كامل عشري يكتب : هل هناك تناقض بين إفراد المشرق والمغرب وتثنيتهما وجمعهما في القرآن ؟!!!
من ضمن الشبهات التي يدفع بها من أرادوا أن يثبتوا بشرية القرآن هو ورود المشرق والمغرب بالإفراد والتثنية والجمع كما يلي :
- الإفراد : المشرق والمغرب
- التثنية : المشرقين والمغربين
- الجمع : المشارق والمغارب
وقد رأى البعض أن وجه إبطال الشبهة في محاولة تصنيف المخاطب من حيث مستوياتهم العلمية حيث قالوا :
- صيغة الإفراد : خطاب للناس كافة
- صيغة التثنية : خطاب لمن له حظ من الثقافة
- صيغة الجمع : خطاب للعالم بقوانين الفلك وشكل الأرض
ومن العجيب أن يسلكوا هذا المسلك رغم أن القرآن وألفاظه يحملون العلم المطلق لذلك سوف نهجر ما قالوا .. ففي الإفراد معنى ودلالة وفي التثنية معنى ودلالة وفي الجمع معنى ودلالة
فالمشرق من خلال دلالة ومعنى الحروف :
جمع وضم وتداخل بين حركة الشمس وحركة الأرض وما بينهما ووضعها في قالب واحد بضم هذا المقام والمكان والميقات ومحل الأمر فيما يسمى (إتجاه الحركة) .. ينتج عنها صورة أخرى من أصل (الغروب) ويسمح من خلالها أن يوجد تأثيراً جديداً وهو ظهور ضوء وحرارة من خلال شمس بعيدة عن الأرض .. فيتم ربط حياة الإنسان والمخلوقات على الأرض والتحكم في حركتهم وبين أطرافها بتلك الشمس وتأثيرها في حياتهم على تلك الأرض حتى ولو بدون اتصال مباشر بتلك الشمس بالحس والبصيرة .. فبخروج الضوء والحرارة من الشمس وإندماجهم مع أجواء الأرض فيتحولا المندمجان لحالة آخري لا يمكن الرجوع إلى الحالة الأولى التي تسبق الشروق بحيث تزول آثار حالة الغروب نهائياً فلا يبقى لها أثر وتنمو من داخل الغروب حالة جديدة مختلفة كل الاختلاف عنها فلا يمكن أن تعود لحالتها السابقة كما كانت وهذا التحول يعتمد في سرعة وقوة كلمة حرف القاف (الشروق)
والمغرب من خلال دلالة ومعنى الحروف :
جمع وضم وتداخل بين حركة الشمس وحركة الأرض وما بينهما ووضعها في قالب واحد بضم هذا المقام والمكان والميقات ومحل الأمر فيما يسمى (إتجاه الحركة) .. فلا يتم كشف الشمس فتكون محجوبة غير مُدرَكة فيأتي (الليل) غالب غريب غني عن محيط آخر (النهار) .. فيتم ربط حياة الإنسان والمخلوقات على الأرض والتحكم فيها وبين أطرافها بتلك الحالة الجديدة وتأثيرها في حياتهم على تلك الأرض حتى ولو بدون اتصال مباشر بالحس والبصيرة .. فننتقل من خلال اتجاه الحركة من النهار لنقيضه الليل ومن الشروق إلى الغروب ومن الحركة إلى السكون .. فيظهر كل نقيض على أصل الشيء من داخله خارجاً عن محيطه ظاهراً عليه .. فيظهر (السكون من وعلى الحركة والغروب من وعلى الشروق والليل من وعلى النهار والظلام من وعلى الضوء)
وفيما يلي توضيح الفرق بين إفراد المشرق والمغرب وتثنيتهما وجمعهما
أولاً : مشرق واحد ومغرب واحد :
قال تعالى :
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } (سورة البقرة 115){ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) } (سورة البقرة 142){ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } (سورة البقرة 177){ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) } (سورة البقرة 258){ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) } (سورة الشعراء 28){ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) } (سورة المزمل 9)
فالمشرق والمغرب بالنسبة للإنسان ينشئان عن علاقة بين حركة الأرض وحركة الشمس فهما يعبران إتجاه تلك الحركة الغالبة من حيث الميل إلى الشروق أو على الغروب فيسمى هذا الاتجاه إما بالمشرق أو بالمغرب أما عند غياب الشمس بالنسبة لشخص ما في مكان ما على الأرض .. فهذا الموضع على الأرض يكون موضع غروبها بالنسبة لهذا الشخص خلال زمن ممتد له بداية ونهاية .. ينتهي بشروقها .. وكذلك يكون الشروق له زمن ممتد ينتهي بغروبها
أي أن العلاقة النسبية بين الزمن والمكان متوفرة في صفة الشروق والغروب وهي تحتاج لتعريفها مكان ثابت على الأرض وزمن ممتد له بداية ونهاية
