هل المقصود
بالضمير في قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ) آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، البشر التي تعيش الآن
على الارض؟ وهل (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) تعنى ان الآيات ستكون رد فعل لأفعالهم خلال
حياتهم؟!
قال تعالى:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ
رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (سورة فصلت 53 - 54)
الْآفَاقِ
مصدر الكلمة ءفق، ضبط المتفرقات التي تخرج من مصدرها
لتندمج في متفرقات أخرى، لتزول حالة كل متفرق لتندمج مع أخرى لتظهر مادة أو حالة
جديدة.
فلكل شيء يظهر ءفق، فناتج اندماج أشعة الشمس مجال الأرض
النهار، وناتج اندماج البذرة بمواد الأرض والماء الشجرة، واندماج وحي جبريل بقلب
الرسول القرآن الكريم، وهكذا.
والرؤية تأتي بعد النظر
فنربط بين ظاهر وباطن الشيء لنستخرج التفاعل بين ظاهر الشيء وباطنه ومدى تكاملهما.
وفي لفظ الْآفَاقِ جاءت الألف ممدودة وهذا يعني امتداد
الزمن وامتداد المكان لخصائص حرف الألف، وأن المتفرقات على مدار الزمن وفي كل مكان
وهي تندمج في بعضها البعض ويتم ضبطها معًا لينتج منها آيات جديدة نكتشفها ونبنيها
بأيدينا بدمج المتفرقات تلك معًا، فاندمجت الكهرباء وبرامج التشغيل مع المعادن
لتعطي أجهزة إلكترونية، وهكذا سوف يظلوا في رؤية تلك الآيات.
وَفِي أَنْفُسِهِمْ
النَّفْسَ: صورة ونُسخة أخرى من أصل الإنسان أو شبيه أو
شِق منه والفراغ فيه يُسمح من خلالها أن يوجد الإنسان بعيد عن عالم جسده، فهو الصورة الأخرى من الإنسان وتكون نسبة موصولة
بجسد نقية عنه متنافرة معه، وهي التي تفرق بين الأمور والأحوال، وهي التي يتم
تمحيصها في الفتن وتتفرق بين فراغات الجسم فتفتت وتتشعب في الفراغات فيه فتفلق كل
متصل فيه بفراغ تشغله فتكون هذه الصورة الأخرى من الجسم بلا مادة وهي من تفارق
طريقتها المعتادة في كل عالم تخوض غماره وترحل عنه لعالم آخر دون جسدها لتحل على
جسد آخر يكون موضع خلاقها، فهي أساس الإنسان ومقياسه وهي أساس الحياة للإنسان
والأفعال وهي مركز وعمق الإنسان والتي تسيطر على الجسد سيطرة تامة.
أَنْفُسِهِمْ
قالب النفس الموصول بجسدها ومقياسها المهيمنة عليه
والمضمومة والمجموعة معًا، فيها النفس باطنة غير ظاهرة والجسد ظاهرها، فهذا الجمع
بين الجسد والنفس آية، وتكوينه وخلقته ومقاييسها التي تجعلها تحيا، ففيها هي
الأخرى أفاق كثيرة.
ويبقى أن نسترجع الآيات فنجد أنها إجابة لهذه الآية:
قال تعالى:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ
كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (سورة فصلت 52)
فهناك ما يثبت أن القرآن الكريم بأن الله تعالى أجابهم
بقوله:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
فيتبين لهم أنه الحق كونه دائمًا ما يؤكد ما يرونه من
آيات في الأفاق وفي أنفسهم، لذلك سبق وأن قال تعالى في نفس السورة:
(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا
مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (سورة فصلت 42)
وقال تعالى:
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) (سورة فصلت 47)
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ
بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (سورة الزخرف 61)
فهو يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، علم سيظل يخرج
لنا ما فيه للساعة.
تعليقات
إرسال تعليق