فبالمساجد يسجد عباد ومخلوقات الله جميعها، بل لابد أن يكون هناك رابطًا بين سجود المخلوقات جميعها فمن أوجد الصلة بينه وبين مخلوقاته هو الرحمن وبين المخلوقات وبعضها البعض هو الرحيم، فكلاهما أنظمة وقوانين الله لتحقيق الصلة والصلوات بين الله ومخلوقاته وبين المخلوقات وبعضها البعض
قال تعالى:
(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ) (سورة الأَعراف 31)
وهنا من له عقل سوف تثيره التساؤلات الآتية:
س1: "يَا بَنِي آدَمَ" هل كلام الله تعالى هنا
موجهاً للمؤمنين أم كل بني آدم كافرهم ومؤمنهم وهل الكافر لديه مسجد؟!!!!
س2: هل عند كل مسجد معناها عند كل صلاة؟!!!!!
س3: ما هي المساجد المقصودة؟!!!
س4: كيف نتخذ زينتنا عند كل مسجد!!!!!
الزينة:
هنا كل ما يمكن ضمه واقترانه ببني آدم وكل ما
يحتاجه فيحقق له زيادة من كل ما لا يتم الأمور إلا بهذا الاقتران والضم، فيكون
من خلال هذه الزينة أكثر تأثيرًا من غيره والأوضح والأنشط بين نظرائه فيكون
هو الأكثر تحديدًا بالاقتران به في إنجاز شيء ما أو مرحلة من بين كل
أنواع المقترنات ذات النتاج النقي فتقوم تلك الزينة بواجباتها في انتاج شيء ما،
فتكون هي الأقوى في الإنتاج والنواتج، وبين أنواع الزينة المختلفة والمتفرقة وبين
مُستعمليها والتي تتقن النتائج، والتي فيها تفاعل وتفعيل ما بين بني آدم وبينها في
الوظيفة والمشاركة من ضمن الوسائل والأدوات الكافية والكاملة التي لها
إطار ومحتوى تغطي قوة وسلطان قي الإنتاج أو في إعطاء نتيجة وتأثير، ومن خلالها يمكن
بها استرجاع بناء حالتها التي تعطي ذات النتائج والتأثير، من خلال وصل وضم خصائصها
ووصلها بخصائص وبيئة وساحة المساجد فتتوسط بين نقائض فتوصل بين بني آدم وتلك
الساحات.
فمثلاً فالميكروسكوب والأجهزة الدقيقة والحديثة شكل
متقدم من تلك الزينة التي توصلنا بساحات ونطاقات كانت خفية عنا حسب كل مقام ومكان
وميقات المُفاعلة عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.
كيفية سجود الزينة
قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ
عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ
يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (سورة الحج 18)
إذن جميع المخلوقات في السماوات والأرض تسجد لله،
بل طوعًا وكرهًا، فبالسجود تنتظم حركة الكون كلها ولا يختل النظام، ولكن يجب أن
نسأل أنفسنا أولاً:
س1: الله تعالى يقول (ألم تر) فهل ترى كيفية سجود تلك المخلوقات؟!!!
س2: ما هي كيفية سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب؟!!!
س3: ما هي كيفية سجود كثير من حق عليهم العذاب، هل من حق
عليهم العذاب يسجدون؟!!!!!!
س4: من يهن الله فما له من مكرم، من هم وماذا يفعلون؟!!!!!!!
بل أن من حق عليهم العذاب كما قال الله تعالى في
الآية السابقة أيضًا يسجدون مثلهم من في السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم
والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس بل وكثير ممن حق عليهم العذاب، ومن هذا
الذي يحاول أن يهن الله بعدم سجوده.
فما هي طبيعة السجود المشتركة لكل المخلوقات حتى كثير
ممن حق عليهم العذاب أيضاً يسجدون.
فسجود الكائنات هي أن تكون البداية والنهاية طاعة
لله، وانصياعها وخضوعها لله وليس سجود الحركة فقط، ولكن سجود العمل والرضوخ
والخضوع لقوانين وصلات الله التي وضعها كسنن للكون.
فالشجرة لها سجودها بأن تكون في طاعة الله وأمره في
ربيعها وخريفها وتجدد إنباتها ودورة حياتها وإثمارها، وكذا الشمس والقمر وأفلاكهما
وانتظامهما من بدايتهما لنهاياتهما يسجدون لله، وكذا جميع المخلوقات حتى أصغر خلية
في الكون وما بداخلها من حيث خضوعها لهندسة الرحمن فتكون من عند الله البداية
وعنده النهاية.
