القرية:
كلمة المصدر قري،
ومعناها من خلال الحروف وتشكيلها بالقرآن الكريم.
(قَ) هي التي خرج
أهلها عن طاعة الله وأمره ومنهجه واندمجوا في فتن الدنيا وصور من مناهج يتخذونها
أندادًا لمنهج الله، فيكون نتاج هذا الاندماج نظامًا ومنهجًا جديدًا دنيويًا، ولا
يبقى فيهم من منهج الله فيه أي أثر، (رْ) أهلها ربطوا أحوالهم وأمورهم وحياتهم
والتحكم فيها بهذا المنهج المخالف لأمر الله، فلا يسمحوا بقطع صلتهم به ويتماهون
فيه مهما بلغ الضرر الواقع عليهم منه، (يَ) يكون فيها المنهج المخالف لمنهج الله
وأمره هو الأكثر وضوحًا والأنشط والأكثر تأثيرًا لديهم عن أي منهج آخر، (ـة) كل
منهج يعتنقونه يتمم ويفاعل ويتاخم عمل ما قبله في الخروج عن طاعة الله تعالى
فيهيمن عليهم هذا المنهج.
أم القرى
هي مركز جمعها
والسيطرة على أهلها أي حكامها، فالنصيحة الإلهية إنذار مركز هذه القرى وحكامها وما
يمسك بزمامها بهذا القرءان أولاً كما أرسل موسى عليه السلام لفرعون مصر أولاً،
وهكذا كان محمدًا عندما ذهب لكبراء الطائف، وعندما كان يبعث برسائله للحكام.
بل يمكن
إطلاق كلمة قرية على العالم كله حاليًا حيث أصبح معظمه بل كله خاضع للنظام العالمي
الجديد المخالف لمنهج الله وأساسه الربا، ففي هذه الصفة يصبح قرية وبدون أن يدروا
يقولوا العالم قرية واحدة.
والله توعد
هذه القرى بإهلاكها بشرطين الأول أن يبعث في أمها رسولًا وفي زماننا القرءان هو
الرسالة الباقية والمستمرة، والشرط الثاني أن يكونوا ظالمين، فظلمهم لأنفسهم
بالخروج عن الأمر الإلهي ليس سببًا في إهلاكهم وإنما أن يصبحوا ظالمين فيما بينهم
أو على بعضهم البعض.
قال تعالى:
)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا
ظَالِمُونَ (59) (
(سورة القصص 59)
الْمَدِينَة
كلمة المصدر مدن
ومن مشتقاتها المدائن، ومعناها من خلال الحروف وتشكيلها بالقرآن الكريم.
(مَ) تجمع
وتضم أفراد وجماعات مختلفة في المنهج فهي المكان والمحل والمنزل والمقام الذي
تجعلهم يجتمعوا فيها رغم اختلافهم في المناهج واجتماعهم في مفاعلة والتفاعل في
الغرض والقصد والعمل الدنيوي، فيكون المكان جاذبًا لهم لخصائصه وصفته. (دِ) كانت
حركتهم إليها وفيها بقصد تغيير حالتهم أو لكي يحصلوا على نتيجة مغايرة لما كان
بموطنهم الأصلي فبتداخلهم معًا وتجمعهم في هذا المكان يقودهم من حال لآخر مغاير
لحالهم السابق (يـ) بها يتجمع الناس لأنها هي الأشد والأكثر تأثيرًا بين نظرائها،
فيخرج من موطنه الأصلي إليها كونها نشطة في مجال السعي والقصد الذي يراد منها فهي
الأنشط والأوضح بين كل ما حولها بالنسبة لمن يسعون إليها ويتجمعون فيها وإليه، (نَ)
يكون ناتج المتجمعين إليها نقيًا عنها فهم نسب موصولة بأصول مواطنهم الأصلية نفروا
منها وانتقلوا إلى المدينة فيها كل فرد أو مجموعة متشابهة متنافرين عن غيرهم
مستقلين عنهم، فكل فرد أو مجموعة متشابهة تقوم بحركتها في مجتمع المدينة مستقلين
عن الآخرين دون الحاجة إليهم وإن كان في مجموع حركتهم يكون نتاج حركتهم كأنها كيان
حركة واحدة وإن استقلوا عن بعضهم البعض في الحركة، (ـة) فيها كل تجمع إليها من
الناس إما يتمم التجمع الذي ما قبله بحركته وقصده وسعيه فيكون خيرًا لها وزيادة من
إتقان السعي والقصد، وإما يكون سبب هلاكها وتلفها وعبئًا عليها فالجمع إليها يسعى
للهيمنة والمنافسة مع ما قبله ويكون له الغلبة من خلال هويته أو عصبيته أو صنعته...
