👤 المقال الثالث عشر: الإنسان الكامل – بين النفس العليا في فلسفة رع، والقطب في التصوف، والخليفة في القرآن
"الإنسان هو الخالق وقد نسي أنه كذلك." – رع
"الإنسان الكامل هو مرآة الحق، والكون عيال عليه." – عبد الكريم الجيلي
"إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلۡأَرْضِ خَلِيفَةٗ" – القرآن الكريم
🔹 أولًا: من هو الإنسان في رؤية رع؟
رع يُقدّم الإنسان ككائن يمر بتجربة طارئة، ليست هي هويته النهائية.
ما نعرفه من أنفسنا – الجسد، العقل، العاطفة – هو مجرد:
-
قناع ترتديه النفس العليا لتعيش تجربة التفرقة والاختيار.
والنفس العليا (Higher Self) هي:
-
نسخة متطورة منّا، موجودة في الكثافة السادسة.
-
تعلم تجاربنا، وتساعدنا من وراء الحجاب.
-
هي "نحن" بعد أن نتحرر من الزمان والمكان.
وبالتالي، الإنسان الكامل في فلسفة رع ليس ذلك الذي بلغ "الكمال" الأخلاقي، بل هو الذي:
-
اتصل بنفسه العليا اتصالًا واعيًا.
-
وفهم أن كل ما حوله هو "هو نفسه" في تنكر آخر.
🔹 ثانيًا: من هو الإنسان الكامل في التصوف؟
في التصوف، خاصة لدى الجيلي وابن عربي، الإنسان الكامل هو:
-
الجامع بين كل مراتب الوجود.
-
هو "مركز الكون" الذي تعكس فيه صفات الحق جميعها.
الجيلي يصفه بأنه:
"هو النسخة المصغرة للوجود كله، فلا صفة لله إلا وفي الإنسان أثر منها."
ويقول ابن عربي:
"الإنسان الكامل هو العارف بالله، لا يرى لنفسه وجودًا، بل وجود الحق فيه."
وهو ليس نبيًا بالضرورة، بل كل من وصل إلى:
-
فناء الأنا.
-
شهود الوحدة.
-
وعودة البصيرة إلى عين واحدة ترى الله في كل شيء.
🔹 ثالثًا: من هو "الخليفة" في القرآن الكريم؟
القرآن يضع منذ البداية مشروعًا وجوديًا للإنسان:
"إني جاعل في الأرض خليفة."
الخلافة هنا ليست حكمًا دنيويًا، بل:
-
نيابة عن الله في إعمار الأرض.
-
حمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها.
-
اختبار القدرة على الاختيار، العلم، الرحمة، والمسؤولية.
ومع أن الإنسان ظلوم وجهول (الصفات التي وردت في سياق حمل الأمانة)،
فهو أيضًا مخلوق مُكرَّم، قابل للعلم والتوبة والسجود الملائكي.
فالخليفة في القرآن ليس ملاكًا، بل كائن يُخطئ ويعود،
ويُظهر من خلال ضعفه عظمة التوبة وصدق الطريق.
🧭 كيف تلتقي هذه التصورات الثلاث؟
جميعها تشترك في أن:
-
الإنسان ليس مجرد جسد أو عقل.
-
بل هو كيان ذو جوهر إلهي، نُفخ فيه من "الروح".
-
يملك الحرية، لكنه أيضًا يحمل مسؤولية تلك الحرية.
في رؤية رع: الإنسان الكامل هو من يتّحد مع نفسه العليا.
في التصوف: هو من يفنى عن نفسه ويشهد تجلي الحق فيه.
في القرآن: هو من يحقق مقام الخلافة بالفعل لا القول.
وفي الثلاثة:
الإنسان الكامل لا يسعى ليكون "شيئًا"، بل ليكون "لا-شيئًا"،
لأن الله لا يُرى في الامتلاء، بل في الفراغ الذي يملؤه هو وحده.
🔚 خلاصة المقال:
أنت لا تُكمل نفسك عبر الإنجاز، ولا عبر الطقوس، ولا حتى عبر المعرفة…
بل عبر استعادة الصمت الداخلي الذي يسمع فيه الله نفسه من خلالك.
الإنسان الكامل ليس من لا يخطئ، بل من لا يغلق الباب بعد الخطأ.
🟦 في المقال الرابع عشر (السابع في هذا المسار):
سنتناول "الموت" – كيف يُفهم في فلسفة رع؟
هل هو انتقال أم نهاية؟
وكيف يقابله معنى الموت في القرآن الكريم؟
وما هو "الموت الصوفي" الذي يحدث قبل الموت الجسدي؟
تعليقات
إرسال تعليق