القائمة الرئيسية

الصفحات

 


🏺 أكل التراث أم وراثة الرسالة؟

حين يتحوّل الماضي إلى عبء... أو إلى ميراثٍ منير

🧭 تمهيد: هل نرث… أم نستهلك؟

في دروب الزمن الممتدة بيننا وبين من سبقونا، نسمع تكرارًا كلمات مثل: التراث، الورثة، الميراث، الوارثون، أورثناها. كلمات ثقيلة المعنى، تتأرجح بين الهداية والضياع. فهل نحن بالفعل ورثة لرسالةٍ نقيّة؟ أم مجرّد مستهلكين لتراثٍ متراكم، نلتهمه دون تمحيص ولا تمثّل؟
في زحام هذا السؤال، ينكشف كثير من تخبط واقعنا... في الدين، في الفكر، في التاريخ.


📚 أولاً: الفرق بين "التراث" و"الميراث"... أين نقف؟

التراث هو روح الماضي حين تُبعث في الحاضر. إنه ما نُعيد تفعيله من مخزون الأجداد، لنُلبسه ثوب الزمان الذي نعيش فيه. أما الميراث، فهو مجرد متاع يُقسم ويُوزّع: مالٌ، عقارٌ، كتبٌ، أو حتى مناصب.

إذاً، التراث كيانٌ معنوي، والميراث قالبٌ مادي.

لكن المأساة تبدأ حين نتعامل مع التراث كأنه جثة محفوظة في الفورمالين، نُخرجه كما هو ونفرضه على عصر لا يُشبهه. وهنا… لا نكون "وارثين"، بل "آكلين للتراث"، كما يُؤكل الطعام دون نظر أو تذوق.


🧠 ثانيًا: من يأكل التراث؟ ومن يرثه؟

  • "آكل التراث" هو الذي ينقل ولا يعقل، يُقلّد ولا يُقوّم. يلتهم النصوص والعادات القديمة بجوعٍ للقداسة، دون غربلة أو مراجعة.

    • هو الذي يردد، لا الذي يراجع. يُقدّس كل ما وصله من الماضي، حتى ولو خالف العقل والواقع والشرع.

  • أما "الوارثون"، فهم الصفوة الذين يصلون الماضي بالحاضر بالعقل والحكمة. لا ينسخون التراث، بل يُنقّونه. لا يكرّرون، بل يُبدعون امتدادًا لما أُنزل لا لما أُلف.

يقول الله تعالى:
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا"


هؤلاء لم يكتفوا باستلام النص، بل فعّلوه، وحملوه، ونقّوه، وأخلصوا له.


📖 ثالثًا: وراثة بفهم... أم أكْل بجهل؟

التأمل في ألفاظ القرآن الكريم يرشدنا إلى الفرق الجوهري:

  • "أورثناها": لا تعني فقط تسليم شيء، بل تعني إعداد النفوس لحمل الرسالة، وضبطها لتكون جديرة بها.

  • "يرثون الفردوس": نتيجة إتقانٍ، وتحكّم في النفس، واستكثارٍ من الخير، لا مجرد تمنٍّ أو نسب.

  • "أورثتموها بما كنتم تعملون": لا مكان للمجانية... إنها نتيجة عملٍ متقن، نية صافية، وجهاد داخلي بين الظاهر والباطن.


🔍 رابعًا: واقعنا... ورثة أم مقلدون؟

  • كم من أبناء الأمة فعَّلوا النصوص بعقل، لا فقط بحنجرة؟

  • كم من العادات تنكّرت لجوهر الدين وهي تُروّج باسمه؟

  • كم من المذاهب أصبحت أصنامًا، يُعبد أصحابها بدلاً من أن يُتبع منطقهم؟

لقد أكلنا التراث أكلاً... كما أكل بنو إسرائيل المنَّ والسلوى حتى سئموه. نسخنا، ورددنا، وكررنا، لكننا لم نُبدع، لم نُفكّر، لم نُفرّق بين نصٍّ إلهي واجتهادٍ بشري.


🏁 خاتمة: الوارثون... هم من يُورّثون

الوراثة الحقيقية لا تعني أن نُحافظ على ما ورثناه كتمثال من حجر. بل أن نُحييه، أن نُضيف عليه، أن نورّثه للجيل التالي أنقى وأقرب إلى روح الرسالة.

الإرث الذي لا يُثمر... عبء.
والتراث الذي لا يُغربل... فخ.
فمن أيّ الفريقين أنت؟ من الذين يستهلكون التراث بلا وعي، أم من الذين يحملونه ويطوّرونه، ويُعيدون بعثه كما أراد الله؟

✦ هل أنت من "الوارثين" أم من "الآكلين"؟
✦ هل تُنقّي ما وصلك... أم تكرّره؟
✦ هل تُحيي التراث برسالة... أم تدفنه بماضٍ متجمد؟

اختر طريقك... فالفرق بين وراثة الرسالة وأكل التراث ليس في الحروف، بل في الوعي والتكليف.


تعليقات