هل خرج رواد الفضاء حقاً من الغلاف الجوي؟
اكتشافات حديثة تُعيد تعريف حدود الأرض
✦ مقدمة
لطالما ارتبطت عبارة "الخروج من الغلاف الجوي" بفكرة السفر إلى الفضاء. فمنذ بدايات استكشاف الفضاء، اعتُبر أن تجاوز ارتفاع 100 كيلومتر، المعروف بـ"خط كارمان"، يعني دخول الفضاء الخارجي. لكن اكتشافاً علمياً حديثاً أثار جدلاً واسعًا، حينما أظهرت دراسة نشرتها وكالة ناسا أن الغلاف الجوي للأرض قد يمتد إلى مسافات غير متوقعة، أبعد بكثير من مدار الأقمار الصناعية، وربما حتى خارج مدار القمر. فهل يعني هذا أن رواد الفضاء لم يغادروا الغلاف الجوي بعد؟
✦ ما هو الغلاف الجوي؟
الغلاف الجوي هو طبقة من الغازات تحيط بالأرض وتثبتها الجاذبية. ينقسم إلى خمس طبقات رئيسية، تبدأ من سطح الأرض وحتى ارتفاع حوالي 600 كيلومتر تقريبًا:
-
التروبوسفير: طبقة الطقس، حتى 12 كم.
-
الستراتوسفير: طبقة الأوزون، حتى 50 كم.
-
الميزوسفير: تحترق فيها النيازك، حتى 85 كم.
-
الثرموسفير: تبدأ فيها الشفق القطبي، حتى 600 كم.
-
الإكسوسفير: آخر طبقة، وتندمج تدريجيًا مع الفضاء.
لكن في عام 2019، أعلن علماء من ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية أن هناك امتدادًا خفيًا للغلاف الجوي لم يكن محسوبًا بدقة من قبل.
✦ اكتشاف الجيوكورونا: الغلاف الجوي الخفي
اعتمادًا على بيانات قمر صناعي تابع لناسا يُعرف باسم SOHO، اكتشف العلماء أن هناك طبقة غازية رقيقة جدًا من الهيدروجين، تُعرف باسم "الجيوكورونا"، تمتد إلى مسافة 630,000 كيلومتر من الأرض – أي ما يعادل 50 مرة ضعف ارتفاع خط كارمان.
❝هذا يعني أن القمر يقع فعليًا ضمن الغلاف الجوي للأرض من الناحية الفيزيائية الدقيقة.❞
— بحسب تصريح من علماء المشروع.
الجيوكورونا لا تشبه الطبقات السفلية من الغلاف الجوي، فهي تتكون من ذرات نادرة للغاية، قد لا تتجاوز 70 ذرة في كل سنتيمتر مكعب. لكنها لا تزال محسوبة كامتداد فعلي، وإن كان شبه فراغ.
✦ ماذا يعني ذلك لرحلات الفضاء؟
إذا أخذنا تعريف الجيوكورونا كحد نهائي للغلاف الجوي، فإن:
-
الأقمار الصناعية.
-
محطة الفضاء الدولية (ISS).
-
رحلات البشر إلى الفضاء القريب.
كلها لا تزال داخل هذا "الجوّ الرقيق" الممتد من الأرض.
لكن من الناحية العملية، فإن الغلاف الجوي يصبح شبه معدوم بعد ارتفاع 1000 كم. لذا، فإن رواد الفضاء الذين تجاوزوا هذا الارتفاع، يُعدّون قد خرجوا فعليًا من الحماية الجوية الكثيفة، ودخلوا في البيئة الفضائية الحقيقية من حيث الأشعة والجاذبية والضغط.
✦ هل هو تناقض علمي؟
ليس تناقضًا، بل تطور في الفهم العلمي. فعلى مدى عقود، استخدم العلماء خط كارمان كفاصل اصطلاحي سهل بين الأرض والفضاء، بينما الجيوكورونا تمثل تعريفًا فيزيائيًا أكثر دقة، لكنه لا يُغيّر الواقع العملي لتجربة الخروج من الأرض، مثل مواجهة انعدام الوزن أو الأشعة الكونية.
✦ الخلاصة
رغم أن الاكتشافات الحديثة أظهرت أن الغلاف الجوي يمتد بعيدًا أكثر مما كنا نعتقد، فإن الخروج منه لا يُقاس فقط بالمسافة، بل أيضًا بالبيئة الفيزيائية التي تواجهها المركبة أو رائد الفضاء. وبالتالي:
-
نعم، غادر رواد الفضاء الغلاف الجوي العملي للأرض.
-
لكن بحسب التعريف الموسع (الجيوكورونا)، لا يزال الإنسان داخل حدود الغلاف الجوي من الناحية النظرية.
إنها دعوة لإعادة التفكير في المصطلحات لا في الحقائق الأساسية.
مصادر ومرفقات🔬 1. وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) — البيان الرسمي عن الجيوكورونا
ESA أعلنت أن الجيوكورونا تمتد حتى 630,000 كم من سطح الأرض، أي أن القمر يقع ضمنها.
🌍 2. ناسا — مرصد SOHO واكتشاف الامتداد الجوي
باستخدام بيانات من أداة SWAN على القمر الصناعي SOHO، رُصدت طبقة الهيدروجين الرقيقة التي تشكل الجيوكورونا.
🔗 الرابط من موقع ناسا (NASA.gov):
https://www.nasa.gov/feature/goddard/2019/earth-s-atmosphere-stretches-out-to-the-moon-and-beyond
🧪 3. المجلة العلمية التي نُشر فيها البحث
-
عنوان الورقة: "Earth’s Geocorona Extends Well Beyond the Moon’s Orbit"
-
منشورة في مجلة Journal of Geophysical Research: Space Physics
🔗 رابط الورقة العلمية:
https://agupubs.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1029/2018JA026166
🧠 4. تحليل إعلامي علمي (PBS NewsHour)
مقالة تحليلية توضح أن الجيوكورونا قد تغيّر فهمنا لما إذا كان البشر قد "غادروا" الغلاف الجوي بالفعل.
تعليقات
إرسال تعليق