🧠 المقال العاشر: لماذا لا نتذكر من نحن؟ – حجاب الوعي بين رع، والتصوف، والقرآن الكريم
"أنتم مَن نسي أنه هو الخالق." – رع
"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا." – القرآن الكريم
"الحُجُب هي أن ترى غير الله في أي شيء." – النفري
🔒 أولًا: كيف يفسر "رع" النسيان؟
في فلسفة قانون الواحد، "النسيان" أو "الحجاب" ليس خللًا، بل ضرورة كونية.
حين تدخل الروح إلى الكثافة الثالثة (حياتنا البشرية الحالية)، تُحاط بـ:
-
حجاب النسيان الكامل عن أصلها، تجسداتها الماضية، حقيقتها الروحية.
والسبب؟
كي يكون الاختيار حقيقيًا.
لو علمت أنك روح أبدية أو عشت تجارب سابقة، فستفعل الخير بدافع الخوف أو المعرفة، لا من نية حرة.
وبالتالي، يصبح هذا الحجاب مثل "امتحان مفتوح في قاعة مظلمة":
إن وجدت النور من الداخل، فأنت جدير بالعبور.
🧘♂️ ثانيًا: كيف يرى التصوف هذا النسيان؟
في التصوف الإسلامي، الحجاب هو الحاجز بينك وبين الحق.
لكنه ليس نسيانًا كاملاً، بل:
-
غفلة مشروطة بالنفس.
-
"الحُجب" تتكاثر بقدر ما يتكثّف "أنا" الإنسان.
النفري يقول:
"كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة."
ويقول:
"إذا رأيت شيئًا غير الله، فأنت محجوب."
ابن عطاء الله السكندري يوضح:
"ما حُجِبَ عن الله من لم تُحجب عنه نفسه."
أي أن النسيان في التصوف ليس عن أصل الروح فقط، بل هو نسيان لطهارة الفطرة وسكينة القرب.
📖 ثالثًا: النسيان في القرآن الكريم
القرآن يذكر النسيان في مقامات عدة:
-
نسيان العهد الأول
حين قال الله في سورة الأعراف:
"أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ"
ثم نسوا، فكان التكليف والتذكير والرسالة. -
نسيان النفس
"نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ" (الحشر: 19)
فالنسيان لا يتعلّق بالله فقط، بل بفقدان الإنسان لهويته الحقيقية. -
نسيان الرسالة
"وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ" (طه: 115)
أي أن أول تجربة بشرية بدأت بالنسيان، ولهذا كان الذكرُ هو جوهر الدين.
🧭 ما الغاية من النسيان إذًا؟
في الرؤية الثلاثية (رع – التصوف – القرآن)، نكتشف توافقًا عميقًا:
-
النسيان ليس عقوبة، بل فرصة.
-
هو الستار الذي يُفَتح من الداخل، لا من الخارج.
-
من خلال الظلمة، يُولد النور الحقيقي.
رع يقول:
"إن لم تُجب عن السؤال 'من أنا؟' دون مساعدة، فلن يكون جوابك صادقًا."
وفي التصوف، يُقال:
"العرفان هو علمٌ تُذكّر به ما نسيت، لا علمٌ تكتسبه."
وفي القرآن:
"وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ"
🧩 كيف نُعيد الذاكرة؟
ليس عبر العقل، بل عبر:
-
النية الصادقة في طلب الحق.
-
التأمل والصمت.
-
تطهير النفس من شوائب "أنا".
-
العمل المحب الصادق دون انتظار نتيجة.
فحين تبدأ تُحب بصدق، وتخدم الآخرين بصفاء،
يتسرب النور من بين شقوق الذاكرة المغلقة،
وتبدأ تُدرك أن كل ما تراه… كان جزءًا منك دومًا.
🌱 خلاصة المقال:
النسيان الذي نعيشه ليس خطأً…
إنه النفق الذي ندخله لنختار من نكون.
وكل من استيقظ في قلبه السؤال: "من أنا؟"،
هو إنسان بدأت ذاكرته تتنفس.
🟦 في المقال الحادي عشر (الرابع في هذا المسار):
سنتناول "الخلق والمراتب الوجودية" في رؤية رع: من الكثافة الأولى إلى السابعة،
ونقارنها بـ:
-
سلم "العوالم" في التصوف (الملك – الملكوت – الجبروت).
-
ومراتب الخلق في القرآن (التراب، الماء، النطفة، الروح).
تعليقات
إرسال تعليق