الخ، فالغالب منهم يحدد هوية المدينة.
قال تعالى:
)
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ
مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
(123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ
لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
مُنْقَلِبُونَ (125) ( (سورة الأَعراف 123 - 125)
وهنا بالنسبة
للسحرة هي مدينة حيث كان سعيهم إليها وتجمعهم فيها وقصدهم منها ينطبق عليهم فيها
خصائص المدينة، حيث كانوا قبل إيمانهم فئة يبغون علوًا وتميزًا ويسعون للغلبة على
فئات أخرى وغيرها من الخصائص التي ذكرناها.
قال تعالى:
)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) (
(سورة التوبة 101)
فمجتمع المدينة
غير متجانس فيها فئات عدة كان كلًا له سعيه يسعى للغلبة بهويته على الآخر فكان
هناك الأوس والخزرج وصاروا الأنصار، وأصبح هناك المهاجرين وكان اليهود والنصارى
وغيرهم وكان فيهم منهم المنافقين ومنهم من خلطوا عملهم بين صالح وطالح،
وقد قال تعالى:
)
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ
تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ
يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
(82) (
(سورة الكهف 82)
فجاء لفظ المدينة،
في حين ذات المكان قال تعالى عنه:
)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ
فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) (
(سورة الكهف 77)
فكيف هذا التباين،
فبالنسبة للطفلين وأبوهما ليس موطنهم الأصلي ولكن هذه القرية وإن كانت ظالمة إلا
أنها بالنسبة لمن سعى إليها وهو صالح مغاير لحالتهم الظالمة فهي مدينة تنطبق عليها
بالنسبة له صفات وخصائص المدينة كما في قوله تعالى:
)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ (20) ( (سورة يس 20)
)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ
الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ
النَّاصِحِينَ (20) ( (سورة القصص 20)
فكلا الرجلين في
الآيتين ليسوا من ضمن الظالمين وكلاهما ممن سعوا إلى هذه الأرض لقصد دنيوي مختلف
عن هوية وحال غيرهم.
البلد:
كلمة المصدر بلد،
ومعناها من خلال الحروف وتشكيلها بالقرآن الكريم.
(بَ) يظهر ويبرز
ويبدو عليها ومن داخلها ظاهرًا خارج محيطها التآلف والضبط المستمر الأمور والأحوال
المتفرقة والمختلفة للمكان وأهله ضبطًا تامًا فيصيروا قالبًا واحدًا على أفضل حال
وأقصى مدى ممكن، (لَ) يظهر عليها التلاحم والتواصل بنسيج حركة حياتهم في مجالهم
وأمورهم وأحوالهم وشخوصهم فيكونوا فيها متلاحمين متواصلين حتى في الأحاسيس والشعور
والأذواق (د) ما يظهر عليهم من تآلف وضبط خاضعة لحركة بقصد وقوانين وأعراف وسنن
تحكم هذه البلد تجعلها على حال التواصل والتلاحم في الهدف فأي تغيير في حركتهم
يشتركوا فيه معًا لإنجاز الهدف من التغيير.
