🧩 المقال الثامن: الخالق في كل شيء – بين "قانون الواحد"، والقرآن، والتصوف الإسلامي
"كل الأشياء، كل الكائنات، كل الأفكار… هي الواحد." – رع
"هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلۡبَاطِنُ" – القرآن (الحديد: 3)
"ما رأيتُ شيئًا إلا ورأيتُ الله قبله وبعده ومعه." – ابن عربي
في هذا المقال نضع أمامنا سؤالًا جوهريًا:
هل ما يقدّمه "قانون الواحد" من تصور للخالق يتناقض مع التوحيد الإسلامي؟ أم أن التصوف الإسلامي سبق وعبّر عنه بطريقته؟
🌌 أولًا: ماذا يقول "قانون الواحد"؟
يرى رع أن:
-
الخالق ليس شخصًا، ولا كيانًا خارجيًا.
-
بل هو الوعي الكوني اللانهائي الذي انقسم ليرى نفسه عبرك وعبر كل شيء.
-
كل شيء – من الذرة إلى المجرة – هو شكل من أشكال الخالق.
-
التجربة البشرية ما هي إلا حلم يحلم به الخالق في ذاته.
"الخلق ليس إلا وسيلة للخالق كي يعرف نفسه."
وهنا، لا يوجد "خالق" خارج "الخلق"، بل كل مظهر هو تجلٍّ لجوهر واحد.
📿 ثانيًا: هل هذا هو "وحدة الوجود" الصوفية؟
نعم، وبشكل مذهل.
في التصوف الإسلامي، خاصة لدى ابن عربي والجيلي، نجد الفكرة نفسها:
-
الله ظاهر في كل شيء.
-
لكن ظهوره لا يُحدّه شيء ولا يُشبَّه بشيء.
-
هو فيك – لا كجزء منك – بل كوجود يُقيمك.
قال ابن عربي:
"الحقّ خلقٌ، والخلقُ حقٌّ، فافهم إن استطعت."
"ما عبدوا غير الله، وإن عبدوا الحجر."
ويقول الجيلي في "الإنسان الكامل":
"ما الكون إلا مرآة لوجه الله الواحد، يرى ذاته في مظاهره."
📖 ثالثًا: القرآن الكريم… هل يعارض هذا التصور؟
القرآن يؤكّد تفرد الله وتنزهه، لكنه أيضًا يضع إشارات قوية على حضوره الكلي في الخلق، منها:
-
"وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي" (ص: 72)
-
"وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ" (الحديد: 4)
-
"فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ" (البقرة: 115)
-
"اللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرْضِ" (النور: 35)
وفي نفس الوقت يقول:
-
"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (الشورى: 11)
-
"سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنعام: 100)
❖ هذا التوازن الدقيق في القرآن لا ينفي وحدة الخالق في كل شيء، بل ينفي أن يُحدّ أو يُشبه بأي شيء.
🧠 الفرق الجوهري: التوحيد الناضج مقابل التشبيه الساذج
ما يطرحه "قانون الواحد" ليس حلولًا (أن الله داخل المادة كجسم)، بل:
-
أن الوجود بأكمله قائم بالله، فيه، وبه.
-
كل شيء "في الله"، لا أن الله "شيء من الأشياء".
وهذا يُشبه قول الحلاج:
"أنا الحق"
أي: "أنا في حالة فناء، فلا أرى إلا وجه الله في ذاتي، ولا ذاتي".
🛑 أين الخط الأحمر؟ (تحذير من الانزلاق)
رع نفسه يوضّح أن من يعتقد أن "ذاته الدنيا" هي الخالق، يقع في خطأ:
"الأنا الشخصية مجرد انعكاس مشوش للخالق. ليست هي الخالق."
وهذا يشبه تحذير الصوفية من "الإعجاب بالنفس"، أو "اتخاذ الحال طريقًا للكِبر".
في الإسلام:
-
لا يصح أن تقول "أنا الله" بمعنى الكيان.
-
لكن في التصوف، إذا فنيت الذات، لا يبقى إلا الواحد الظاهر.
🧭 خلاصة المقارنة:
المفهوم | قانون الواحد | الفكر الصوفي الإسلامي | القرآن الكريم |
---|---|---|---|
طبيعة الخالق | وعي لا نهائي يختبر ذاته | الحق المطلق الظاهر في خلقه | خالق فوق كل شيء ومع كل شيء |
الخلق | مظاهر للخالق | تجليات الأسماء والصفات | خلقه، وكل شيء يسبّحه |
علاقتك بالخالق | أنت هو، إن تطهّرت من وهمك | الفناء في الله، البقاء به | عبدٌ لله، لكن يحمل من روحه |
الإنفصال | وهم | حجاب النفس | بلاء للاختبار والتكليف |
🔚 نهاية المقال:
التصور الذي يقدمه رع لا يتناقض مع جوهر التوحيد القرآني والصوفي، بل يمنحنا لغة جديدة لفهم الذات الإلهية من الداخل.
إنها ليست فكرة فلسفية فقط، بل دعوة لأن ترى الله في كل وجه… حتى في وجه عدوك أو ضعفك أو ألمك.
🟦 في المقال التاسع (الثاني في هذا المسار):
سنتناول موضوعًا جوهريًا:
"الاختيار بين خدمة الذات وخدمة الآخرين"
ما الذي يقابله في القرآن؟ وما هو في التصوف؟ وهل الاختيار حقًا هو جوهر الدين؟
تعليقات
إرسال تعليق