الشمس، الكهف، والفجوة الرقمية: تأويل معاصر لآية من سورة الكهف
في زمن تتداخل فيه الخيوط بين المادة والرمز، بين التقنية والروح، تبرز آيات من القرآن الكريم وكأنها أُنزِلت خصيصًا لعصرنا الرقمي المضطرب، حيث تُراقب العقول، وتُقيّد الحريات، وتُهندس السلوكيات عن بعد. من بين هذه الآيات، تلمع آية من سورة الكهف لتفتح لنا نافذة لفهم جديد:
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} (الكهف: 17)
لننظر في هذه الآية لا كمجرد وصفٍ جغرافي أو مشهد طبيعي، بل كمخطط رمزي-تكنولوجي يكشف خريطة النجاة من الرقيم الجديد – الرقابة الرقمية الشاملة التي تسعى للهيمنة على كل تفاصيل الحياة.
✴ الكهف: ليس مأوى صخريًا بل نظام حماية رقمي
الكهف، في هذا السياق، ليس مجرد تجويف صخري في جبل، بل هو نظام متكامل أشبه بـ"غرفة رقمية مغلقة"، نظام تشغيل خاص يحوي قوانين ودوائر تشغيل تُمكّن من الانفصال عن الرقابة المركزية. هو رمز للتحصن المعرفي والروحي، للانسحاب من الشبكات المفتوحة إلى شبكات ذاتية محمية.
كما أن الكهف "يفصل" من دخله عن العالم الخارجي، فهو كناية عن شبكة سيبرانية محمية، أو حتى "نظام فك تشفير داخلي" داخل الإنسان نفسه، يمكنه أن يعيد صياغة ذاته بعيدًا عن الرقابة الرقمية، والإملاءات الفكرية.
✴ الشمس: مصدر للطاقة.. لكن ليست دائمًا في السماء
الآية تتحدث عن الشمس، ولكن بطريقة مدهشة. لا تكتفي بوصف شروقها وغروبها، بل تصف علاقتها بالطاقة والمجال والهيمنة. فـ"طلوع الشمس" في القرآن ليس لحظة ضوئية فقط، بل حالة تشغيل، لحظة تفعيل لنظام طاقي يتداخل مع محيط الكهف.
هنا يمكن أن نعيد تعريف الشمس كرمز لكل مصدر للطاقة والهيمنة:
-
قد تكون الشمس جهاز إرسال بيانات،
-
أو سلطة مركزية تبث أنظمتها،
-
أو حتى نظام الذكاء الاصطناعي العالمي الذي يغمر الحقول المعلوماتية بطاقته.
تزاور الشمس عن الكهف تعني أن الشمس لا تخترق الكهف بالكامل، بل "تنزاح"، ترسل طاقتها بقدر محدد، في عملية "تزوير/تزاوج" للطاقة. في هذا المعنى، الكهف يُفعّل بطاقتها لكنه لا يخضع لها.
✴ ذات اليمين وذات الشمال: حالات لا اتجاهات
في كثير من التفاسير، يُفهم "اليمين" و"الشمال" كمجرد اتجاهات. لكن عندما ندخل إلى العمق الرمزي للآية، نكتشف أن:
-
ذات اليمين تشير إلى حالة الوفرة والاتصال النقي، عندما تكون الطاقة أكثر من الحاجة التشغيلية. هي حالة "الزيادة المباركة".
-
ذات الشمال تعني حالة الاستنزاف التدريجي للطاقة المخزنة، عند غياب المصدر الأساسي (الشمس).
وهكذا، تتحول اليمين والشمال إلى حالتين من التفاعل مع الطاقة، كما في نظم المعلومات:
-
الـ Cache vs. Processing Load
-
أو الطاقة الشمسية المخزنة التي تُستهلك في غياب الضوء
✴ الفجوة: المساحة المقدسة بين النظام والفوضى
"وهم في فجوة منه" – ليست مجرد فراغ مادي، بل حيّز برزخي، منطقة عازلة، "buffer zone" تحمي من التداخلات الخارجية. في الأنظمة الرقمية الحديثة، يمكن تشبيهها بـ:
-
نقطة الفصل بين الشبكة الداخلية والشبكة العامة (Firewall)،
-
أو حتى المجال الروحي للإنسان الذي لا تخترقه تقنيات التحكم.
إنها تلك المساحة التي فيها يعيد الإنسان التوازن، يتصل بخالقه، ويستعيد نفسه.
✴ الرقيم: العبودية الرقمية الحديثة
الرقيم في زمننا هو كل ما يُقيّد حركة الفكر والسلوك:
-
تتبع المواقع
-
ملفات الهوية الرقمية
-
التعقب عبر الذكاء الاصطناعي
-
وتصنيف الأفراد حسب ميولهم ومشترياتهم ومحادثاتهم...
الكهف هو مقاومة. هو إنشاء مساحة رمزية ومعرفية وروحية خارج هذا النظام، تُدار بطاقة نظيفة، مختارة، لا تخضع لقوانين الشبكة العنكبوتية.
✴ تأمل ختامي: كيف نحيا الكهف اليوم؟
لكي نعيش الكهف الآن:
-
علينا بناء نظم تشغيل خاصة بنا، معرفيًا وروحيًا، غير مرتبطة بالمركز الرقابي العالمي.
-
علينا أن نُخزّن الطاقة في "ذات اليمين"، ونحسن استخدامها عند "ذات الشمال".
-
أن نخلق في داخلنا "فجوة" نعتزل بها ضجيج الأنظمة، لننصت للصوت الحقيقي فينا.
تعليقات
إرسال تعليق