صراع القطب الواحد لا يناصر
إسرائيل من قبيل الصدفة وإنما يحارب حربه الأخيرة لإنقاذ نفسه من عالم متعدد
الأقطاب، حيث كانت حرب أوكرانيا استباق لعالم متعدد الأقطاب، ولكنه فشل في تنحية
هدف الشرق في مزاحمة الغرب في النظام العالمي الجديد، وكان هناك عدة خيارات من أجل
مواجهة هذا الفشل بنقل الصراع لمناطق أخرى لتقويض فرص بزوغ عالم متعدد الأقطاب،
وفيما يلي كانت الخيارات الثلاثة:
الخيار الأول
وهو بنقل الصراع للشرق الأقصى
وتحفيز كوريا الجنوبية واليابان بإثارة حدة الصراع مع الصين بمشاركة الهند، وقد
حشدت أمريكا بعض القطع الحربية النووية في قواعدها في كوريا الجنوبية لإشغال
الجانب الصيني عن حليفتها روسيا، إلا أن المفاجأة أن من تحرش بقوات تايوان كان
مرور قطع بحرية روسية بالإضافة لتحرش الطيران الصيني بالطيران الأمريكي وسبق كل
ذلك مناورات عسكرية روسية صينية، مما شكل قوة ردع لكل من بزغ لديه فكرة تنفيذ
الأفكار الأمريكية وإثارة الصراع هناك، وحرص الهند على ريادتها الاقتصادية وعدم
الانجرار خلف أمريكا، بالإضافة للإشكالية التاريخية بين كوريا واليابان في قضية التعويضات ضحايا العمل القسري في اليابان خلال
الحرب العالمية الثانية.
بل بدأت الصين في تكثيف
تواجدها في بحر العرب ودول الخليج وعمل زيارات منتظمة للقطع البحرية الخاصة بها
هناك والتوسع في القواعد العسكرية بالقرب من البحر الأحمر، وهكذا أمريكا لا تواجه
سوى الضعفاء.
الخيار الثاني
وهو من خلال نقل الحرب إلى
أفغانستان أو أذربيجان وتهديد مصالح إيران في هذه المنطقة، والتخطيط في مرحلة ما
كان وشيكًا في أذربيجان باستخدام أراضيها منطلقًا لغارات إسرائيلية على منشآت
نووية داخل إيران من خلال إسالة لعاب أذربيجان في أطماعها نحو أرمينيا، كما حدث
بالسابق بتوجيه ضربة إسرائيلية "سرية" على مصنع ذخيرة في
إيران، واتهمت إيران في أعقابها بأن إسرائيل تسعى لتحويل أذربيجان إلى مصدر تهديد لأمنها
القومي، وقد تحضرت أمريكا في الأونة الأخيرة بزيادة القطع
الحربية في الخليج وزيادة القوات الأمريكية في العراق، وكاد التنفيذ أن يتم ولكن
أحبطه الخيار الثالث.
الخيار الثالث
كان نقل الصراع إلى الشرق
الأوسط واستخدام المنطقة في حرب مباشرة مع إيران، وهذا أحبطه أوو على وجه الدقة
عرقله تغيرات سياسية واقتصادية، حيث كان التخطيط تكوين حلف عربي إسرائيلي لضرب
مصالح إيران تحت القيادة الإسرائيلية وكان حجر الزاوية فيه تطبيع السعودية مع
إسرائيل فالإمارات ومصر والأردن تعدوا هذا منذ زمن، ولكن يعوق تنفيذ هذه الخطة أن
هناك تغير سياسي كبير مع بزوغ فكرة تعدد الأقطاب، حيث مالت هذه الدول نحو المعسكر
الشرقي، ففي الوقت الذي تم التضييق الاقتصادي على مصر وجرها لمنطقة الديون يصبح
الطريق نحو روسيا والصين والبريكس طريقًا مفروضًا وليس اختيارًا.
وهنا كان الخيار الثاني مرجحًا
بشكل اضطراري ومرحلي، وكان هذا سبب سُعار الأمريكان نحو التطبيع مع السعودية،
فبمجرد التطبيع كان سوف يتم توجيه ضربة على إيران في حوالي ١٢ أكتوبر لبعض المنشآت
النووية الإيرانية، إلا أن إيران استبقت الحدث بالتخطيط لغزو حماس لإسرائيل وتجهيز
جنوب لبنان، فكانت أول خطواتها دعم حماس في فلسطين.
