القائمة الرئيسية

الصفحات





ما الفرق بين الكتاب والقرآن، وما هو القرآن الذي علمه الله لخلقه قبل خلق الإنسان، وما هو القرآن الذي تسير به الجبال، وتُقطع به الأرض، ويُكَلم به الموتى؟!!!

الإجابة: 

قال تعالى:

(طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) (سورة النمل 1 – 2)

طبقاً لتلك الآية، فآيات القرآن هو في ذات الوقت كتاب مبين فما هو الفرق بين القرءان والكتاب، وسوف نستعرض الآتي:

أولاً: معنى ودلالة الحروف المقطعة (طس)

ثانياً: معنى ودلالات حروف كلمة (كتاب) وخصائصها

ثالثاً: معنى ودلالات حروف كلمة (قرآن) وخصائصها

وفيما يلي تناول تفاصيل تلك النقاط:

أولاً: معنى ودلالة الحروف المقطعة (طس)

(ط) تطويع الله تعالى لمعنى كائن بالذات الإلهية (الكلمات) وصياغتها صياغة إلهية بقالب من الآيات وبلسان عربي مبين والسيطرة عليها وضبط حركتها ونقلها من ساحة إلى ساحة، أي من نطاق الأمر إلى نطاق الخلق استعدادًا لنطاقات أخري  داخل نفوس وفؤاد وقلوب المؤمنين  (س) بما يحوي سنن الله تعالى، فتبلغ وتنفذ هذه الآيات إلى مركز وعمق النفس والفؤاد فبوصولها لمركز النفس المؤمنة وعمقها تسيطر على هذه النفس سيطرة تامة مما يُمَكِن النفس من السيطرة على الجسد وما حوله من أحوال وأمور سيطرة تامة تُمَكِن المؤمن من الانتقال من موضع إلى موضع ومن حالة إلى حالة من الضلال إلى الهدى ومن الباطل إلى الحق.  

فبالطاء والسين كانت تلك الآيات من القرءان والتي تم جمعها في الكتاب المبين فكان من خلال هذا التطويع والصياغة التي تتناسب مع عالم الأض ونفاذها إلى نفس وأفئدة الناس فكانت بمثابة هدى وبشرى للمؤمنين.

ثانياً: معنى ودلالات حروف كلمة (كتاب) وخصائصها:

الكتاب هو كتاب الله تعالى يحتوي على معنى كائن بالذات الإلهية (الكلمات) وصياغته صياغة إلهية بقالب من الآيات وبلسان عربي مبين

 (كِ) تنزيل محتوى من تكتل وتآلف وتوافق في إطار وقالب ومحتوى وكيان وبناء (قول وصياغة) ذو قوة وسلطان (قوانين وسنن)، (ت) كاملاً وتم إتقانه فكان تامًا ومتممًا لما قبله في الوظيفة والمشاركة فكان مصدقًا لما قبله ومصدقاً لكتاب الله تعالى المنشور (ا) متآلف يحوي من السنن والأمور والأحوال والأشياء المختلفة والمتفرقة والمضبوطة ضبطاً تاماً ككيان واحد هو الأفضل (بٍ) تتنزل من ساحة إلى ساحة من عالم الأمر لعالم الخلق ظاهرًا باديًا ظافرًا ومبينًا في عالم الخلق على أي كتاب.

من خصائص الكتاب:

الكتاب: كيان من ضمن أم الكتاب (اللوح المحفوظ).

الكتاب: كيان به محتويات شتى ومتفرقة مضبوطة ضبطاً تامًا.

الكتاب: كيان متقن تامًا.

الكتاب: كيان مصدق لما قبله (يحتوي على ذكر من قبل).

الكتاب: كيان تام لما قبله في الوظيفة (به التشريع والمنهج التام).

الكتاب: كيان تام لما قبله في المشاركة (رسائل سماوية وهو رسالة سماوية خاتمة تامة).

الكتاب: كيان مصدقًا لكتاب الله المنشور.

الكتاب: كيان تنزل من ساحة الأمر إلى ساحة الخلق.

إذن الكتاب هو القالب الذي يحوي آيات الله في إطار متوافق ومتآلف وتام.   

ثانياً: معنى ودلالات حروف كلمة (قرآن) وخصائصها:

القرءان تنزيل الله تعالى لمعنى كائن بالذات الإلهية (الكلمات) وصياغتها صياغة إلهية بقالب من الآيات وبلسان عربي مبين.

