عملية اجتياح غزة لمهاجمة حماس كهدف مُعلن من إسرائيل ليس بالأمر السهل، فهناك ثلاث عوامل رئيسية تُشكل معوقات لبدء الاجتياح البري الإسرائيلي، فرغم حشد ما يقرب من حوالي 300 ألف مقاتل واستجلاب أفراد من أمريكا اللاتينية وأنباء عن مرتزقة وافدين للداخل الإسرائيلي، لكن تبقى تلك الصعوبات هي سيد الموقف وهي كالتالي:
صعوبات تنفيذ الاجتياح البري لقطاع غزة
الصعوبة الأولى: هدف الاجتياح لم يتبلور بعد، فلم توضح حكومة الطوارئ الإسرائيلية حتى الآن الهدف من الحرب، فإذا تم وضع أفضل الخطط الحربية بدون تحديد هدف واضح سوف يكون في كل الأحوال فشل للعملية لعدم تحقيق أهداف معينة.
فلابد أن تكون الأهداف واضحة، فكل الأهداف الممكن وضعها يمكن أن ترتد وبال على إسرائيل، فالبعض يغالي في الأهداف، لدرجة الوصول لهدف التخلص من كل شعب غزة، وهل سوف تخفض هذه الأهداف الحمقاء إلى مستوى التخلص من الأنفاق أو أماكن صناعة صواريخ حماس، وهل يُرضي هذا اليمين المتطرف في الداخل الإسرائيلي؟!، فالأهم في أي حرب إعلان الأهداف المطلوب تحقيقها.
الصعوبة الثانية: إشكالية إمكانية تشكُل الجبهات الداخلية والخارجية، فحماس لن تواجه الجيش الإسرائيلي وحدها، فهناك احتمالات واضحة في دخول حزب الله من الشمال ليصبح هناك عدة جبهات رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت حاملتين للطائرات بالقرب من لبنان لمحاولة التصدي لحزب الله في حالة تحركه، بل يمكن أن يتطور الأمر وتنضم الجبهة السورية، حيث قامت إسرائيل بقصف مطار دمشق وحلب في استعداء واضح، وهناك جبهة الضفة الغربية مع فقد السلطة الفلسطينية هناك قبضتها مع الوقت ومع استمرار القصف في قطاع غزة، بل يمكن أيضًا أن يثير الاجتياح حفيظة ومشاعر عرب 48 في الداخل الإسرائيلي، وتصبح حرب أهلية داخل إسرائيل يصعب السيطرة عليها.
الصعوبة الثالثة: حيث طرحتها وجهة نظر في جريدة world politics review حيث جاء مقال بعنوان "مصر قد تصبح ضحية للحرب في غزة" وترى أن أخطر جبهة في حالة اقتحام إسرائيل لقطاع غزة هي مصر، وأن في حالة أن يكون الاجتياح دموي، فإن في هذه الحالة قد يتورط الجيش المصري في هذه الحرب مضطرًا، حيث يسيطر على الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة الدفع الدموي للقطاع تجاه مصر، وما يشكله من نقل صراع على الأراضي المصرية وما يشكله من تصدير الأزمة والصراع إلى الداخل المصري، مما يشكل انخراط للجيش المصري في العملية بشكل مباشر، تتضارب معه التكهنات حول الدور المفروض على الجيش المصري ضمن واقع الأحداث على الأرض، وسط اضطراب السياحة في سيناء واستقطاب للجماعات الإسلامية في سيناء، وسط ضغوط دولية عنيفة نحو فتح معبر رفح لتهجير الفلسطينيين.
فطوفان الأقصى كان بمثابة صدمة أخرى للنظام العالمي الضعيف والهش، ورغم استعادة إسرائيل بعض الأراضي التي اقتحمتها حماس، لكنها تشن غارات جوية على أهداف في غزة بكل أثارها الوحشية على المدنيين الفلسطينيون بشكل رئيسي، وعلى الرغم من أنه سبق التصعيد وتنفيذ غارات على المدنيين الفلسطينيين في الأعوام 2008 و2012 و2014 و2021 أدت إلى وقوع إصابات كثيرة بين المدنيين الفلسطينيين، ولكن المرجح أن يكون هذه الحرب تأثير عالمي أكثر دراماتيكية.
حيث أن في الساعات الأولى من طوفان الأقصى كان التعاطف الدولي وخصوصًا الغربي يميل اتجاه إسرائيل، فكان هناك تأييد واسع النطاق لهجوم بري عقابي على غزة حتى يتم سحق حماس، لكن مع مرور الوقت تم المناقشة حول رؤية نتانياهو للاجتياح الدموي كيميني متطرف يمثل حكومة يمينية متطرفة أيضًا، مما سبب استقطابا كبيرًا، ذلك كله في ظل قطاع أمني أيضًا مستقطب مما يؤثر على تماسك أجهزة المخابرات والجيش الإسرائيلي من حيث تقديراتهم للموقف على الأرض.