ولكن كيف كثير ممن حق العذاب يسجدون:
بالطبع فإذا كان انتظام الكون بما فيه يتطلب أن تسجد
جميع الكائنات؛ فبالأحرى أن يستفيد حتى من حق عليهم العذاب من هذا الانتظام
ويلتزمون هم أيضًا بقوانين وصلات الكون، مجبرين على ذلك لعدم الإخلال بحياتهم
وتعريضها للخطر، فالكل يسجد لسنة الله التي سنها في النوم، فهل يمكن لإنسان مهما
طال عليه السهر أن لا ينام؟!!!، وكذلك في الطعام والشراب.
وتبقى فئة تحارب الله ورسوله تريد أن تخل بقواعد هذا
السجود في بعض المجالات التي خصها الله لاختيار خليفته على الأرض، ولعلك
تلاحظ أن السجود الحركي هو تأكيد لهذا الانصياع والخضوع، والصلاة هي تأكيد للصلة
بين العبد وربه بل وبكل المخلوقات من خلال الصلة مع الله.
وبعد أن تعرفنا على سجود جميع المخلوقات لسنن الله
وقوانينه، جاء الوقت لنتعرف على مساجد الله.
المسجد:
فكل ما جمعه الله تعالى في عالم الدنيا وضمه وتداخل فيما
بين مخلوقات الله وجعله في قالب الأرض وعالمها في كل مقام وزمان وميقات محل سجود
تلك المخلوقات فيه وجعل بين مكونات هذا العالم تآلف وضبط مستمر بين مكوناته
المتفرقة والمختلفة ضبطًا تامًا وكأنه بتوافقه هذا قالب واحد هو الأفضل الذي يؤنس
به الخلق.
فعلى سبيل المثال الأرض الزراعية قالب مسجد من مكونات
متفرقة (طين الأرض وأملاح ومياه وبذور.. الخ) من ضمن قوالب فيها السنة المُسخرة
على سلوك متوافق من خلال قوانين الله فيها فجعل الله فيها من الأمور والسنن
العظيمة التي تُسيرها على سنة دائمة مستمرة لأجل يعلمه الله تعالى على الحال
الأسمى سواء في حال السكون أو الحركة؛ فتوضع الأوامر الإلهية بمركز وعمق هذه
المواد وتسيطر تلك الأوامر عليها سيطرة تامة تجعلها تنتقل من شيء إلى شيء أو من
موضع إلى موضع أو من حال إلى حال من خلال تلك القوانين والأوامر الإلهية، فتنبت
البذرة شجرة، وهكذا في كل مثال، مواد ومخلوقات ساجدة لله، فنطاقها مسجد يسجدون فيه
لتلك الأوامر الإلهية الموضوعة فيهم.
قال تعالى:
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ
تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ
حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (سورة الواقعة 63 – 65)
وهكذا فأماكن الزراعة وتربية القطعان والمصانع والإدارات
والمدارس وأماكن بناء السفن وأماكن الصيد والأسواق وأماكن ممارسة المهن والحرف
والمعامل كلها مساجد يجب أن نكون فيها ساجدين لله كما سجود مخلوقاته فيها
ممتثلين لأوامر الله فيها غير مخربين لتلك المساجد.
قال تعالى:
(فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ
الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (سورة الأَعراف)
فعند كل مسجد فريقاً هدى وفريق حق عليهم الضلالة.. كيف؟!!!
فبداية كل عمل هو آذان العمل فآذان الفجر هو منبت صلاة الفجر،
والشروع في أي عمل هو آذانه فسواء كان آذان العمل عبادة أو عمل دنيوي أو
استعمال مساجد الله، فإما تكون وجهتك الله وطاعته واحترام مساجده على الأرض
فهذا فريق هدى وعلى الجانب الآخر من يوهبون عملهم للشيطان ويستعملون مساجد الله في
ما يريده الشيطان فيحق عليهم الضلالة.
فحتى الوزير والمسئول والقاضي والحاكم الذي لا يلتزم
بقوانين الله بين العباد والموظف والمسئول الفاسد المرتشي كلهم يرفضون السجود لله
فحق عليهم الضلالة.
