القائمة الرئيسية

الصفحات

النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ – قراءة بيوكيميائية قرآنية

 


النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ – قراءة بيوكيميائية قرآنية

في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [سورة الفلق: 4]، يقف المتأمل أمام تركيب لغوي بالغ الدقة، يحمل أبعادًا رمزية وروحية وعلمية في آنٍ معًا. وإذا ما تناولنا الآية من منظور علم الأحياء الجزيئية، فإننا نجد تماثلًا مدهشًا بين هذا التعبير القرآني وبين ما يجري داخل جسم الإنسان من تفاعلات بيوكيميائية دقيقة.

أولًا: تعريف النفاثات والعُقَد

  • النفاثات: من الفعل "نفث"، أي أخرج أو نفخ بخفة شيئًا دقيقًا خفيًّا، يحمل أثرًا أو تأثيرًا. وفي السياق البيولوجي، يمكن تمثيلها بالإنزيمات أو العوامل النشطة التي تطلق مواد دقيقة داخل مناطق محددة من الجسم.

  • العُقَد: المواضع التي يتم فيها الربط والاتصال بين عناصر مختلفة، سواء كانت مواد كيميائية أو خلايا أو شبكات عصبية. ويمكن تشبيهها بالمواقع الفعالة في الجسم مثل عُقد البروتين، المراكز العصبية، أو حتى مناطق التمثيل الغذائي.

ثانيًا: الإنزيمات كنموذج للنَّفَّاثَات

في علم الأحياء، تُعد الإنزيمات من أهم العوامل النشطة التي تشبه النفاثات. وهي جزيئات بروتينية معقدة تقوم بتسريع التفاعلات الكيميائية دون أن تُستهلك.

  • لكل إنزيم موقع نشط (Active Site) يرتبط فيه بجزيء يُدعى الركيزة (Substrate).

  • عند الارتباط، يحدث تفاعل يؤدي إلى إنتاج مادة جديدة تُسمى الناتج (Product).

  • هذه العملية شبيهة بـ"النفث"، حيث يُطلِق الإنزيم أثره في المادة المرتبطة به، فيُغير بنيتها ووظيفتها.

ثالثًا: التفاعل في العُقَد

العُقَد، في هذا السياق، ليست فقط تجمعًا ماديًا بل مواضع دقيقة يتداخل فيها التكوين والوظيفة:

  • في هذه المواضع، يتم ضم عناصر مختلفة وتحويلها إلى مركب جديد.

  • عند دخول النفاثات (الإنزيمات أو غيرها)، يتم تفكيك الروابط القديمة وتشكيل روابط جديدة.

  • تنتج عن هذه العمليات مواد أكثر وضوحًا ونشاطًا، قابلة للانتقال إلى مناطق أخرى من الجسم، تمامًا كما تنتقل نواتج التفاعلات الحيوية.

رابعًا: البعد الروحي والتكويني

من الجانب الرمزي، تعكس هذه العمليات قانونًا كونيًا:

  • كل ما هو متماسك قد يخضع لعملية تفكيك لإعادة بنائه بطريقة أفضل.

  • النفاثات لا تُفسد العُقد بل تُعيد ضبطها، تفعلها، تُنقيها، وتُطلق منها إمكانات جديدة.

خامسًا: أثر الخلل

  • في حال تعطّلت وظيفة النفاثات (كما في نقص الإنزيمات)، لا تكتمل عملية التفكيك والتفعيل.

  • يؤدي ذلك إلى تراكم المواد أو ضعف في الأداء الحيوي، مما ينعكس على الجسم بأعراض مرضية، كما ينعكس روحيًا بتعطيل الفهم والتفاعل الداخلي.


خاتمة:

إن التعبير القرآني "النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" يُشير إلى ظاهرة معقدة ذات أبعاد روحية وجسدية، تتجلى بوضوح في تفاعلات الجسد البشري على المستوى الجزيئي. فالقرآن، بلاغةً وعلمًا، يربط بين ما هو كوني وغامض، وبين ما هو مادي ودقيق، ليمنحنا تصورًا عميقًا عن التكامل بين الروح والمادة في نظام الخلق.

تعليقات