قال تعالى :
{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) } (سورة النمل 88)
نحن هنا أمام معاني ودلالات خاصة بصنع الجبال والسحاب وتشابه مراحل تصنيعهم ويجب أن نعلم أنه لا يوجد كلمة لها معنى بكلمة أخرى .. فلكل كلمة معناها ودلالاتها وخصائصها وحركتها .. فكيف يكون صنع الجبال كصنع السحاب وهذا ما سوف نكتشفه في محاولة فهمنا للآية :
أولاً : كيف نتدبر الآيات :
كي نتدبر الآيات التي لا يعلم تأويلها إلا الله .. فيجب أولاً أن نعي ما يلي :
- أن القول القرآني يحتوي على المعنى المطلق للأشياء وليس المعنى الدارج بين ألسنتنا في علمنا المحدود
- المعنى الدنيوي المحدود هو عبارة عن صورة أو جانب جزئي من المعنى المطلق
- تسمية الأشياء الدنيوية هي عبارة عن خاصية غالبة على الشيء فيها جانب من معنى مطلق في عالم الأمر وكل حرف في الكلمة له مدلول ومعنى .. وحروف الكلمة تحدد حركتها
- لا يمكن إخضاع القرآن إلى اللغة بل يجب إخضاع اللغة إلى القرآن
- أن الآيات القرآنية لها خط بياني يمكن من خلاله الإستدلال على المعاني التي يحتويها قول الله ولا يمكن أن تكون المعاني مشتتة ومتباينة فلابد أن يكون فيما بينها علاقة جوهرية أو تدرج واضح
- يمكن الاستعانة بآية واضحة كمركز للآيات يمكن الإستدلال بها عن الخط البياني للآيات
- القرآن يجود بتأويلاته عبر الزمن ومع تقدم علم الإنسان ولا يمكن بلوغ نهاية تأويله ويجب التحرر من التراث كي ترى ما يجود به القرآن علينا
- هناك تأويلات تجنح للهوى وأخرى تجنح للهدى
- القرآن يتم تأويله بالقرآن
- معنى ودلالة الحروف نتعلمها من القرآن
ثانياً : الجبال :
مفردها جبل .. فهي جامعة لمكونات جسم متفرقة ليصير واحداً لتكون في أشد حالاتها جلاء وكمال في حيز وأبعاد وكينونة دون اختلاط بغيره .. فيصبح شيء ظاهراً عن محيطه اليابسة المسطحة ونقيض لها .. متلاحماً متواصلاً بنسيج له حركة وساحة ومجال وأمور وأحوال وأشياء انتقل هذا النسيج في مراحل تكوين من خلال عالم الأمر إلى عالم الخلق من خلال هذا النسيج الدنيوي
خصائص (الجبل) :
- الجبل : جامع به مكونات مختلفة
- الجبل : يجمع مكوناته في كيان واحد
- الجبل : أشد حالات الظهور على اليابسة التي تحيط به
- الجبل : تكوينه مر على مراحل لتكوين نسيجه الدنيوي
ثالثاً : جامدة :
جاءت كلمة جامدة مرة واحدة فقط بالقرآن في هذه الآية.. ومصدرها (جمد) ودلالات حروف مصدرها ومعانيها وحسب سياق الكلمة وأنها تتكلم عن الجبال .. فحسب إدراكنا الدنيوي المحدود فنراها .. جامعة لمكونات جسم متفرقة من مواد متعددة صار واحداً ليكون الجبل في أشد حالاته جلاء وكمال في حيز وأبعاد وكينونة دون إختلاط بغيره .. ففية تم جمع وتداخل أشياءه ومكوناته في قالب واحد فيكون له مقام في مكان محل وجود الجبل .. ويكون جموده وتكوينه وهيئته هذا بقصد ودليل وبرهان إلهي لأبعد مدى
خصائص (الجماد) :
- الجماد : جامع لمواده وأجزاءه في كيان واحد
- الجماد : يحتفظ كيانه في أبعاد ثابتة
- الجماد : لا يمكن أن يختلط بغيره
رابعاً : تمر مر :
ومصدرها (مرر) ودلالات حروف مصدرها ومعانيها وحسب سياق الكلمة وأنها تتكلم عن السحاب .. فهي عبارة عن عملية جمع وتداخل أشياءه ومكوناته في قالب واحد هو السحاب فيكون له مقام في مكان محل وجوده .. من خلال انضمام أو اقتراب أو اقتران بخار الماء مع كميات أخرى من بخار الماء كل مرة ليحقق زيادة و خروج السحاب من خلال أصل وهو الماء
خامساً : السحاب :
ومصدرها (سحب) ومن خلال دلالات حروف مصدرها ومعانيها حيث أننا نتكلم في كيفية صنع الله تعالى لهذا السحاب .. حيث يتم بلوغ مركز وعمق جزيء الماء ويتم السيطرة عليه سيطرة تامة للتمكن من الانتقال من ساحته الأولى وهو سطح الماء سواء كان هذا السطح في بحار أو محيطات أو غيرها إلى موضع آخر فوق هذا السطح تمهيداً للانتقال إلى مواضع أخرى فيتحول من حالته السائلة إلى حالته الغازية (بخار ماء) ..