لماذا الفريق الذي حق عليهم الضلالة يحسبون أنهم مهتدون؟!!!!
يحسبون أنهم مهتدون كونهم يظنون أنهم بتغيير سنن الله
وتغيير خلق الله أفادوا البشرية فمن يقوم بالتلاعب بالحمض النووي الخاص
بالفواكه ويزيد حجمها أو يغير طعمها أو يزيد إنتاجها عن طريق هذا التغيير في الخلق
يظن أنه بذلك أوجد ما هو أحسن من مساجد الله، وهم في الحقيقة يتسببون في ضرر
البشرية جمعاء بل يفتحون طريقاً ليأجوج ومأجوج ليفسدوا في الأرض لأنهم افسدوا
الصلات بين الخلق فعند دخول الفاكهة التي تم تخريب مساجدها تتلقاها
مساجد أخرى في جسم الإنسان فيجدها مخربة فيأخذ من خرابها فيحدث خلل آخر في
مساجد خلايا الإنسان وخلل في طبيعة السجود حتى يظهر عليه أمراض جديدة لم تكن
موجودة، وأهمها في عصرنا الحالي أن يظهر خلايا سرطانية دخيلة على المساجد
بسبب هذا التخريب وهذا ما يفعله المشركون والملحدون كي يجعلونا نخرب مساجد
الله في الأرض ونخرج عن طاعة الله وقوانينه.
قال تعالى:
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (سورة التوبة 17)
هل الله تعالى يحذرنا أن نقع في هذا الوهم وأن مظاهر
العمارة بالمساجد هي في حقيقتها تخريب؟!!!!!!!
فقد توهم حتى المسلمين في زماننا أن المشركين يساعدوننا
من أجل تحسين المنتجات الزراعية والاختراعات التكنولوجية التي نستعملها بدون حماية
منها وبدون التزام بعدم تخريب المساجد، وظن المسلمين أن هذا إعمار للمساجد
لذلك يحذرنا الله في كتابه ويقول لنا ما كان المشركين أن يعمروا مساجد الله فهم
يوهمونا بإعمارها ولا يريدون الاعتراف بإفسادهم لها.
فإذا كان المشركين يوهمونا بتعمير المساجد، فما في ذلك
يجعلهم شاهدين على أنفسهم؟!!!!!
فما كان من المشركين والذين يخربون مساجد الله أن يخرجوا
ليعترفوا أن الهندسة الإلهية هي الحق المطلق وأن ليس هناك ما هو أفضل مساجد الله
لضمان توازن البشرية، فما كانوا ليشهدوا على أنفسهم أنهم مخربين يريدون تغيير خلق
الله لما يضر في حين أنهم يوهمون الناس أنهم يخدمون البشرية، فعندما يغيرون في حجم
الثمرة ولونها وطعمها يتفاخرون بفعلتهم وفضلهم على الناس في حين أنهم
أفسدوا وترتب على إفسادهم تخريب المسجد مما جلب أمراض عضال ومفاسد لا يمكن
مداواتها فموطن الداء ليس في جسم الإنسان فقط فقد انتشر وأصبح في كل حدب ينسلون،
فهم لا يريدون أن يذكر اسم الله في مساجد الله.
قال تعالى:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ
يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة البقرة 114)
هؤلاء المشركين خربوا المساجد وأظلمهم من منع مساجد الله
أن يذكر فيها اسمه محاولًا إبتكانها وتشويهها وتغيير خلق الله، ساعيًا في خراب
مساجد الله، ورغم هذا فعندما يجري تجاربه محاولًا تخريبها فلا يجريها إلا وهو خائف؟!!!!!
فهذا المُخرب في الخلايا والجينات والذرة وغيرها من
مساجد الله يخاف ويهاب النتائج الغير متوقعة من هذا التخريب وأن يصيبه مرض أو تلوث
نتيجة هذا التخريب فيضطر أن يلبس الواقيات التي تحميه والسترات الواقية من تلك
الآثار.
كيف نقيم وجهنا عند كل مسجد، ولماذا هذه الرسالة للمؤمن
فقط بالله؟!!!
