قال
تعالى:
{إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (سورة القصص
85)
أولاً
يجب تصحيح المعنى العام للقرآن قبل الخوض في سياق الآية.
ما هو القرآن كمعنى مطلق، وكيف علَّم القرآن
قبل خلق الإنسان؟!!
القرآن
كمعنى مطلق هو أمر الله تعالى وقوانينه التي تتنزل لتندمج بالأشياء والشخوص فتتحول
بهذا الاندماج من حال إلى حال آخر يجعلها ترتبط بهذه القوانين والأوامر والتي
تتحكم وتسيطر على ضبط أحوالها وأمورها وإظهارهم في الدنيا على حالة تأثير وتأثر
ونتاج ما بين الحركة والسكون.
أي
أنه القانون الذي يحكم الوجود المادي وحركة المخلوقات ووجودها، والله تعالى هو
مصدر هذا القرآن، ولكي نعي أكثر يجب أن نقرأ قوله تعالى:
{وَلَوْ
أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا........} (سورة
الرعد 31)
والله
عَلَّمَ الْقُرْآنَ، وعلَّم في هذا الموضع أي كشفه من وجود القرآن الخفي بنقله
بصور متعددة ليتلاحم ويتواصل مع مخلوقات الله فينشأ وجودها وحركة نشوؤها وأطوارها.
أي
أن عَلَّمَ الْقُرْآنَ هنا مثل كشف اندماج النفس والجسد ونفخ الروح ليصبح إنسان،
هنا العناصر المندمجة والمرتبطة ببعضهم البعض متآلفة ينتج عنها إنسان يحمل نسبة من
العناصر الثلاثة (نفس – روح – جسد)، هم ذاتهم مندمج فيهم قرآنهم الذي تحكم وسيطر
على حركة النشوء والوجود، وهكذا كل مخلوق صغير أو كبير مرئي وغير مرئي ففيه قرءانه
فنحن مخلوقين بقوانين الرحمن الذي علم القرآن وكشف بقوانين الله فيه عن خلقه وخلق
الإنسان.
فإذا
كان القرآن ككتاب مرسل بين أيدينا يحمل قوانين وأحكام الاندماج مع كافة الأحوال
الدنيوية التي تجعلنا قادرين على التحكم والسيطرة على نفوسنا وأحوال الدنيا معًا،
فيضبط لنا حالنا وحال الدنيا، وينتج لنا أحوال نقية بإدماج الأمر والسنن والأحكام
الإلهية من خلال هذا القرآن بالدنيا وأحوالنا وأمورنا الدنيوية.
بل
أن كل كتاب قبل القرآن الكريم هو قرآن زمانه ومكانه إلا أنه موقوف داخل مكانه
وميقات تنفيذه.
ولكن
القرآن الكريم هو يحمل الصفة الكاملة للقرآن من حيث أنه لكل زمان ومكان:
{وَقُرْآنًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا
(106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
مِنْ (((قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا)))
(107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا
(108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (سورة
الإسراء 106 - 109)
فهل
ذات القرآن هو ذاته الذي كان قبله إذ يتلى يخرون للأذقان سجدًا، بالطبع كان قرآن
زمانه، وأيضًا ضم من القوانين القرآنية ما يفرقه عن القرآن الكلي أو المطلق،
لنقرأه، أي نتقن استخراج ما نرتبط به منه في ضبط حياتنا والسيطرة على نفوسنا، على
مُكث أي جمعناه على صياغة دنيوية وتكوين متوافق في إثراء حياة الناس على أفضل
وأنقى حال.
فالقرآن
بالكتاب الذي بين أيدينا هو بمثابة اختيار لما سوف يضبط حياتنا وحركتنا الإرادية، وهناك قرآناً مطلق يسيطر على حركتنا اللاإرادية، كذلك
خلق الخلق بقوانين القرآن الإلهي الذي يشمل قوانين الخلق كله، القرآن الشامل.
لذلك
في قوله تعالى:
{وَلَوْ
أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ
كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ ((لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)) وَلَا
يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ} (سورة الرعد 31)
لو
دققتم جيدًا سوف تروا أن في المقابل للاختيار في المقابل أنه تعالى لو يشاء الله
لهدى الناس جميعًا خارج منطقة الاختيار.
فالأمر
أمر الله ويضع لكل أمر قرآن لو أن الإنسان وصل لقرآن يفتح أنفاقًا بالجبال يمكنهم
من المرور بين طرفي الجبال أو خروج جزء من باطن سطح الأرض وتطويع وتشكيل وتحوير
هذا الباطن وكشف ما كان خفي من هذا الباطن بشكل تام كأنفاق تحت الأرض أو قرءان
كُلِم به الجمادات الموتى أي تم وصل تكوين مادي متوافق مع بعضه البعض جعلت له قوة
الوصل والاتصال بين باطنه وظاهره ونقل ما بين ظاهر وباطن من خلال قالب صياغة مادية
مثل الأجهزة التي بين أيدينا، فكل هذا بأمر الله، فلله الأمر جميعاً ولكل مخلوق قرآنه الذي نتعامل
معه من خلاله ولا نخرج خارج تلك القوانين.
لذلك
كان خطابه للمؤمنين:
أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى
النَّاسَ جَمِيعًا
فبقرآن
الله في مخلوقاته مكننا منها وسخرها لنا ووجب احترام قرآنه فيها ولو أراد الله
لكشف قرآنه فيها وهدى الناس جميعًا، ولكن تركهم لرؤية الحكمة في توازن الأرض وما
فيها بقرآنه، ولكن بما يصنعون وعدم احترامهم لقوانينها الكلية وتوازنها جاء قوله:
{وَلَا
يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ} (سورة الرعد 31)
فهذا الإخلال
المتزايد لقرآن مخلوقاته يقرعهم بين الحين والحين بما صنعوا.
