القائمة الرئيسية

الصفحات

الفتنة الكبرى (الجزء الثاني) : كرسي سليمان عليه السلام



الفتنة الكبرى (الجزء الثاني) : كرسي سليمان عليه السلام


سبق أن طرحنا في الجزء السابق أننا نتجه مستسلمين لعالم يساق بالكامل من خلال التكنولوجيا وقلنا لابد أن نعي أولاً طبيعة ما ألقاه الله على سليمان من علم .. فأشباه وصور هذا العلم سبباً أساسياً في فتنة هذا العصر .. فقد حولوه إلى مسخ وسخروه في إطلاق عنان الطاقة السلبية .. قال تعالى :

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) } (سورة ص 34)

ففي هذا الجزء سوف نتكلم عن طبيعة كرسي سليمان .. الذي أسماه البعض أسطورة خاتم سليمان .

فما هو  كُرْسِيِّهِ

كُ : كُرْسِيِّهِ .. هو عبارة عن إطار ومحتوى وتكتل وتآلف وتوافق مكونات مختلفة في قالب واحد ذو قوة وسلطان  هذا القالب يجمع ويوصل ويضم خواص قوة ظاهرة وأخرى باطنه أي  داخلية وخارجية واصل بين بيئات وساحات  مختلفة ومتباعدة تجعله قادراً من خلاله إعادة بناء الحالة أو الشيء أو الأمر الذي سبق أن نفذه به .. وهذا القالب كان طبقاً لما جاء بالآية جَسَدًا

والقوة والسلطان متعدد فهناك قوة وسلطان العلم والقوانين الفيزيائية والكيميائية وقوة وسلطان المال والسلاح وغيرها كثير .. ولابد لكي تصبح فاعلة لابد أن يكون لها إطار متوافق مع بعضه البعض سواء كان يشمل قوة واحدة أو عدة قوى متشاركة معاً ومجموعة في قالب واحد لاستعمالها سواء في كتاب أو سلاح أو أي شيء وفي حالة سليمان عليه السلام فهذا الإطار المتوافق قالبه جسداً وهذا ما سوف نعرف طبيعته المتميزة عن باقي القوى

رْ : كُرْسِيِّهِ ..  ربط بين أمور وأشياء متعددة وتحكم فيها حتى بدون اتصال مادي بين الكرسي وسليمان عليه السلام  وهذه الأشياء وحتى بعد ما مات بقى الكرسي فاعلاً ولم يكتشف المُسَخرين من خلال هذا الكرسي الجسد أنه توفى إلا بعد أن أكلت دابة الأرض منسأته .. وسوف نشرح ما هي تلك المنسأة ودابة الأرض

سِ : كُرْسِيِّهِ .. من خلاله كان يمكن بلوغ مركز وعمق شيء ما ويتحكم ويسيطر من خلال أمر خارجاً من هذا الكرسي إلى  هذا الشيء للتمكن من الانتقال من موضع إلى موضع ومن حالة إلى حالة من خلال طاقة رابطة فيما بينهما ومسخرة لذلك ألا وهي طاقة الجن ومجالها محمل عليها الأمر للتنفيذ

يِّ : كُرْسِيِّهِ .. من خلاله تخرج  تلك القوة والسلطان أي الأمر  فيكون الكرسي مصدره دون عودة حاملاً أمر تغيير الموضع أو الحالة السابقة للشيء ويحل محلها الموضع أو الحالة التي تحمل الأمر الجديد  فتصبح الحالة الجديدة للشيء محل التحكم به الأكثر وضوح والأنشط والأغرب والأكثر تأثيراً فتصير عملية التغير بأشكال متعددة من صور الأمر وأشكال التنفيذ المتعددة

