القائمة الرئيسية

الصفحات

"وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" – قراءة بيولوجية في ضوء القرآن



"وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" – قراءة بيولوجية قرآنية موسعة

في هذه الآية الكريمة، يستعرض النص القرآني مشهدًا بالغ الدقة، يربط بين الظلمة المتسللة والشر الكامن المتخفي، وذلك من خلال كلمتين محوريتين: الغاسق والوقوب.

1. الغاسق: الظلمة أو الكيان الخفي المتربص

في اللغة، الغاسق هو الذي يشتد ظلامه، ويقال إنه الليل حين يغيب فيه الضوء ويشتد ظلامه. لكن إذا أعدنا قراءة الكلمة في سياق الجسم البشري والعلوم البيولوجية، فإن الغاسق يمكن أن يُفهم على أنه:

  • كيان مظلم غير ظاهر، مثل:

    • فيروسات تتسلل دون أن تُرى.

    • ميكروبات دقيقة تغزو الخلايا.

    • خلايا سرطانية تبدأ في الانقسام والتكاثر في الظل دون أعراض ظاهرة.

    • أو حتى إشارات عصبية أو هرمونية مضطربة تنشأ من أعماق النظام الحيوي.

هذه الكيانات "الغاسقة" تعمل بصمت داخل الجسد، في مرحلة ما قبل ظهور الأعراض، وتظل كامنة حتى يحدث الوقوب.

2. الوقوب: لحظة الاختراق والتغلغل

أما وقب فتعني الدخول بشدة، أو التغلغل في العمق. وهنا تحدث اللحظة الحاسمة:

  • يدخل الفيروس إلى الخلية، ويُحقن بمادته الوراثية.

  • تتغلغل الخلية السرطانية في نسيج سليم وتعيد برمجته لصالحها.

  • أو تتسلل مادة سامة إلى الدماغ وتؤثر على مراكز التحكم العصبي.

في هذه اللحظة، يتحول الشر الكامن إلى خطر فعلي نشط، تمامًا كما تنشط الفيروسات حين تخترق الحواجز المناعية وتسيطر على خلية سليمة.

3. التحكم والسيطرة من الداخل

بعد الوقوب، يبدأ الغاسق بالسيطرة:

  • يعيد تشكيل الخلية المصابة.

  • يستخدم آلياتها الداخلية لصنع نسخ منه.

  • يُضعف وظائف الجسد الأصلية لصالح انتشاره.

وهذا تمامًا كما وصف القرآن الشر الناتج من الغاسق، إذ لا يظهر فجأة، بل يتسلل ثم يضرب من الداخل.

4. المقارنة مع الظواهر النفسية والروحية

لا يقتصر المفهوم على الجانب البيولوجي، بل يمتد إلى النفس والعقل:

  • فـ"الغاسق" قد يكون وسوسة تتسلل إلى النفس، وتصبح سلوكًا إذا "وقبت".

  • أو فكرة مظلمة تدخل العقل، ثم تسيطر وتعيد تشكيل القناعات.

  • وقد يكون يأسًا أو خوفًا أو شكًّا يتسلل ثم يُخضع الروح ويُغيّر كيمياء التفكير.

5. التناغم بين النص القرآني والعلم الحديث

هذه الآية إذًا، تسبق العلم في توصيف:

  • دور الكيانات الدقيقة (الميكروبات – الفيروسات – الطفرات الجينية).

  • آليات اختراق الخلية أو النفس.

  • التغيير العميق الذي يحدث بعد "الوقوب".

  • مركزية الدعاء في حماية الإنسان من قوى خفية، بيولوجية كانت أم نفسية.


خاتمة: الوقاية من الشر المتسلل

إن قوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ يُعد تحذيرًا دقيقًا من الشرور الكامنة، سواء كانت بيولوجية، نفسية، فكرية، أو حتى اجتماعية. وهو دعوة لحماية الحواس والجسد والعقل من أي مؤثر خفي قد يتسلل، ويصنع أثرًا مدمرًا بعد أن يتمكن من التغلغل.

فالقرآن في هذه الآية لا يُقدم فقط دعاءً، بل يقدم نموذجًا تشريحيًّا نفسيًّا حيويًّا لفهم كيفية تشكُّل الخطر، وآليات الوقاية منه عبر الوعي، والمراقبة، والدعاء.

تعليقات