القائمة الرئيسية

الصفحات

تاريخ ثورات التصحيح في مصر والوجهة القادمة نحو المعسكر الشرقي


ونحن على أعتاب تغيير توجه مصر من المعسكر الغربي للمعسكر الشرقي، يجب فهم آلية ثورات التصحيح في مصر لنقل التوجه نحو المعسكرات الغربية والشرقية.

فإفريقيا يتم إعادة توجهاتها بالكامل والأحداث متسارعة وسط هياج غربي لحجم التغيرات المتنامية في إفريقيا، حيث يتم نزع دولة بعد دولة من قبضة الغرب.

فتاريخ مصر على وجه الخصوص مليء بثورات التصحيح للنظام وفيما يلي أهمهم وما سوف يأتي منها:

ثورة التصحيح الأولى:

فبعد التحرك العسكري ضد الحكم الملكي والذي قاده ضباط جيش مصريون ينتمون لتنظيم الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، أدى لإلغاء الملكية ونفي الملك فاروق الأول لإيطاليا وتحول نظام الحكم في مصر إلى جمهورية رئاسية، وعرف في البداية باسم «الحركة المباركة» ثم أطلق عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية وإسقاط دستور 1923 في يناير 1953.

كان قائد الحركة التي سميت فيما بعد بالثورة هو اللواء محمد نجيب والواقع أنه اُختير من خلال الضباط الأحرار كواجهة للثورة لما يتمتع به من سمعة حسنة داخل الجيش وكان اللواء الوحيد في التنظيم وكان سبب انضمام الكثير من ضباط الجيش للضباط الأحرار.

حيث كانت تبعية البلاد إلى الغرب الإنجليزي، وكان من أسباب تحريك المياه الراكدة في إعادة تشكيل المنطقة من جديد لضمان نقل التبعية إلى الدولة الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية.

حيث قامت في حقيقتها على أكتاف جزء من النظام ذو التأثير الضعيف في الحياة السياسية ليتشكل منه نظام سياسي جديد يقود المرحلة الرئاسية، ولم تتاح للعامة أن يصلوا إلى قمة السلطة، فبطبيعة الحال هي حركة من داخل النظام لتصحيح التوجهات التي أصبح النظام الملكي عاجزاً عن اجتيازها، وخاصة إمكانية تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو في ظل وجود الملكية، وما يتطلبه ذلك من تغيير بالنظام.

ثورة التصحيح الثانية:

عندما بدأ صراعا على السلطة نشأ بين محمد نجيب وبين جمال عبد الناصر بعد أن رأى اللواء محمد نجيب ضرورة تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة، استطاع جمال أن يحسمه إلى صفه في النهاية وحدد إقامة محمد نجيب في قصر زينب الوكيل حرم مصطفى النحاس باشا بضاحية المرج شرق القاهرة لحين وفاته. وتولى جمال عبد الناصر بعد ذلك حكم مصر من 1954 حتى وفاته عام 1970 واستمد شرعية حكمه من ثورة يوليو.

حيث تعتبر ثاني ثورة تصحيح للنظام بأن استمد شرعيته من ثورة التصحيح الأولى وهنا كان لابد أن يصاحب تغيير وجهة النظام اقتصاديًا نحو الشرق لتكون المفاجئة بالتوجه نحو روسيا والنظام الاقتصادي الاشتراكي.

ثورة التصحيح الثالثة:

عندما أصبح النظام في ورطة حيث تعددت السلطة في مصر واستحال بقاء الوضع على ما هو عليه، فجاءت هزيمة 67 سبباً رئيسياً لثورة تصحيح، جاءت مصارحة الشعب فيها وتحمل المسئولية، حيث جاء تنحى عبد الناصر في مساء 9 يونيو 1967، عن رئاسة مصر متحملًا مسئولية الهزيمة في حرب 5 يونيو 1967، إلا أنه تراجع عنها في اليوم التالي بعد خروج ملايين الناس للتظاهر رفضًا لتنحيه، وكان خطاب التنحي يحمل المسئولية لكلا المعسكرين الغربي والشرقي بطلبهم ضبط النفس وعدم البدء في الحرب كما جاء بالخطاب، وراعى عبد الناصر أن يكون الخطاب مفصلاً وطويلاً، وفي ظاهره التنحي وفي طياته مطالبة بثورة تصحيح.