بأنه عند الشروع في أي عمل كان حتى الشروع في النوم أن
نجعله من أجل طاعة الله والالتزام بقوانينه وصلاته في الدنيا وأن نجتهد أن نجعله
لله خالصًا وأن نبتغي به إعمار الدنيا ووجه الله فنعمل كل عمل حلال ونبتعد عن كل
شبهة حرام وأن لا يكون ابتغاء متاع دنيا زائل، فلا يبتغي وجه الله سوى المؤمن
بالله
قال تعالى:
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة 115)
فكل قالب لمسجد جامع لمكونات متفرقة ليصير متوافقًا أو كأنه
جسمًا واحدًا في جلال التكوين وكمال ظهوره وتمامه في أشد حالاته إجمالًا بكامل
اجتماعه جاليًا لخروج شيء من مصدره (مثل خروج الزرع والنبات من الأرض الزراعية)
في مراحل التغيير والتطوير دون عودة في حيز وأبعاد وكينونة دون اختلاط بمصدر
خروجه التي تكون منها (الأرض) فالمسجد أي قالب تكوينه بقوانين وقصد ودليل وبرهان
إلهي لأبعد مدى يقوده من حال إلى آخر أو من مكان إلى آخر أو من شيء إلى آخر، فموضع
سجود هذا التكوين أو القالب هو الأشد والأكثر تأثيرًا والأنشط الذي يُخرِج شيء أو
حال من مصدر القالب في كل مرحلة جمع لهذا القالب أو التكوين في كل مرحلة
تغيير وتطوير فيكون الناتج نقي أكثر وضوحًا وأنشط ومتنافر أو متباعد عن قالب إنتاجه
(فضوء الشمس ناتج نقي من تكوين أو قالب جمع مكونات
داخل الشمس وجمع تلك الشمس والأرض في أفلاكهما في سماء مارًا إلى غلاف جوي، هذا
المسجد ناتجه نقي متنافر مع مصدره الشمس ظاهرًا في كينونة وحيز الأرض في مقام منها
وفي مكان منها وميقات نهارها، وحالة الليل وضوء القمر وتعاقب الليل والنهار، نواتج
سجود مخلوقات، والزرع ناتج نقي من سجود تكوين جمع بين مكونات متفرقة من البذرة
والطين وما به من أملاح وماء وسماد.. الخ، فكان نتيجة سجود هذا التكوين هذا النتاج
النقي من الزروع المتنافرة مع مصدرها والتي تخرج منه، والنقية عنها في كينونة وحيز
في مكان السجود (المسجد) في ميقات ظهورها)
ما علاقة الزينة بالمسجد:
فكل الأدوات المناسبة من مادة الأرض هي زينة ساجدة لله
في قوانين جمعها وضمها معاً لإعطاء نتيجة ما، في قوله تعالى:
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).
فكل مواد الأرض زينة لها والتي تجعلنا قادرين على تحقيق
أكبر استفادة ممكنة من مساجد الله، وتعطينا أكبر إنتاج مع الالتزام بعدم التغيير
في خلق الله بالمساجد.
فالفلاح يجب عليه أن يأخذ بجميع الأسباب كي يحسن ويرفع
إنتاجه ولكن بقوانين الله وصلاته بالمخلوقات بل ويمكن أن يأخذ أيضًا بزينة الحياة الدنيا،
المال والبنون وأدوات ووسائل حديثة لتحقيق السجود المطلوب. فله أن يستعين بكل
أدوات الزراعة الحديثة من جرارات متنوعة الاستعمال وطرق ري وعلوم زراعية لتحسين
المنتج بدون العبث بالخلية.
والصانع وأصحاب المهن يجب أن يستعملوا كافة الأدوات
والماكينات التي تحسن المنتجات وتزيد إتقانها، وحتى الموظف عليه أن يأخذ بكافة
الأدوات المصلحية المناسبة من أوراق ودفاتر وحاسبات وتكنولوجيا حديثة.
فإن الزينة التي بين أيدينا على الأرض هي موضع ابتلاء
دائم، ولعل أهم أنواع الابتلاء هي الرقيم والذي نتعرض له في زماننا الحالي وهي أشد
فتنة على وجه الإطلاق ومن أهم أدوات النظام العالمي الجديد في إدارة الفتنة رغم
أنها من ضمن الزينة ولكنها موضع ابتلاء، فسورة الكهف مرشدة لنا في زماننا لمواجهة
سوء استعمال زينة الله في الأرض (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً
لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).
