القائمة الرئيسية

الصفحات

البرميل المشتعل: : الجزء الرابع والأخير: العالم بعد العاصفة: هل ينتصر الذكاء على الوقود؟

 


الجزء الرابع والأخير: "العالم بعد العاصفة: هل ينتصر الذكاء على الوقود؟"


بعد أن تهدأ المدافع، وتتراجع جيوش النفط خلف الستار، ويبدأ العالم في لملمة بقايا اقتصاده ونظامه، تبرز تساؤلات أكثر حدة من دوي الحرب نفسها:
هل انتهى عصر الطاقة التقليدية؟
هل تُولد من رحم الكارثة فرصة لبناء نظام عالمي أكثر عدلًا؟
وهل ستكون التكنولوجيا هي المنتصر الأخير حين تسكت البراميل؟

أولًا: السيناريو الإيجابي – "فرصة للسلام من رحم الفوضى"

في أعقاب كل حرب كبرى، تنشأ لحظة هشّة لكنها ثمينة تُسمى: "الفرصة السياسية الذهبية". وفي هذا السيناريو، يستغل المجتمع الدولي شدة الصدمة النفطية، لفرض تسويات شاملة بدلًا من الاكتفاء بتهدئة مؤقتة.

  • تسوية كبرى في الشرق الأوسط: بوساطة صينية أو أوروبية هذه المرة، قد يتم فرض معاهدة جديدة للأمن الإقليمي تشمل الملف النووي الإيراني، الاعتراف المتبادل، وضمان حرية الملاحة في الخليج مقابل تقليص القواعد الأجنبية.

  • تحول في سياسة العقوبات: مع ثقل الخسائر التي تعرضت لها كل الأطراف، قد تضطر واشنطن وحلفاؤها لإعادة التفكير في سياسة العقوبات الشاملة، والاتجاه نحو مفاوضات واقعية تستوعب الصين وروسيا بدلًا من مواجهتهما.

  • نهضة إنسانية اقتصادية: عبر برامج دولية كبرى لإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالطاقة أو الحرب، على شاكلة "مارشال جديد" موجه لدول الشرق الأوسط وآسيا، تموله البنوك الكبرى مقابل ضمان استقرار الأسواق العالمية.

ثانيًا: السيناريو السلبي – "توازن رعب جديد"

إذا لم تُستثمر لحظة ما بعد الحرب، فالعالم سيغرق في نسخة مطوّرة من الحرب الباردة:

  • انقسام اقتصادي عالمي: نصف العالم يتعامل بالدولار والبنية الغربية، والنصف الآخر ببنية شرقية جديدة (عملة بريكس؟ – نظام سويفت بديل؟).

  • صراعات بالوكالة: الشرق الأوسط، إفريقيا، وجنوب آسيا ستتحول إلى ميادين تصفية حسابات، تمامًا كما كانت في الستينات والثمانينات، حيث تدفع الشعوب ثمن صراع الكبار.

  • أزمات غذاء وطاقة متكررة: في ظل الانقسام الجيوسياسي، يصعب تنسيق الإنتاج والتوزيع، ما يعني أزمات دورية في الغذاء، المياه، الطاقة، وربما هجرات كبرى تهدد استقرار دول بأكملها.

ثالثًا: التكنولوجيا... الحصان الأسود

في كلا السيناريوهين، هناك قاسم مشترك قد يقلب الموازين لصالح من يدركه أولًا: التكنولوجيا.

  • الذكاء الاصطناعي والاقتصاد اللامركزي: من يسيطر على أدوات تحليل الأسواق، سلاسل الإمداد، والتحكم في الطلب العالمي عبر الذكاء الاصطناعي، سيكون القوة الاقتصادية القادمة. وهنا تتفوق أمريكا حاليًا، لكن الصين تتقدم بسرعة مذهلة.

  • التحول إلى الطاقة البديلة: مع وصول برميل النفط إلى 280 دولار، الطاقة الشمسية والهيدروجينية تصبح فجأة أرخص وأكثر جاذبية. وهنا تُولد طفرة في تمويل الطاقة النظيفة، ومشاريع تخزين الكهرباء، وسيارات الكهرباء، مما قد يؤدي إلى نهاية هيمنة النفط خلال 10 سنوات فقط.

  • العملة الرقمية السيادية: الصين وروسيا تخططان لإطلاق عملات رقمية وطنية تقطع الطريق على الدولار في التجارة العالمية. وإذا نجحت، فإن هيمنة العملة الأمريكية على التجارة العالمية ستكون مهددة لأول مرة منذ عقود.

  • إعلان بزوغ الدولة العالمية الجديدة وسيادة النظام الرقمي






الخلاصة: العالم عند مفترق طرق

الحرب المقبلة، إن اندلعت، لن تكون فقط اشتباكًا في مضيق أو انفجارًا في منشأة. بل ستكون حدثًا مفصليًا يعيد تشكيل نظام العالم، يطيح بقوى، ويصعد بأخرى، ويحرّر عقولًا من أسر البترول، ويكسر نمطًا عمره مئة عام.

سنرى ولادة نظام عالمي لا تحكمه فقط القواعد السياسية القديمة، بل الخوارزميات، والتكنولوجيا، والقدرة على التكيّف. أما من يصر على التمسك بـ"برميل النفط"، فربما يُدفن معه في رمال الخليج الساخنة، وبداية الرقيم واستعباد شعوب العالم بطريقة جديدة.

تعليقات