مشروع "الربط الهندي – الخليجي – الإسرائيلي" عبر غزة: طريق حرير جديد أم خنجر في ظهر قناة السويس؟
أمريكا تروّج لممر بديل يهدد موقع مصر الاستراتيجي ويمنح غزة بعداً دولياً غير مسبوق... فهل يتغير ميزان القوى في الشرق الأوسط؟
بينما تواصل الصين تعزيز نفوذها التجاري عبر مشروع "الحزام والطريق"، تتجه الولايات المتحدة إلى مشروع موازٍ يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية تتجاوز الاقتصاد إلى إعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة. المشروع الجديد الذي تسعى واشنطن إلى إنجازه يربط الهند بالخليج العربي ثم إسرائيل مروراً بميناء محتمل في غزة، في محاولة لصياغة طريق حرير بديل يُضعف قناة السويس المصرية ويضعف معها النفوذ المصري التاريخي في حركة التجارة العالمية.
التحول الأمريكي: من التهجير إلى التنسيق مع الأمر الواقع
خلافاً للطرح الإسرائيلي القديم الذي كان يقوم على فكرة تفريغ غزة ديموغرافياً لتمرير مشاريع البنية التحتية الكبرى، تأتي الرؤية الأمريكية الجديدة لتتعامل مع الوقائع على الأرض كما هي، بما في ذلك وجود حماس كلاعب مسيطر داخل القطاع. هذا التحول يفتح باباً لتنسيق غير مسبوق بين واشنطن والأطراف المسيطرة على الأرض — بما في ذلك حماس نفسها — وهو ما لم يكن مقبولاً في السنوات الماضية.
ليس هذا فحسب، بل تشير تقارير استخباراتية وسياسية إلى أن إسرائيل أصبحت في موقع "الرهينة" لهذا المشروع، إذ يتم تقليص هامش مناورتها لصالح التوازنات الإقليمية الجديدة التي تفرضها أمريكا.
الضربة لقناة السويس: حقائق وأرقام
يمثل المشروع البديل تهديداً مباشراً لـ قناة السويس، التي تحقق لمصر ما يزيد عن 9 مليارات دولار سنوياً من إيرادات العبور. وقد تسعى واشنطن لتقليص هذه الإيرادات تدريجياً عبر نقل مسارات الشحن إلى الممر الجديد الذي سيكون أقل كلفة، وأقل زمنًا، وأكثر أماناً – من وجهة نظر الولايات المتحدة.
وإذا ما تم ربط موانئ الخليج بميناء في غزة مرورًا بالأردن وإسرائيل، فإن الشحنات المتجهة إلى أوروبا لن تحتاج إلى المرور بالبحر الأحمر، ما يعني تجاوزاً صريحاً لدور قناة السويس، بل ولمصر بأسرها كممر حيوي.
البعد الاستراتيجي: عزل مصر وتفكيك دورها الإقليمي
المخاوف المصرية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط. فالمشروع يُضعف دور مصر السياسي كوسيط إقليمي، ويجعلها خارج "الطاولة الكبرى" لرسم خرائط التجارة والتحالفات الجديدة في المنطقة. إذًا، هل نحن أمام مشروع يهدف إلى تهميش مصر إقليمياً؟
وما يزيد من خطورة المشروع هو أن أطرافًا مثل الهند، والإمارات، والسعودية، وإسرائيل تسعى للمشاركة فيه بحماسة، ما يمنح المشروع زخمًا إقليميًا قد يصعّب وقفه لاحقًا.
إمكانيات الرد المصري: هل من بدائل؟
يمكن لمصر – إن أحسنت التحرك الاستراتيجي – أن تستثمر في عدة أوراق مهمة:
-
تحديث وتوسيع قناة السويس مع تقديم حوافز تنافسية.
-
الاستثمار في البنية التحتية الذكية للموانئ والربط السككي.
-
تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الصين وأوروبا.
-
إعادة إحياء محور التنمية في سيناء لقطع الطريق على محاولات خلق بدائل تمر من خارج الجغرافيا المصرية.
هل نُقصى من طريق الحرير؟
تتغير موازين القوى بصمت أحياناً، لكن آثارها تصرخ بعد سنوات. والمشروع الأمريكي الجديد قد يبدو بريئاً في ظاهره، لكنه يحمل من التهديدات ما يتجاوز قناة السويس إلى قلب الهوية الجيوسياسية لمصر.
في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تقف مصر على مفترق طرق تاريخي مع بزوغ مشروع بديل لطريق الحرير الصيني يربط الهند بالخليج وإسرائيل مرورًا بميناء غزة. هذا المشروع، الذي تحركه الولايات المتحدة تحت غطاء "الربط الاقتصادي الإقليمي"، لا يحمل فقط تهديدًا اقتصادياً مباشراً لقناة السويس، بل يهدد بتقويض مكانة مصر الاستراتيجية كممر تجاري عالمي.
في الماضي، كانت إسرائيل تسعى لابتلاع "كعكة" الممر البديل كاملة عبر سيناريوهات التهجير والتغيير الديموغرافي في غزة، وهو ما كان سيتطلب، بطبيعة الحال، إخراج الفلسطينيين من المعادلة، وتحديدًا عبر مصر. لكن المتغير الجديد والصادم أن الولايات المتحدة اليوم مستعدة للقبول بـ"حماس" كشريك أمر واقع في هذا المشروع، بل وتضغط لتكون إسرائيل ذاتها تحت عباءة المشروع، لا قائدة له، مما يجعلها "رهينة جيوسياسية" لما تمليه واشنطن.
السؤال المحوري هنا: لماذا هذا التحول الأمريكي؟
الولايات المتحدة تدرك تمامًا أن الصين تتقدم بخطى حثيثة عبر مبادرة "الحزام والطريق"، وأن قناة السويس تمثل أحد أعمدة النفوذ التجاري الصيني في الشرق الأوسط. لذا، فإن إنشاء بديل بري بحري، يبدأ من الهند ويعبر الخليج إلى الأردن وإسرائيل وصولاً إلى المتوسط عبر غزة، يمنح واشنطن فرصة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:
-
أولاً، عزل قناة السويس اقتصاديًا.
-
ثانيًا، تحجيم المشروع الصيني.
-
ثالثًا، إعادة صياغة التوازن الإقليمي بتمكين قوى جديدة.
الخطير في الأمر أن مصر قد تجد نفسها فجأة خارج هذه المعادلة، رغم أنها كانت — ولا تزال — تملك الموقع، والبنية، والتاريخ، والعلاقات. وهنا، تأتي أهمية الرؤية الاستراتيجية المصرية في قراءة هذا المشهد الجديد. فالصمت لم يعد خيارًا، والمراهنة على ثبات الجغرافيا لم تعد كافية.
هل يتم إقصاء مصر من معادلة التجارة العالمية الجديدة؟
وهل تتحوّل غزة من عبء سياسي إلى بوابة ذهبية؟
ومن الذي يتحكم في المشهد: واشنطن؟ تل أبيب؟ أم لاعب ثالث أكثر دهاءً؟
هذه الأسئلة لا تملك إجابات سهلة، لكن ما هو مؤكد أن ما يدور خلف الكواليس أخطر بكثير من مجرد مشروع لوجستي... إنه صراع وجود اقتصادي وسياسي قد يُعاد فيه رسم خريطة الشرق الأوسط بأكملها.
على القاهرة أن تتحرك... لا لتعرقل المشروع فحسب، بل لتصيغ مشروعها الموازي، فـ"السكوت في زمن التحولات ليس حياداً، بل انتحار بطيء."
تعليقات
إرسال تعليق