هِـ : كُرْسِيِّهِ .. من خلاله يهيمن سليمان عليه السلام من خلال هذا الإطار والمحتوى أي من خلال الكرسي وما يخرج منه من قوة وسلطان وأوامر متتالية في مراحل التغيير لما سبقها من أوامر أو الأوامر المتعددة التي  تحل محل سابقتها مهندساً بهذا الكرسي موضع وحالة الشيء محل التحكم به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم تأتي كلمة (كرسيه) ومصدرها كرس إلا في آيتين في القرءان الكريم في قوله تعالى :
{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } (سورة البقرة 255)
وكذلك قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) } (سورة ص 34)
والفرق بينهما واضح فالله تعالى القوة والسلطان موصولة به ومتواصلة  بل هو مانحها فجاء كُرْسِيُّهُ مضموم في الحرفين الأخيرين الياء والهاء واللذان يعبران عن خروج القوة والهيمنة على هذه القوة إلا أنها قوة وسلطان موصولة بالله تعالى وليس موصولة بدونه أما مع سليمان عليه السلام جاءت برسم وتشكيل كُرْسِيِّهِ .. بالكسرة في حرفي الياء والهاء فهو أيضا القوة والسلطان تحت إرادته ويهيمن عليها إلا أنها خارجة عن ذاته فهذا الكرسي غير موصول به ولكن يمكنه تشغيله من خلال منسأته .. وبقى مفعلاً حتى أكلت منسأته الدابة ثم خر النظام حينها

والفارق الثاني والأهم أن ما ألقاه الله تعالى لسليمان عليه السلام من فتنة المعرفة والعلم والقدرة من قوة وسلطان إطارها ومحتواها جَسَدًا .. فلا يمكن أن يصل الإنسان لقوة التحكم في شيء مثل الأسلحة أو التلفزيون أو الطاقة إلا من خلال إطار ومحتوى مادي يمثل جَسَدًا يمكن من خلاله إدارة هذه القوة والسلطان أما الله تعالى لا يحتاج لجسد مادي لتنفيذ أمراً من أوامر الله تعالى

وقد أعتمد كثير من المسلمين لفهم هذه الآية الخاصة بسليمان عليه السلام من خلال الإسرائيليات .. التي أنكرها البعض الآخر منهم .. وإن كان البعض الآخر أعتمد على روايات مثل خاتم سليمان لعدم معرفته أو علمه عن هذه القوة والسلطان شيئاً .. وإن كان دون أن يدركوا فإنهم وصلوا لجزء من الحقيقة وأنه لدى سليمان قوة وسلطان يتحكم بالأشياء من خلالها فأنت يمكن أن تمسك بالريموت أو أي جهاز للتحكم عن بُعد في الأشياء بل بالصواريخ والطائرات بدون طيار أو بالأقمار الصناعية فهذا كرسي الحياة الدنيا إلا إنه دائماً لابد أن يكون من خلال جسد مادي يتيح لنا هذا التحكم والسيطرة وإن كانت جميعها في زماننا متفرقة غير مجموعة في جسد واحد

وقد أفتتن سليمان كما أفتتن الناس في عصرنا بهذه القوى المادية إلا أن سليمان أناب وعلم أن هذه القدرة مهما وصل من تحكم فهناك علم الله الجامع الذي يفوق كل علم نصل إليه بل أنه من عند الله فأناب لله وطلب ما هو يتعدى حدود الجسد المادي .. فسخر له الله تعالى مركز ما هو خفي من القدرة والمعرفة للتحكم بالرياح والشياطين

فما يعطينا الله تعالى من علم ومعرفة وقدرة هي ما ألقى الله لنا أما ما سخره لنا من سُنن كونية لا يمكن أن نتحكم بها فما كان ينبغي لأحد وما سخره لسليمان لم يسخره لأحد من بعده

والسؤال لماذا على وجه التحديد كان هذا الكرسي جسداً وليس بدناً أو جسماً .. ولماذا أيضاً كان بني إسرائيل اتخذوا عجلاً جسداً .. ففتنهم في حين أن فرعون نجاه من البحر ببدنه .. ولماذا كان طالوت ظاهر التميز فيه إلى جانب العقل .. الجسم .. ولم يقل الجسد أو البدن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فما الفرق بين الجسد والجسم والبدن
وما طبيعة أن يكون كرسيه جسداً وخصائصه
إلى اللقاء في الجزء الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تعليقات