فمن سيحاسبه؟ وإذا لم يوجد من يُطالب بالعدل، فمن سيحققه؟
آثار الفساد
-
يُهدر الحقوق، وتضيع الكفاءات.
-
يُربّي جيلاً يعتقد أن الطريق الأقصر هو الغش والمراوغة.
-
يُورِث المجتمعات الذلّ والفقر رغم غِنى الموارد.
-
يُبعد الناس عن القيم، ويجعلهم يفقدون الثقة بكل شيء.
الفساد لا يعيش بلا جمهور
ما يستدعي الحزن، أن الفساد لا يعيش فقط بوجود الفاسدين، بل يعيش أيضًا بوجود الساكتين عنهم، المبررين لهم، الخائفين منهم.
وقديمًا قالوا: "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، واليوم نقول:
"الساكت عن الفساد شريك فيه".
خاتمة
لن ينتهي الفساد بالصراخ فقط، بل بالوعي، وبقول كلمة الحق، وبزرع قيم النزاهة في أنفسنا وأبنائنا، وبمقاطعة المفسدين لا تمجيدهم.
نعم، الفساد كبير، ومتشعب، وعميق. لكنه لا ينتصر إلا حين نصمت.
فإذا نطقنا، ووعينا، وأخذنا بيد بعضنا بعضًا، فحتماً ستعلو الكلمة الصادقة، ويسقط الباطل مهما علا صوته.
تعليقات
إرسال تعليق