ففي حركتهم فرادى
اكتمال لحركة البلد كلها وتحقيق لهدفها من الحركة ولابد أن يتلاحموا جميعًا بنسيج
حركة واحد مكون لكامل الحركة، لذلك جاءت البلد في القرءان أيضًا بمعنى الجسد
الإنساني المتلاحم والمتواصل بنسيج حركة واحدة، وقوانين حركة تتكامل مع بعضها
لتنفيذ أي حركة لهذا الجسد فكان قوله تعالى:
) لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ
(2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) (
(سورة البلد 1 - 4)
فهذه البلد نحن
كأنفس تحل عليها فهي سيارة النفس في نسيج حركة واحد بذات صفات البلد التي يشترك في
انجاز نسيج حركة متكامل، فكان كل خلية بهذا الجسد والد ينتج الولد من أجل استمرار
هذه البلد في نسيج حركة الحياة.
وقوله تعالى:
)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
(3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) (
(سورة التين 1 - 4)
فهذا الجسد جعله
الله حين يولد بلد أمين، وضع فيه كل قوانين نسيج حركة الحياة فكان (والتين والزيتون)
التمثيل الغذائي وتواصلها واستمرارها كعملية هامة من أجل تخليق الطاقة النقية
والقوية (الزيتون) التي يحتاجها هذا البلد الأمين، وهذه العملية موصولة ومستمرة مع
(وطور سينين) أي أطوار الخلايا المستمرة من خلال تطويع الطاقة الآتية لها من
العملية السابقة من التمثيل الغذائي وإنتاج مستمر للخلايا لاستعاضة ما يموت منها، وهذا
كله يتم داخل هذا البلد الأمين من أجل تقويم حالة الجسد الدائمة وللإنسان أن يحافظ
على الجسد أمينًا وإما يفسد فيه بالشهوات فيرد لأسفل سافلين.
الفرق بين القرية والمدينة والبلد
من خلال العرض السابق يمكن أن نعي الآن
الفروق بوضوح وهي
فالقرية هي
اجتماع أهلها على منهج ودين وسلوك عام عادةً يكون مخالف للأمر الإلهي وفطرته،
ولها كبراء أو مركز ثقل يكونوا أعتى من فيهم في معصية الله وأهلها من ورائهم.
أما
المدينة فهي
ناتجة عن مجموعات غير متجانسة من الأفراد والجماعات والعصبيات والأديان ليست هي
موطنهم الأصلي بل سعوا إليها من أجل هدف لا يجدونه في موطنهم الأصلي ويتنافسوا
فيها من أجل تحقيق أهدافهم وكل منهم يسعى ليكون له الغلبة على غيرهم.
فالقرية ربما
تصبح لبعض الناس الذين سعوا إليها مدينة، ولكن
المدينة لا تصبح قرية فهي غير متجانسة
أما
البلد
فهي مجموعة واحدة من الناس متجانسة متلاحمين متواصلين في علاقتهم مع بعضهم البعض
ليس بينهم أغراب عنهم يسعون جميعًا لتحقيق هدف استمرار نسيج حركة حياتهم فالفرد هو
خلية من ضمن جسد البلد.
فالبلد لا يمكن
أن تكون قرية أو مدينة.
فالله تعالى جاء
بلفظ قرية حين وصف حال أهل المكان الذين رفضوا ضيافة العبد الصالح وموسى عليه
السلام، وحين تكلم عن الغلامين اللذان أبوهما صالحين وصفها بالمدينة لأنها بالنسبة
لأصحاب الجدار ليس موطنهم الأصلي فهم غير متجانسين مع أهل القرية فصارت بالنسبة
لهم مدينة، وكذلك كل من الرجلين اللذان أتيا من أقصى المدينة وكل منهما يسعى
أحدهما ليقول للظالمين أن يسمعوا كلام الرسل والثاني ليحذر موسى عليه السلام؛
فكلاهما جاءا في هذا المكان للسعي مع عدم تجانسهم مع أهل المكان ولم يجاروهم في
معصيتهم فصارت بالنسبة لهم مدينة.
تعليقات
إرسال تعليق