فهذه الآية رسالة للكافر والمؤمن على حد سواء لإعمار
الدنيا ليستفيد كل البشر بخيرات الله، بشرط عدم إخراج المساجد عن حال سجود
مكوناتها وعدم إخراجها من قوانينها التي سنها الله لها وعدم تخريب هذه المساجد حيث
قال تعالى:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ
يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة البقرة 114)
ولكن الحقيقة أنهم سيخربون تلك المساجد ليس إلا لكونهم
يريدون أن يقولوا أنها تخضع لقوانين فيزيائية وطبيعية ليست هي الأفضل، وأنهم
قادرين على تغيير هذه القوانين بما يجعلها أفضل فما كانوا ليشهدوا لله ولا أن
يشهدوا على أنفسهم أنهم مشركين حيث قال تعالى:
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ
اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ) (سورة التوبة 17 - 18)
فجميع تلك المساجد لله فلا يجب أن يعبث بها المخلوق
بزينة تخالف قوانين الله فيها حيث قال تعالى:
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ
اللهِ أَحَدًا) (سورة الجن 18)
والآن نرى كيف وعينا هذه التعريفات من خلال حروف وتشكيل
الحروف في الآية القرءانية؟!!!
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ:
(زِ) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا كل ما يمكن وكل شيء مناسب وكل ما تحتاجونه مما يحقق لكم زيادة من كل ما يتمم ويتقن أعمالكم الدنيوية ويدعمكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (ي) وخُذُوا كل أداة أكثر تأثيرًا من غيرها والأنشط بين نظرائها فتكون هي الأنسب في كل مرحلة من مراحل العمل وعِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فتكون هذه الزينة في هذه المرحلة هي الأنسب (نَ) وخذوا من الأدوات من كل أنواع ذات النتائج الأنقى لتقوم بواجباتها دون حاجة لغيرها من أنواع الزينة الأخرى فتكون هي الأقوى في الإنتاج والنواتج (تَ) فخذوا من الأدوات التي تتمم مراحل العمل وتتقنها وتعمل على تفاعل وتفعيل الإنتاج عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (كُ) وخُذُوا الأدوات الكافية والكاملة التي تحتوي على قوة تتوافق مع طبيعة الإنتاج المطلوب والتي من خلالها يمكن بها استرجاع بناء ذات الإنتاج مرارًا وتكرارًا عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ من خلال أن تتضمن خصائص بيئة العمل المطلوبة فتكون وسيط بين بني آدم وبيئته (مْ) وخُذُوا الأدوات التي يمكن جمعها معًا للاستعمال قدر الإمكان في زينة واحدة لتؤدي العديد من الأغراض (مثل ماكينة متعددة الأغراض).
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ:
(سْ): عِنْدَ كُلِّ تكوين مادي تكمن فيه السنة المُسخرة من
الله عز وجل من خلال قوانين الله فيه، فجعل الله في هذا التكوين من الأمور والسنن
العظيمة التي تُسيرها على سنة دائمة مستمرة لأجل يعلمه الله تعالى على الحال
الأسمى سواء في حال السكون أو الحركة؛ فتوضع الأوامر الإلهية بمركزها وعمقها
وتسيطر تلك الأوامر عليها سيطرة تامة تجعلها تنتقل من شيء إلى شيء أو من موضع إلى
موضع أو من حال إلى حال من خلال تلك القوانين والأوامر الإلهية (جِ): عِنْدَ
كُلِّ تكوين مادي جامع لمكونات متفرقة ليصير تكوين واحد أو متحد أو مكونًا جسمًا
واحدًا في جلال الشيء وكمال ظهوره وتمامه في أشد حالاته إجمالًا بكامل اجتماعه
جاليًا لخروج شيء أو حال من مصدره في مراحل التغيير والتطوير في حيز وأبعاد
وكينونة دون اختلاط بمصدره أو بغيره من التكوينات (دٍ): عِنْدَ كُلِّ تكوين مادي
تكوينه تم بقصد ودليل وبرهان إلهي لأبعد مدى يقوده هذا الدليل والقوانين الإلهية
المقصودة من حال إلى آخر أو من مكان إلى آخر أو من شيء إلى آخر فموضع سجود هذا التكوين
المادي هو الأشد والأكثر تأثيرًا والأنشط الذي يُخرج شيء أو حال ما من مصدر هذا
التكوين في كل مرحلة جمع وضم لهذا التكوين وفي كل مرحلة تغيير وتطوير فيكون
الناتج نقي أكثر وضوحًا وأنشط في تنافره من أصل تكوينه.
تعليقات
إرسال تعليق