🧭 المقال التاسع: خدمة الذات وخدمة الآخرين – جوهر الاختيار بين النور والظلمة
في قلب كتاب The Ra Material فكرة محورية تُبنى عليها رحلة الإنسان كلها، وهي أن كل روح حرة في أن تسلك أحد المسارين:
-
مسار خدمة الآخرين (الطريق الإيجابي).
-
مسار خدمة الذات (الطريق السلبي).
هذا ليس مجرّد تصنيف أخلاقي، بل نموذج كوني لتطوّر الوعي. فكل كثافة، وكل كوكب، وكل كائن، يُبنى على هذا القانون:
من تختار أن تكون؟ ومَن تخدم؟
🌌 في فلسفة "قانون الواحد"
رع يوضح أن:
-
خدمة الآخرين هي رؤية الآخر كامتداد للذات، وتقديم النية والجهد والحب من دون تحكم أو مقابل.
-
أما خدمة الذات، فهي السعي للهيمنة، جمع القوة، امتلاك الآخر، تحت غطاء العقل أو المصلحة أو حتى الرحمة الزائفة.
الطرفان يتطوران، ولكن:
-
الطريق الإيجابي يؤدي في النهاية إلى اتحاد النفس مع "الكل".
-
أما الطريق السلبي، فيبلغ ذروته في عزلة مطلقة، ثم يتفكك عند الكثافة السادسة، لأنه لا يستطيع الاستمرار دون إدماج "الحب" الحقيقي.
📖 في القرآن الكريم
القرآن لا يستخدم مصطلح "خدمة الذات" أو "الآخر"، لكن جوهر الفكرة حاضر بقوة في شكل النية والوجهة.
منذ الآية الأولى في البقرة:
"ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين."
ثم يقابلهم سريعًا فريق آخر:
"ومن الناس من يقول آمنا بالله... وما هم بمؤمنين."
الخطّ الفاصل ليس الصلاة أو الطقوس، بل:
-
من جعل وجهته إلى الله.
-
ومن جعل الله وسيلة لمصالح نفسه.
وقد وردت آيات تُجسد المعنى بدقة، مثل:
"إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوٓءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّٗا قَدِيرًا"
هنا خدمة الآخر دون انتظار، حتى العفو عن من أساء، هو ما يقابل "خدمة الآخرين" في تصور رع.
وفي المقابل، تأتي آيات مثل:
"رَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ. فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ"
هذا هو نموذج خدمة الذات المتستّرة باسم الدين.
🕊️ في التصوف الإسلامي
يركّز التصوف على النية، الفناء، والصدق مع النفس.
-
يقول الحارث المحاسبي: "النية أساس العمل، بل النية نفسها عمل."
-
ويشرح الجنيد أن العبد إن أراد الجنة لنفسه، فقد خدم ذاته.
-
أما من يعمل دون أن يرى نفسه، دون طمع ولا خوف، فقد خدم الله في خلقه، وهذا هو جوهر خدمة الآخرين.
ابن عطاء الله السكندري يقول:
"اجعل عملك خالصًا، ونيتك شاملة، فكل مَن رآك ينبغي أن يجد الله فيك."
وبالتالي، الفرق بين الطريقتين في التصوف:
-
خدمة الآخرين: طريق المحبة، التواضع، محو الأنا.
-
خدمة الذات: طريق الجاه، الرياء، الطمع، حتى لو لبس لباس الولاية.
⚖️ هل هناك من يمشي في المنتصف؟
في فلسفة رع، نعم.
-
هناك أرواح لا تختار بوضوح.
-
تعيش بنوايا مختلطة.
-
لا تؤذي كثيرًا، ولا تحب كثيرًا.
-
لا تبني، ولا تهدم.
وهؤلاء، بعد الموت، يُعاد تجسيدهم في كواكب مماثلة، ليكملوا اختبارهم.
وفي الإسلام، نقرأ قول الله:
"ومنكم من يُرَدّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئًا"
وآيات أخرى تشير إلى نفوس ضاعت بين الإيمان والنفاق.
🌱 كيف أعرف في أي طريق أنا؟
رع لا يقيس الطريق بالأعمال الخارجية، بل بـ:
-
مقدار نية الخدمة الصادقة.
-
هل تحب الناس حقًا؟ هل تراهم كمرآة لله؟
-
هل تسامح؟ هل تعطي دون شرط؟
-
هل تحتفظ بالسلطة لنفسك، أم تمنح المعرفة والحرية لمن حولك؟
وفي الإسلام، يقول النبي ﷺ:
"الناسُ معادن، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا."
أي أن الأصل في النفوس يظهر في اختيارها للنية والوجهة.
🧘🏻♂️ خلاصة المقال:
ما بين رع والقرآن والتصوف، نرى اتفاقًا عميقًا على أن:
-
النية جوهر الطريق.
-
الاختيار الصادق يتجلّى في أبسط التفاصيل.
-
الطريق إلى الله يمر عبر "الآخر".
فلا صلاة تُغني عن ظلم،
ولا تأمل يُغني عن صدق،
ولا معرفة تُغني عن تواضع.
🟦 في المقال العاشر (الثالث في هذا المسار):
سنتناول قضية "النسيان" – لماذا لا نتذكر من نحن؟
وسنقارن بين حجاب النفس في فلسفة رع، وحجاب الغفلة في التصوف، وحكمة الامتحان في القرآن.
تعليقات
إرسال تعليق