وهكذا
وضع الله تعالى ما بين أيدينا قانون الاختيار متمثلاً في القرآن الكريم ككتاب ذو
صياغة كلامية منطوقة أو مقروءة وتحمل أوامر وحكمة إلهية، وهناك قرآنًا يحكم كل شيء
لا إراديًا.
والقرآن
الكريم كقوانين ليس هو الدين، فهو كلام الله، أي المعاني الكامنة بالذات الإلهية
بصياغة دنيوية ليس لها مدى من العلم يمكن بلوغ مداه، وما نستخرجه منه ليكون ضابطًا
للسلوك الدنيوي فهو دين، فالدين قوانين الفضيلة التي تنقي سلوكنا.
والآن
يمكن أن نعي كيف علَّم الإنسان قبل خلق الإنسان.
قال
تعالى:
{الرَّحْمَنُ
(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} (سورة الرحمن 1 - 7)
الرَّحْمَنُ
هو صفته والقانون الإلهي بربط الخلائق والتحكم والسيطرة والإحاطة بهم وجمعهم وضمهم
في أجسام مادية أيًا كان هذا المخلوق جمادًا أو غير جماد مرئي لنا أو غير مرئي،
فالرحمن صفة التحكم والصلة بين الله ومخلوقاته وقوانين خلقهم، أما صفته الرحيم
فتحكم قوانين الارتباط بين المخلوقات وبعضها البعض.
والقران
الكريم صفة الكتاب عندما تنزل إلى عالم الخلق فبخروجه وتنزيله واندماجه في القلوب
أصبح قرءان كونه ارتبط وسيطر وتحكم بالنفس وتآلف معها ومع أحوالها الدنيوية فينقي
قلوب النفوس وأحوال الدنيا كل ما اندمجنا به فليس كل إنسان كتابه أصبح قرآنه حتى
يجعله طريقه المستقيم.
فهو
في الأصل كتاب لا طالما لم يخرج لعالم الخلق ثم تتضح صفاته بتنزيله فهو القرآن
المجيد والعظيم والمبين.. الخ
ولكن عَلَّمَ الْقُرْآنَ هنا.. تأتي في سياق قانون الرحمن وتليه
وكلمة
(عَلَّمَ) تعني كشف ما كان خفياً من قبل فأخرجه على مراحل من نطاق علم الله إلى
عالم خلقه ووضعه في قالب مادي أو في صياغة عالم الخلق وصور من القرآن الذي يتناسب
مع كل مخلوق منطقه، وطبيعته، وطبيعة سجوده، ومسجده.
وهذا
الذي كشفه الله ونقله من العلم الكائن بذاته لعلم المخلوقات ووضع له صياغة مادية
وفي قالب دنيوي هو القرآن.
وهنا
قد يسبح البعض إلى أن الكتاب الذي بين أيدينا هو المقصود.. ولكن هو صار قرآناً
كونه اندمج بقلوب البشر وقبل تنزيله فهو كتاب، بل وبدون تنفيذ ما فيه يظل كتاب.
فإذا
كان قوانين الرحمن كما أسلفنا فلتنفيذها تم كشف قرءان شامل قبل الخلق
{الرَّحْمَنُ
(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} (سورة الرحمن 1 - 7)
الفرض
هو
ما يستوجب مفارقة حالة معتادة والارتباط بتضييق تلك الطريقة المعتادة والسيطرة على
النفس والتضييق عليها، وهنا مع فرض القرآن المطلق فارق حالته المتحررة من الجسد
وتم التضييق عليها بفروض عالم الأرض من جوع وعطش وحاجة للنوم... الخ.
هذه
الحالة التي تم فرضها من خلال الله تعالى، يتبعها الرد للحالة الأولى.
لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
لرادك
من ردد ومعاد من وعد، فربط قوانين التردد أو تغيير الاتجاه ما بين اتجاهين ذهاب
وإياب موصول بوعد، يوم كشف ما كان خفي ولا يدركه من عالم الآخرة، يكشف فيه الأدلة
والبراهين الكامنة وراء هذا الاكتشاف.
أي
سينقلك الله تعالى من عالم الأمر، ويربطك بجسد وحياة مادية دنيوية من خلال هذا
القرآن المفروض ليتحكم في أمورك وأحوالك الدنيوية، وتخضع لصور متعددة من القوانين
التي ظاهرها صور من أدلة وبراهين دنيوية متشابهة ومشتبهة عليك فيها من فتن الظاهر وباطنها
بقرآنها المفروض الذي يحمل البرهان المطلق في تكوين متوافق مع أحوالك وأمورك
الدنيوية تعطيك قوة الاستمرار في هذه الحياة إلى أن يخرجكم منها ويجمعكم الله
تعالى ليكشف لكم ما كان خفي عنك أيها الإنسان ولم تكن تدركه من قبل في الدنيا
ويكشفه لك في تلك الحياة الأخروية لتكتشف الأدلة والبراهين المطلقة التي تتضح
وتصبح مبينة فبصرك اليوم حديد.
عظم الله اجرك واتمنى جمع أعمالك الجليلة فى كتاب او كتب حفاظا عليها و زكاة علم و صلاة على الجيل الحالى و القادم بأمر الله و حوله و قوته حتى لو كتاب مريوم
ردحذفhttps://7elmthany.blogspot.com/2018/11/blog-post_46.html
حذفمرقوم
ردحذفhttps://7elmthany.blogspot.com/2018/11/blog-post_46.html
حذف