وهنا كان تسرع الغرب حسب
تخطيطهم بنقل الصراع في المنطقة، وظنوا أن كل شيء جاهز ليستعيدوا حلفائهم في
المنطقة واستثارتهم ضد إيران.
وبالفعل بدأت الرحلات لوزراء
خارجية هذه الدول لتجهيز الحلفاء وتجيشهم ضد إيران، وتسرعت الإمارات في تصريحاتها
الداعمة لإيران بدون أن يزورها أحد، ولكن سرعان ما اكتشفوا أن مسافة السكة كانت
دعابة مصرية وأن الأردن هي الأخرى لم تعد قادرة على تقديم خدمات لإسرائيل وأن
السعودية تريد أن تغير سياستها تجاه إيران، فوجدوا أن أفضل المكاسب التي يمكن أن يحققوها
مرحليًا هي أن يجعلوا هذه الدول مؤيدة للتخلص من حماس.
والبعض من هه الدول يروا أن
هذا الأفضل لتقديمه للغرب وأن إسرائيل لا تستطيع القضاء على حماس والبعض الآخر
يتمنى القضاء عليها، ولكن في حقيقة الأمر حماس هي ضمانة لبقاء الصراع داخل إسرائيل
وعدم توغلها داخل دول التطبيع.
فإسرائيل لا يمكن أن تبقى بدون
توسع فنهايتها تبدأ بالتخلي عن حلم من النيل إلى الفرات، فهي لا دولة قامت بناء
كيانها من خلال هذه النبوءة، وهي في انتكاسة وزاد انتكاستها بتقزيم جيشها على يد
حماس، فهي في قرارة نفسها تتمنى مواجهة جيش نظامي لتنال منه لأنها يصعب عليها
مواجهة قوات مثل حماس.
القطب الواحد
يحارب حربه الأخيرة
القطب الواحد عندما أيقن أن
الحلف الشرقي هو من كان يسعى لتحقيق رغبة الغرب في نقل الصراع للمنطقة، وأن الشرق
أعد مسرح العمليات لتهديد التواجد الأمريكي في المنطقة وضرب مصالحها، فأصبح في
المقابل الغرب مسعورًا يدير المعركة إعلاميًا ويستهدف المدنيين العُزل فقط ويناور
لحين جمع تحالف دولي يدعم التخلص من الفلسطينيين.
فأصبح مواجهة إيران بدون
التخلص من القضية الفلسطينية لا سبيل لها، فإيران وتواجدها في شمال إسرائيل يرتكز
في أساسه على دعم فلسطين فماذا لو تم تفريغ فلسطين من الفلسطينيين.
وهنا ركز الإعلام الغربي كله
على أن مصر هي العائق دون نجاة المدنيين الفلسطينيين كبداية ثم التخلص من الضفة في
الأردن كخطة أساسية للغرب وإسرائيل.
ولكن هذه الخطة متعثرة بسبب
ميل هذه الدول نحو المعسكر الشرقي من جانب ومن جانب آخر التكلفة الاقتصادية التي
سوف يتملص منها الغرب في كل الأحوال وإن أبدى الاستعداد، فحرب أوكرانيا أهلكت معظم
موارده في دعم حرب تستنزفهم واستنزفت ترسانتهم الحربية.
لا تعدد أقطاب
مع وجود إسرائيل
يدرك المعسكر الشرقي أن خطة
الغرب في البقاء على قمة العالم هو وجود إسرائيل في المنطقة، وكما قال بايدن أن
إسرائيل ضرورة لو لم تكن موجودة لاخترعناها.
نعم هي ضرورة لبقاء القطب
الواحد، فشرق أوسط بدون إسرائيل يعني التحام شريط من الدول من المحيط إلى الخليج،
أي من إيران حتى المغرب وهذا يهدد وجود الدول الاستعمارية على قمة العالم التي سال
لعابهم بمشاهد القتل للفلسطينيين المدنيين العزل.