أما العلاقة النسبية بين الأرض وبين الشمس هو ما يعرف باتجاه مشرق الشمس واتجاه مغربها الدائم والممتد في كل زمان ومكان لذلك كان قوله تعالى :
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } (سورة البقرة 177)
وقول الله تعالى هنا يبين أن المشرق هي جهة وكذلك المغرب هي جهة وليس هناك تعدد فيها لا بالتثنية ولا بالجمع على واقع الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض وهذا ما قاله إبراهيم عليه السلام حين تحدى بهذه الآية السماوية في قوله تعالى :
{ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) } (سورة البقرة 258)
ففي تلك الآية يتحداهم في مجيء الشمس من اتجاه معاكس للاتجاه الذي سنه الله لنا
إذن الله تعالى عندما يخاطبنا نحن البشر في القرآن الكريم عن المشرق والمغرب فإنه تعالى ربنا يكلمنا عن مشرق مخلوقات الأرض ومن ضمنهم الإنسان الذي يستفيد من اتجاه الحركة ما بين المشرق والمغرب فنجد قول الله تعالى مؤكداً هذه المخاطبة للإنسان في قوله تعالى :
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) } (سورة البقرة 115)
ثانياً : المشرقين والمغربين :
قال تعالى :
{ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) } (سورة الرحمن 17)
وهنا يخاطب الله تعالى كلاً من مخلوقات الساحتين الإنس والجن وقد أشار إليهما قبلها ضمن السياق عندما قال تعالى :
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) } (سورة الرحمن 14 – 15)
فخاطب في كل مرة في تلك السورة المخلوق الذي تم خلقه من طين (الإنسان) وكذلك من خلقه من مارج من نار (الجان) وكونهما في ساحتين وبُعدين مختلفين كان لكل منهما مشرق ومغرب فجاءا بالتثنية ليوضح هذا البعدين غير المتلاقيان ليكونا مشرقين ومغربين واستمرت المخاطبة بالتثنية في قوله تعالى :
{ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) } (سورة الرحمن 18)
وما يؤكد هذا المعنى والدلالة قوله تعالى :
{ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } (سورة الزخرف 38)
حيث أن كل منهما كانا في بُعدين مختلفين لا يتداخلان إلا بإذن الله حيث أن الله تعالى كانت سنته أن من يخل بما حمل من أمانة يجعل هناك شيطاناً يصبح قرين هذا الإنسان .. يصده عن سبيل الله بأن يزين له فعله كما في قوله تعالى :
{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) } (سورة الزخرف 36 - 37)
وتلك هي من حدود المسموح به بين العالمين ولكن يظل لهما بعدين مختلفين فيكون لكل منهما مشرق ومغرب خاص تستلزمه طبيعة حياة المخلوق في هذا البُعد الكوني فيوم القيامة يتمنى الإنسان الذي فتنه القرين الشيطاني بقاء البُعدين كما هما ولم يكن ليتواصلا في الدنيا
إذاً عندما يخاطب الله تعالى الإنسان والجان عن المشرق والمغرب كانت المخاطبة عن المشرقين والمغربين لكلاهما بالتثنية
ثالثاً : المشارق والمغارب :
قال تعالى
{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) } (سورة الصافات 5){ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) } (سورة المعارج 40)
فبطبيعة الحال أراد الله تعالى أن يُعلِمنا أن ساحة الإنسان وساحة الجان واللذان كل منهما له مشرق ومغرب كانت مخاطبتهما بقول الله تعالى رب المشرقين ورب المغربين ليستا الساحتين الوحيدتين التي يستلزمهما وجود مشرق ومغرب .. ولكن هناك أبعاد أخرى كثيرة لذلك كان قول الله تعالى بالجمع
وبذلك يتضح أن المشرق والمغرب بالإفراد له معنى ودلالة وبالتثنية له معنى ودلالة أخرى وبالجمع معنى ودلالة أخرى .. والغريب أن من يدفعوا بهذه الشبهة هم من يتبعون العلم الدنيوي الذي يحاول أن يثبتوا من خلاله وجود مخلوقات أخرى في أبعاد أخرى وفي ذات الوقت يستنكرون على خالق تلك الأبعاد أن يعلم طبيعة ما خلق لهم من مشارق ومغارب
حق النشر والكتابة للكاتب: كامل عشرى
جميل ورائع جداً
ردحذف