بتأمل حروف الكلمة والتي مصدرها (قرء) سوف نجد دلالاتها وحركتها وخصائصها:

 (قُ) يقذفه في قلب الرسول وقلوب المؤمنين فباندماج القرءان بالشخص أو المجتمع فيتحولا بهذا الاندماج والوصل والجمع لكيان واحد ويصبح الشخص أو المجتمع في حال غير ذات الحال الذي كان عليه فلا يكون هناك أثر للشخص أو المجتمع قبل أن يعمر القلوب بالقرآن والإيمان فيتبدل حاله من حال إلى حال فبعد ما بلغه من علم لا محالة أن يعود لحالته الأولى، فلا يكون لها أثر فيدمغ في القلوب كل باطل ويحل محله كل حق وهذا يتوقف بالطبع على مقدار وسرعة حركة القرآن في هذه القلوب، (رْ) فيرتبط به قلب المؤمن فيتحكم المؤمن بأحواله وأموره وأطرافها من خلال الحس والبصيرة فيرقق القلب القاسي والصلب دون أن يدعه ينفصل أو يفقد ارتباطه (آ) فيتآاالف ويضبط المؤمن بهذا القرآن  بين أموره وأحواله الدنيوية  فيضبطها ضبطًا تامًا وتظهر صفاته الإيمانية على غيرها من أباطيل فيؤنس به المؤمن ويصبح هو والقرآن نسيج واحد على حال أفضل بزيادة للتآلف والضبط المستمر لأمور وأحوال المؤمن في  كل مقام ومكان وميقات (نِ) فيجعل ناتج صفات المؤمن نقيه ناتجة عن  تعاليم القرءان وهداية الله تعالى له منقاه بلا اختلاط متنافرة مع كل صفة باطلة وينسفها وينهي القرءان على غيره من أباطيل لينفرد ويبقى وحيدًا متفردًا فيقضي على كل ما يختلط به فهو علم من عند الله لا يحتاج لغيره ليدعمه أو يكمله.

من خصائص وصفات القرآن:

القرآن: باندماجه وحركته في قلب أحدهم يتبدل حاله من حال إلى حال من الباطل إلى الحق؟

القرآن: باندماجه وحركته في المجتمع يتبدل حاله من حال إلى حال من الباطل إلى الحق).

القرآن: يدمغ في القلوب كل باطل ويمحقه ويحل محله الحق. 

القرآن: به يمكن أن يتحكم المؤمن في نفسه وأحواله وأموره بالحس والبصيرة.

القرآن: به يمكن أن يألف ويضبط المؤمن أموره وأحواله فيضبطها ضبطاً تاماً حتى في الفتن.

القرآن: به يؤنس المؤمن ويصبح هو والقرآن نسيج واحد.

القرآن: به يمكن القضاء على أي باطل في المجتمع ويدمغه.

القرآن: به يمكن القضاء على انحرافات العلوم الظنية.

إذن:

القرءان هو ناتج اندماج آيات الكتاب في قلوب المؤمنين وتأثيره فيهم وفي أحوالهم وفي المجتمع.

الفرق بين الكتاب والقرآن:

إذا كان الكتاب هو القالب أو الإطار الذي يحوي آيات الله في إطار متوافق ومتآلف وتام وكامل وتفاعلي.

فإن بتفعيل هذا الكتاب يصير قرآن ناتج اندماج آيات الكتاب في قلوب المؤمنين وتأثيره فيهم وفي أحوالهم وفي المجتمع.

ولكن الأمر لا يقف عند ذلك عندما تتفكر في قوله تعالى:

(الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)) (سورة الرحمن 1 - 7)

عَلَّمَ الْقُرْآنَ هنا تأتي في سياق قانون الرحمن وتلي هذا القانون العام من صفة الله تعالى ولكنه هنا جاء قبل خلق الإنسان في قوله عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)، وهذا ليس تقديم أو تأخير كما سوف نبين.

وكلمة (عَلَّمَ) تعني كشف ما كان خفيًا من قبل، فأخرجه الله تعالى على مراحل وفي صور مختلفة من كتاب منشور أو مرسل من نطاق علم الله إلى عالم خلقه ووضعه في قالب مادي أو في صياغة عالم الخلق وصور من القرآن الذي يتناسب مع كل مخلوق ومنطقه وطبيعته وطبيعة سجوده ومسجده.

وهذا الذي كشفه الله ونقله من العلم الكائن بذاته لعلم المخلوقات ووضع له صياغة مادية وفي قالب دنيوي هو القرءان.