من خلال علم وأمر إلهي محيط أوجد قواعد بلوغ هذه المركزية من جزيئات الماء .. فيظهر بخار الماء محملاً على الهواء خارجاً عن محيطه الأصلي منتقلاً من شيء لنقيضه من الحالة السائلة للحالة الغازية
من خلال علم وأمر إلهي محيط أوجد قواعد بلوغ هذه المركزية من جزيئات الماء .. فيظهر بخار الماء محملاً على الهواء خارجاً عن محيطه الأصلي منتقلاً من شيء لنقيضه من الحالة السائلة للحالة الغازية
إذاً :
مر السحاب : عملية جمع مكوناته على مراحلمر السحاب : هي مراحل تؤدي إلى زيادة حجم السحابفهل الجبل يخضع لهذه لمراحل مشابهة في التكوين ؟!!!!!!!!!!!!
سادساً : معاني ودلالات كلمة (صنع) من خلال حروف الكلمة :
الصنع هو تغيير في مركزية المركزية وعمق العمق ولب الشيء أو الأشياء أو الأمور أو الأحوال ولا يمكن إحداث هذا التغيير إلا من خلال أوامر إلهية تم وضعها في الشيء أو الأشياء والأمور والأحوال محل التغيير من خلال لجوء ورجاء لهذا الأمر الإلهي واستحضار ذهن وفكر الصانع طالباً المعونة الأمرية الإلهية فيقوم بتغيير الشيء أو الأشياء أوو الأمور أو الأحوال .. فينتج شيئاً جديداً نسبة من كل موصول به من أشياء نقي بلا إختلاط من متنافراً مع الحالة الأولى للأشياء المصنوع منها ليستقر هذا المنتج متفرداً بذاته فيقضي على كل ما يختلط به من أشياء وأمور وأحوال .. فيقوم بواجباته من غير حاجة لغيره .. وهذا يحتاج أن يتم من خلال علم كان خفياً من قبل ولم يكن يراه أحد من قبل مدركاً عمقاً خفياً لم يكن بالغه وبناء على كشف ما هو خفي سوف يتغير حالة الصانع حيال ما اكتشفه من علم فإما يكون ناظراً يرد العلم لذاته وإما مبصراً يرد العلم لله شاكراً حامداً متأملاً إحكام خلق الله
خصائص (الصنع) :
- الصنع : تغيير في مركزية المركزية وعمق العمق ولب الشيء أو الأشياء أو الأمور أو الأحوال
- الصنع : يحتاج أن يكمن في الشيء والأشياء أو الأمور أو الأحوال أوامر إلهية تُمكِن من هذا التغيير
- الصنع : يحتاج لجوء ورجاء من خلال استحضار الذهن والفكر
- الصنع : يأتي نتيجة معونة أمرية إلهية مقدراً لها الكشف في زمان ومكان معين ضمن ترتيب حركة الخلق وأقواتهم
- الصنع : ينتج شيئاً جديداً من خلال خلط لمواد وأمور وأحوال خلقها الله لنا
- الصنع : ينتج شيئاً عبارة عن نسبة من كل موصول به من مواد الخلق
- الصنع : ينتج شيء نقي عن مواد تصنعه قاضياً على حالتهم الأولى متنافراً معهم
- الصنع : ينتج ما يقوم بواجباته متفرداً عن مواد صنعه
- الصنع : يحتاج إلى علم كان خفياً قبل أول تصنيع لهذا المنتج
- الصنع : يفتن الشخص الصانع فربما يكون ناظراً لما صنعه مفتوناً بنفسه راداً لنفسه قدرة صنعه كافراً بمن وضع أوامره في مادة خلقه ورازقه هذا العلم الخفي
- الصنع : يفتن الشخص الصانع فربما يكون مبصراً لما صنعه شاكراً لربه راداً لله قدرة صنعه مؤمناً بمن وضع أوامره في مادة خلقه ورازقه هذا العلم الخفي
سابعاً : ملخص :
أنك ترى الجبال وتظن على حسب علمك الدنيوي المحدود ورؤيتك المحدودة أن الجبل تم خلقه منذ البداية على هيئته الحالية يجمع فيه مكونات جسم متعددة في كيان واحد صلب في حيز ثابت وأبعاد ثابتة ظاهراً عن محيطه اليابسة المسطحة ونقيض لها .. متلاحماً متواصلاً بنسيجه .. في حين أنها نتاج عملية جمع وتداخل أشياءه ومكونات ومواد في قالب واحد فيتكون ليصبح له مقام في مكان محل وجوده من خلال انضمام أو اقتراب أو اقتران مواد مع مواد أخرى كل مرة ليحقق زيادة لمكونات الجبل من خلال مواد الأرض .. فهي حين تكوينها وصنعها تمر بذات المراحل الشبيهة بتكوين السحاب من حيث تراكم مواد متعددة لتزيد حجماً صعوداً من أصل من باطن الأرض من براكين عبر أزمنة طويلة جعلتها على هيئتها الحالية في زيادة أدت إلى ما تراه .. بل يمكن أن تعاصر تكوينها في مناطق عدة من العالم وتمر بمراحل هي ذاتها هي مراحل تكوين الجبال على وجه العموم ونهايتها أيضاً كما هي نهاية السحاب حيث قال تعالى :