فإن القضية الآن أكبر من بعض
المتشدقين بأنهم أساس أمان المنطقة أو بعض الذين يعرضوا خدمات التفاوض من أجل
إسرائيل، فهم عاجزين عن رؤية الواقع الجديد.
إسرائيل تخلت
عن سياستها بأهمية أرواح الإسرائيليين
يريد نتنياهو تغيير هذه
السياسة من خلال التخلي عن الأسرى رغم الضغوط عليه في الداخل الإسرائيلي، والذي أصبح
يمقته أكثر من أي وقت مضى، ولكنه يرفض حتى استقبال مزيد من الحالات الإنسانية من
الأسرى، فلا يريد منهم أحد يقول شهاداته عن فترة أسره وما قبلها، بل يزج بقصص أن
لديه ابن أخ مخطوف من ضمن الأسرى.
نتنياهو يوقف
عمليات كثيرة على الحدود مع غزة وحزب الله
في ظل الحشد في الشمال
والجنوب وتحفيز الجنود المحتلين يقف نتنياهو حائلًا لبدء كثير من العمليات كونه
يعلم أنها ليس مجرد معركة مع حماس.
فكما قلنا أن هذه معركة في
أساسها ما بين عالم قطب أوحد وقطب متعدد الأقطاب.
النفير هو
السلاح الباقي لدى إسرائيل
فوزير الاتصالات الإسرائيلي الآن ومنذ بداية مواجهتهم للهزيمة من حماس كل
ما يفعله هو التوجيه والسيطرة على الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص،
وتجاوز فكرة تليفون السامسونج في إصدار التعليمات بما يقال على وجه التحديد بدون
الخروج عن النص المكتوب، وبالطبع السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتضييق
وغلق حسابات وغيرها من الأفعال التي يعايشها الجميع، إذن قطب واحد لم يعد يملك غير
النفير
علاقة عملية
خان يونس بعملية كريم أبو سالم وإصابة نقطة مراقبة مصرية
هناك رواية أخرى للحدث، أن في خان يونس تم إصابة دبابتين ميركافا، وتم نقل
إحداهما إلى كريم سالم لاتهام الجانب المصري بإصابتها لتبرير تأجيل عمل بري.
حيث كانت الدبابة مصابة في خان يونس، ولم يتم الإعلان عنها، وتم جرها إلى
كريم سالم، وقامت بضرب الداخل المصري حتى يتم الإعلان عن إصابتها وأن الرد جاء
نتيجة للتسلل وإصابتها انطلاقًا من داخل مصر.
ولكن من الواضح أن القيادات اختلفوا في استكمال السيناريو خوفًا من كشفه
وتحت ضغط أمريكي مما اضطرهم سرعة إعلان وقف عملية الاجتياح لغزة والاعتذار، بناء
على طلب أمريكي لأن خطة أمريكا تختلف عن ذلك، فتريد مصر في منطقة الحلفاء في
البداية لأنها تعد لحرب صليبية في المنطقة.
حرب صليبية قادمة:
أمريكا تبحث مع حلفاءها نقل الصراع لكامل منطقة الشرق الأوسط تحت شعار إما
معي وإما ضدي وعليك أن تختار، فهي تخطط لحرب صليبية قادمة بقيادة أمريكا تحت ستار
مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، ثم يتوسعوا من أجل بقاء إسرائيل.
أما مستقبل هذه الحرب فهو مستقبل مظلم، فكل المناورات السياسية التي ستقوم
بها أمريكا في الفترة القادمة سوف تخفي السكين خلف ظهرها، حتى تحشد أكبر كم ممكن
من القوات في المنطقة استعدادا لهذه الحرب، أما مصر فقد تبدو حليفة في البداية
ولكن بطبيعة الحال سوف يكون هناك تحولات كبيرة في المواقف والمصالح وصولًا لظهور
مرحلي لتحالف روسي ستضطر تركيا والسعودية ومصر والعراق وعدد من الدول الحليفة
لروسيا الانخراط في هذا الحلف، وقد يعرض هذا مصر لحصار عسكري لعدم استخدام أراضيها،
وربما تختلف لأول مرة مصر مع الغرب منذ زمن كامب ديفيد.
تعليقات
إرسال تعليق