القائمة الرئيسية

الصفحات

أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها



أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا العديد من التفسيرات .. فالأقدمين قالوا أن الأرض يتم انتقاصها بفتوحات المسلمين وضمها إلى دولة الإسلام .. وقال البعض في العصر الحديث أن أطراف القارات تنتقص اليابسة منها ويطغى عليها الماء .. وذهب البعض إلى انتقاص الأرض من القطب الشمالي والجنوبي .. وقالوا أن الإيمان ينحسر من أطراف مركز الإيمان في مكان ما وصولاً لهذا المركز

ولعل التفسير الأخير اقترب من جزء من المثال .. وبما أنه مثال ضربه الله لنا فيجب أن نعيه أولاً قبل أن نتدبر لماذا ضرب لنا هذا المثل .. فتعالوا أولاً نتدبر قول الله تعالى
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) } (سورة الرعد 41)
لو تأملنا الآيات نجد أن .. الله يأتي الأرض .. فبماذا يأتيها ؟!!!
حيث يتم ضبط أمور وأحوال الأرض بشكل مستمر لتتلقى ما أوتيت فتجمع شتاتها وأجزاءها المتفرقة في قالب واحد في أقصى ضبط حيث تتمم قالبها بما أوتيت ويتشاركا بتغيير حالته السابقة فتكون بما أوتيت  أكثر نشاطاً وأكثر وضوحاً

ولو أن سياق الكلام يتكلم عن الطبقة السطحية للأرض .. فالأرض يأتيها الماء من السماء فيجمع شتات هذه الطبقة السطحية ويعيدها من حال تشققها إلى حال تجمعها من جديد .. فلنتدبر معنى الكلمات من خلال حروفها وتشكيلها
نَأْتِي الْأَرْضَ : ننزع منها نسبة من كل موصول بها من الماء فينتقل وينفر منها بلا اختلاط بموادها نازع لنقاءه منها  ليتكون منها سحاباً .. حيث يتم ضبط أمور وأحوال الأرض بشكل مستمر من خلال ما يأتيها من الماء من هذا السحاب فتجمع شتاتها وأجزاءها المتفرقة المتشققة في قالب واحد في أقصى ضبط حيث تتمم قالبها بما أوتيت من الماء ويتشاركا بتغيير حالتها السابقة فتكون بما أوتيت  أكثر نشاطاً وأكثر وضوحاً حيث يتم إحيائها بعد موتها

نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا : فينزع منها تلك النسبة من الماء نزع متتالي مستمر وتنقية للماء بعد تنقية ويتم دمج ما تم نزعه من خلال عملية البخر في قالب واحد تلك السحب بتغيير في عمق  أطرافها بقوانين إلهية مطلقة فيكون نتاج هذا التغيير صورة من أصل الماء على هيئة سحب حيث يتم الهيمنة على ما تم انتقاصه من أطراف الأرض من بخار الماء المتفرق وجمعهم في قالب واحد تلك السحب التي تتكون ..
فأطرافها  .. هي الأجزاء من الأرض الطيعة والتي يطغى الماء فيها الماء على الأرض وغطاها وطوقته والتي يمكن  الانتقاص منها الماء .. والتي يمكن الربط بينها والسيطرة عليها ونقلها من نطاق إلى آخر .. أي من نطاق سطح الأرض إلى نطاق المجال الجوي من خلال عملية البخر  من خلال فرق وفك بخار الماء من سطحها ويتم فك قيده منها ..
والأطراف هنا سواء بحار أو محيطات أو حتى أرض طغى عليها الماء .. فهنا أتى اللفظ بخصائصه حتى لا ينحصر في شيء بعينه فعملية البخر تتم على أي مكان طغى عليه ماءه فيتم الانتقاص من الطرف الظاهر منه تباعاً

وهنا يتضح لنا مثلاً مختصراً لعملية جاءت بصور تفصيلية بالقرءان الكريم في قوله تعالى :
{ وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) } (سورة فاطر 9)
{ اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) } (سورة الروم 48)
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) } (سورة الأَعراف 57)


فكل مرة تأتي الآيات لتضرب مثلاً فما هذا المثل المراد توضيحه في قوله تعالى :
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) } (سورة الرعد 41)
{ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) } (سورة الأنبياء 44)

ففي كلا الآيتين يضرب لنا مثلاً على القوى العلوية المطلقة في تغيير الحال وانتقاص شيء ونزعه وإتيانه بعد تنقيته مما شابه منهم

ففي سورة الرعد .. كان المثل لشرح ما يحدث لأهل الكتب السماوية وكيف ينتقص العلم من قلوبهم  حين يصبحوا أحزاب ينكروا من الكتاب بعضه فأتى الله كتاباً حُكْمًا عَرَبِيًّا .. أي حكماً ظاهراً كاشفاً بادياً واضحاً نقي يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ .. فكان إتيانه لرسوله بكتابه كان يتلازم مع هذا التنزيل بأن ينتقل جزء ممن أوتوا الكتاب ويتم انتزاعهم لإتباع التنزيل فيتم تنقيتهم مما شابهم من الأحزاب المنكرون لآيات الله

أما في سورة الأنبياء فكان ضرب المثل عن متاع الدنيا الذي يتم انتزاعه من أقوام لما طغى المتاع عليهم وإتيانه لأقوام آخرين .. بذات الإتيان الذي يتطلب الانتقاص من متاعهم الذي طغوا من خلاله

والمقصد أن السنن تصير بذات الكيفية من حيث أن الله يأتي برزقه للأرض بانتقاص أطراف الأرض .. بنفس خصائص انتزاع الماء من أطراف الأرض المغمورة بالماء لإعادة تنزيلها على الحال الأنقى والأطهر

فحتى ما طغى على الزرع من بذور ولقاح يتم انتزاعه من أطراف النبات وإعادة تنزيله على الحال النقي المنفرد المتنافر مع أصل نباته ليعاد زرعه في مكان آخر ليثمر من جديد بما هو أنقى وأفضل وهكذا سنة الله في الأرض

تعليقات