وهنا قد يسبح البعض إلى أن الكتاب الذي بين أيدينا هو المقصود، ولكن هو صار قرءانًا كونه اندمج بقلوب البشر وقبل تنزيله فهو كتاب.

فإذا كان قوانين الرحمن كما أسلفنا فلتنفيذها تم كشف قرآن شامل قبل الخلق، فالقرآن بوجه عام الدمج بين الكتاب المنشور أو المرسل في حركة الحياة وتحويل للكتاب المنشور لحالة جديدة مستمرة بحركته وكذلك من خلال الكتاب المرسل في حركته في القلوب.

أي أن عَلَّمَ الْقُرْآنَ هنا مثل كشف اندماج النفس والجسد ونفخ الروح ليصبح إنسان، العناصر المندمجة مرتبطة ببعضهم البعض متآلفة ينتج عنها إنسان يحمل نسبة من العناصر الثلاثة، وهكذا كل مخلوق صغير أو كبير مرئي وغير مرئي ففيه قرءانه الذي يدمج بين عناصره الوجودية، فنحن مخلوقين بقوانين الرحمن الذي علم القرآن وكشف بقوانين الله فيه عن خلقه وخلق الإنسان.

فإذا كان القرآن ككتاب بين أيدينا يحمل قوانين وأحكام الاندماج مع كافة الأحوال الدنيوية، والذي يجعلنا قادرين على التحكم والسيطرة على نفوسنا وأحوال الدنيا معًا فيضبط لنا حالنا وحال الدنيا، وينتج لنا أحوال نقية بإدماج الأمر والسنن والأحكام الإلهية من خلال هذا القرآن بالدنيا، بل أن كل كتاب قبل القرءان الكريم هو قرءان زمانه ومكانه إلا أنه موقوف داخل مكانه وميقات تنفيذه

ولكن القرءان الكريم هو يحمل الصفة الكاملة للقرآن من حيث أنه لكل زمان ومكان:

(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ (((قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا))) (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)) (سورة الإسراء 106 - 109)

فمن هم الذين أوتوا العلم من قبله ويتلى عليهم فيخرون للأذقان سُجداً.
كذلك خلق الخلق بقوانين القرآن الكلي الإلهي الذي يشمل قوانين الخلق كله، القرءان الشامل.

لذلك في قوله تعالى

(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)) (سورة الرعد 31)

فالأمر أمر الله ويضع لكل أمر قرآن، لو أن الإنسان وصل لقرآن يفتح أنفاقًا بالجبال يمكنهم من المرور بين طرفي الجبال، أو خروج جزء من باطن سطح الأرض وتطويع وتشكيل وتحوير هذا الباطن وكشف ما كان خفي من هذا الباطن بشكل تام كأنفاق تحت الأرض أو قرآن كُلِم به الجمادات الموتى أي تم وصل تكوين مادي متوافق مع بعضه البعض جعلت له قوة الوصل والاتصال بين باطنه وظاهره ونقل ما بين ظاهر وباطن من خلال قالب صياغة مادية مثل الأجهزة التي بين أيدينا، فكل هذا بأمر الله فلله الأمر جميعًا ولكل مخلوق قرآنه الذي نتعامل معه من خلاله ولا نخرج خارج تلك القوانين.

وكل هذا تم ولكنه رغم هذا التقدم فيصابون من جراء ما صنعوا (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) فالعلم الدنيوي الذي يجعلنا نتحكم في بعض الأشياء الدنيوية والتي تخرق الطبيعة هي بمثابة قرآن هو الآخر تم تلاوته لتغيير هذه الطبيعة.

لذلك كان خطابه للمؤمنين

أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا

فبقرآن الله في مخلوقاته مكننا من هذه الطبيعة وسخرها لنا ووجب احترام قرآنه فيها ولو أراد الله لكشف قرآنه فيها وهدى الناس جميعاً ولكن تركهم لرؤية الحكمة في توازن الأرض وما فيها بقرآنه، ولكن بما يصنعون وعدم إحرامهم لقوانينها الكلية وتوازنها جاء قوله:

(وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)) (سورة الرعد 31)

فهذا الإخلال المتزايد لقرآن الله في مخلوقاته يقرعهم بين الحين والحين بما صنعوا سوف يقترب وعد الله من عالمنا، وقد وافانا الله بمظاهر إقتراب الموعد في قوله تعالى:

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) (سورة التكوير 1 - 6)

تعليقات