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) } (سورة الكهف 47){ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) } (سورة طه 105 - 107)
{ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) } (سورة الطور 10)
{ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) } (سورة الواقعة 5)
{ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) } (سورة الحاقة 14)
{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) } (سورة المعارج 9)
{ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) } (سورة المزمل 14)
{ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) } (سورة المرسلات 10)
{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) } (سورة النبأ 20)
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) } (سورة التكوير 3)
{ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) } (سورة القارعة 5)
حيث أن الله أحكم صنعها كما أحكم صنع السحاب بمرورهم بمراحل صنعهم من مواد خلق الله في إتقان لا نهاية له لخدمة الإنسان على الأرض من خلال سحاباً ينقل به الماء لبلدٍ ميتا وجبال تحفظ إستقرار الأرض وتكون أوتاداً لها تصدر طاقة إيجابية بتسبيحها وتمتص الطاقة السلبية الصادرة من فساد الناس على هذه الأرض فهي نعمة من ضمن نعم الله تعالى الكثيرة على الإنسان
فالسحاب الذي هو عبارة عن كتل هوائية من الغلاف الغازي للأرض محمولة على شكل قطع تحركها تيارات الرياح الناتجة عن الفارق في الضغط والكثافة بين مستويات جو الأرض الغازية وفي الجانب الآخر فإن الجبال هي كتل من الغلاف الصخري للأرض محمولة على قطع متجاورات تحركها تيارات الحمل الحراري الناتجة عن فارق الضغط والكثافة بين مستويات باطن الأرض التي تمور هذا من حيث التشابه من حيث الشكل ..
أما عن حركة التكوين فالسحاب يبدأ سيره من أسفل إلى أعلى في حركه عمودية نتيجة تبخر مياه المسطحات المائية صاعدة في شكل كتل هوائية دافئة إلى الأجواء الباردة ثم تتحرك أفقياً بعد تضائل كثافتها إلى أن تصل رطوبتها إلى درجة التشبع فتنتهي مطرًا .. فكذلك الجبال تبدأ نشأتها من حركة من أسفل إلى أعلى بحركة عمودية ناتجة عن مور باطن الأرض حيث تصعد صهارة باطن الأرض وتحرك قطع سطح الأرض فينجم عن ذلك إما التواء طبقات القشرة الأرضية تحت وقع الضغوط الجانبية وارتفاع جزئها الأعلى فتتكون الجبال البنيوية وإما تدفق صهارة باطن الأرض التي تطفو على سطح الأرض بعدما تبرد وتشكل نتوءات مرتفعة وهي الجبال البركانية.. ثم تتحرك كل من هذه الجبال أفقيا مع الصفائح التي تُقلها إلى أن تنتهي بالانصهار في باطن الأرض أو بالتعرية على سطحها
فالصعود المستمر لصهارة باطن الأرض وبين إلقائها على السطح ثم امتدادها اللامحدود .. هي أساس تسطيح الأرض من جانب ثم إرساء الجبال بعد ذلك والجبال كلما زاد ارتفاعها عن الحد لابد أن تأتي عليها عوامل التعرية بالنقصان ويندس في الجهة المقابلة الجزء الطرفي الذي يوجد في باطن الأرض ينتهي عمره فينصهر وتهضمه باطن الأرض الطرف المنضوي وهو المنتهي عمره في عمق الأرض المنصهر ويذوب
تعليقات
إرسال تعليق