في المقابل سوف تحاول حماس النجاح في صد هذا الهجوم المحتمل، ومع استمرار هذه الأزمة وتأجيل الاجتياح البري واستمرار القصف الإسرائيلي، يشتغل الشعور المضاد ضد إسرائيل وخصوصًا شعوب المنطقة، الذين يزداد استياءهم يوم بعد يوم ويزداد تكوين وعي جمعي بالأزمة.
الدور الإيراني في الحرب وكيف تواجهه أمريكا:
ومن جانب آخر قامت الإدارة الأمريكية بإلغاء الصفقة الأمريكية الإيرانية والتي كانت تنص على الإفراج عن 6 مليار دولار أموال إيرانية لدى الجانب الكوري الجنوبي بتحويلها إلى قطر للإشراف على صرفها على احتياجات إيران من الأغذية والاحتياجات الضرورية، مقابل الإفراج عن 5 أشخاص لديهم جنسية مزدوجة إيرانية أمريكية، وقد سبق منع إيران من تصدير الطاقة الخام كعقوبة أمريكية، إلا أن أمريكا تتغاضى عن تهريب إيران للطاقة الخام من أجل ضبط أسعار سوق الطاقة في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية.
ورغم كل إجراءات أمريكا تجاه إيران إلا أنها لم تشر حتى الآن بتورط إيران في هذه الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، ورغم كل النتائج السلبية المحتملة التي قد تحدث تجاه إيران إلا أن هناك نتائج إيجابية لإيران، كمثال ولي العهد السعودي يجري اتصال مع الرئيس الإيراني بعد عملية طوفان الأقصى المنسوبة لإيران، وكان الاتصال حول الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة بحيث يمكن أن تتراجع إسرائيل عن الاجتياح الشامل لقطاع غزة، وهو ذاته السعي الأمريكي من خلال رحلة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الذي أعلن من داخل إسرائيل أنه لم يأتي إلى إسرائيل بصفته الرسمية ولكن جاءها كيهودي، ولكن في حقيقة الأمر أيضًا بلينكن موجود في إسرائيل لتأجيل الاجتياح البري قدر الإمكان رغم إعلان نتانياهو الحرب فور تشكيل حكومة الطوارئ أمام الكنيست الإسرائيلي، وكان دمويًا في كلماته، فأكبر خاسر في هذه الحرب نتانياهو في الداخل الإسرائيلي، فرقبته على المقصلة أمام حزبه والإسرائيليين بالداخل.
السبب الحقيقي وراء عملية طوفان الأقصى:
قامت حماس بهذه العملية بسبب محاولة إسرائيل استباحة الأقصى بتجهيز أربع بقرات حُمر في أغسطس 2023 لذبحهم لبداية إعلان هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، فطبقًا لاعتقاداتهم اليهودية ليس التحدي هو الحصول على بقرة حمراء ولكن التحدي هو تربية عجلة حمراء متكاملة حسب المطالب "التناخية" الدقيقة لديهم على أرض إسرائيل، فالبقرة الحمراء لديهم وحسب زعمهم تحقق السلام العالمي، فهي عقيدة تشغلهم منذ آلاف السنوات، ويجب أن تكون البقرة حمراء من كف القدم وحتى الرأس، والبقرة الحمراء حسب عقيدتهم تُطَهر وعندما يتم ذبحها الدم يطهرهم، وهذا حسب معتقدهم ما يفصل بين ملايين اليهود وبين اقتحام المسجد الأقصى، وأن هناك خمس أمور ضرورية من أجل تطبيق طقوس البقرة الحمراء، (البقرة الحمراء - الكهانية - فرع نبات الزعتر - وشجرة الزيتون - الدودة الثانية)، هذا حسب ما جاء في فيلم تلفزيوني على القناة 12 الإسرائيلية، يشرح معتقداتهم تلك تبشيرًا بقرب التنفيذ.
الخاتمة:
النية المتجهة نحو التطهير العرقي والتهجير القصري للشعب الفلسطيني من غزة هي عملية توسعية يقف وراءها ضغوط غربية على مصر، وقد أغرقت إسرائيل القطاع بمنشورات لدفعهم نحو الداخل المصري، مما يساهم مع الوقت من توريط للجيش المصري، بل إمكانية اشتعال حرب دينية في المنطقة، حيث أصبحت النبرة حول إما أن تقبل مصر التواجد الغزاوي في سيناء أو قبول حرب إبادة للقطاع، هما الخياران المطروحان، وفي ظل تلك الضغوط والتطورات سوف نتابع الأحداث التي ترتفع وتيرتها من ساعة إلى أخرى.
تعليقات
إرسال تعليق