الجزء الثاني: "الارتداد الكبير: أثر الحرب النفطية على العالم العربي والأسواق العالمية"
بينما تشتعل خطوط الملاحة، ويتصاعد سعر برميل النفط نحو أفق جنوني، تتسابق الدول في سباق غير متكافئ على البقاء. العالم العربي، تحديدًا، يقف في مرمى النيران المباشرة وغير المباشرة، وسط حرب لا قرار له فيها، لكنه سيدفع ثمنها اقتصاديًا وشعبيًا بكل تأكيد.
أولًا: الخليج... بين الفرح المؤقت والانفجار المؤجل
قد يبدو في ظاهر الأمر أن دول الخليج النفطية (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر) ستربح من تضاعف أسعار النفط، إذ ستتدفق المليارات إلى خزائنها بفضل ارتفاع العوائد. لكن هذا المكسب سيكون قصير الأجل ومسمومًا.
فالإغلاق المتوقع لمضيق هرمز سيعطل أيضًا صادرات هذه الدول نفسها، وسيهدد أمنها البحري، وسينقل المعارك إلى مياهها الإقليمية. كما أن أي رد أمريكي مباشر أو غير مباشر من أراضيها سيجعلها طرفًا في الحرب، ما قد يؤدي إلى استهداف منشآتها النفطية الحيوية.
ثانيًا: مصر ودول شمال إفريقيا... الفاتورة الثقيلة
مصر، المغرب، الجزائر، تونس والأردن كلها دول مستوردة للطاقة بدرجات متفاوتة. ومع اقتراب برميل النفط من 280 دولارًا، سيتضاعف العجز التجاري، وترتفع تكلفة الدعم، وتنهار قيمة العملات المحلية تدريجيًا أمام الدولار. هذا سيؤدي إلى موجات تضخم غير مسبوقة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقل والطاقة، بما لا يحتمله المواطن البسيط.
وقد تشهد هذه الدول احتجاجات اجتماعية، وربما اضطرابات داخلية، تمامًا كما حدث مع ثورات "الخبز" والطاقة في العقود الماضية. فالشارع لا يفهم السياسات العالمية، لكنه يشعر فورًا بغلاء العيش.
ثالثًا: الأسواق العالمية... دوامة لا ترحم
عالميًا، سيدخل الاقتصاد في نفق ركودي تضخمي حاد:
-
أوروبا ستُجبر على تقنين الطاقة من جديد، وسيرتفع سعر الغاز والكهرباء، وسينهار الإنتاج الصناعي تدريجيًا.
-
الولايات المتحدة، وإن كانت المستفيدة الأكبر، ستواجه بدورها تباطؤًا في الطلب العالمي على صادراتها غير النفطية، واضطرابات في أسواق الأسهم، وفوضى في سلاسل الإمداد.
-
الأسواق الناشئة، خصوصًا في آسيا وأفريقيا، ستغرق في ديون جديدة بسبب ارتفاع أسعار الاستيراد والفوائد، ما قد يعيدنا إلى أزمات شبيهة بأزمة آسيا 1997 أو أزمة أمريكا اللاتينية.
هل تقف الصين مكتوفة اليدين؟
بالطبع لا. الصين ستتحرك على جبهتين:
-
التسريع من التحول للطاقة البديلة، ولو اضطرها إلى تضحيات اقتصادية داخلية مؤقتة.
-
فتح خطوط توريد جديدة عبر روسيا وإيران وحتى القطب الشمالي، أو استخدام مخزونها الاستراتيجي للنفط مؤقتًا لتجنب الانهيار.
لكن هذا لن يمنع الضربة، بل قد يؤخر آثارها فقط.
الخلاصة: من يحكم البرميل يحكم العالم
في هذا العالم المعولم، لم تعد الحروب تُخاض بالسلاح فقط، بل بالأرقام، والطاقة، وسعر البرميل. وأمريكا، التي تدرك ضعف خصومها أمام شح الطاقة، تدفعهم إلى مواجهة كبرى بأداة بسيطة لكنها فعالة: تجفيف السوق من البترول.
لكن هذه المعركة، مهما طالت، لن تمر دون كسر كثيرين. فهل تكون هذه الحرب النفطية "لحظة الحقيقة" التي يعاد فيها رسم خارطة النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي بالكامل؟ أم ستكون مجرد حلقة جديدة من سلسلة الانهيارات الكبرى التي يعيشها العالم منذ 2020؟
تعليقات
إرسال تعليق