وعليه بدأ تغيير في هيكل النظام ولم يصاحبه تغير للتوجه لمعسكر آخر، مما صعب المهمة حتى جاء من بعده السادات محاصراً في هذه التركة ليجد نفسه هو الآخر في مرحلة ما قبل ثورة تصحيح للنظام ولكن متى وكيف وهو أضعف جزء في النظام، وكان مجرد واجهة تتحمل التبعات لاستقرار وضع اللاسلم واللاحرب مع إسرائيل.

ثورة التصحيح الرابعة:

وتعرف أيضًا بأحداث مايو 1971، وهو المصطلح الذي أطلق على عملية تنقيح الرئيس أنور السادات السلطة في مصر بعد إزاحته الناصريين اليساريين.

حيث أنه عقب وفاة جمال عبد الناصر تولى أنور السادات مهام الرئاسة وأعقب ذلك في 15 مايو 1971م قيامه بحركة للقضاء على نفوذ ما عرف بـ (مراكز القوى) السابقة التي تمتعت بقدر كبير من السلطات في عهد عبد الناصر. من أبرز الشخصيات التي وقع إبعادها:

نائب رئيس الجمهورية علي صبري.

وزير الحربية الفريق أول محمد فوزي.

رئيس المخابرات العامة أحمد كامل.

وزير الداخلية شعراوي جمعة.

وزير الإعلام محمد فائق.

رئيس مجلس الأمة محمد لبيب شقير.

وزير شؤون رئاسة الجمهورية سامي شرف.

كان ذلك نتيجة لمحاولة هؤلاء بالقيام لانقلاب على نظام الحكم حيث استطاع كشف مخططهم بمحاصرتهم وإلقاء القبض عليهم داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون وقد استعان في ذلك بعدة أشخاص أهمهم الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري وقتها.

وأعقب ذلك بعض إرهاصات التغيير غير المعلن نحو المعسكر الغربي انتهى بكامل التوجه مع تغيير النظام الاقتصادي وتم تتويجه بالانفتاح الاقتصادي، إلا أن السادات بدا وكأنه يريد عمل ثورة تصحيح بنفسه وذلك ليس لبقاء النظام ولكن بما يهدد بقاءه، لذلك وجب أن يقود ثورة التصحيح الجديدة شخص من داخل النظام.

 ثورة التصحيح الخامسة:

قد أصبح السادات عبئاً بعد أن استعمل الجماعات الإسلامية في مواجهة الناصريين وكذلك علاقته المتأزمة مع بعض دول الجوار، وكذلك طموح السادات نحو تغيير شامل بالنظام، أدى بطبيعة الحال لرغبة الجميع في التغيير، فقد كان السادات ينوي التنازل بإرادته عن الرئاسة، وفقًا لوثائق بريطانية.

حيث تم اغتيال الرئيس محمد أنور السادات بحادث المنصة أو عملية الجهاد الكبرى كانت خلال عرض عسكري أقيم بمدينة نصر بالقاهرة في 6 أكتوبر 1981 احتفالاً بالانتصار الذي تحقق خلال حرب أكتوبر 1973. نفذ عملية الاغتيال الملازم أول خالد الإسلامبولي الذي حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص لاحقاً في أبريل 1982. وعقب الاغتيال تولى صوفي أبو طالب رئاسة الجمهورية مؤقتا لمدة ثمانية أيام وذلك من 6 إلى 14 أكتوبر 1981 حتى تم انتخاب محمد حسني مبارك رئيساً للجمهورية.

حافظ بعد ذلك حسني مبارك على استقرار حكوماته أطول فترة ممكنة وجاء بالسلفيين في مواجهة المد الإخواني وكانت علاقته جيدة بدول الجوار، إلا أنه في الفترة الأخيرة من حكمه شكل عائقاً أمام الدول الغربية نحو مزيد من التنازلات بالإضافة أن مشروع التوريث ظل هاجساً يشكل عقبة أمام بقاءه لحين تسليم الحكم، إلى جانب أنه لم يقدم أحد من داخل النظام ليكون نائباً له، مما جعل الأمور ضبابية وكان لابد من السعي نحو ضمان آلية التغيير.

ثورة التصحيح السادسة:

جاءت دعوات 25 يناير وما بعدها تشكل حركة شعبية في ظاهرها لها جذور وأسباب، ولكن الغريب أن النظام الممثل في الجيش لم يكن منزعجاً من هذه الحركة مثل باقي النظام السياسي الذي زج جزء منه في السجون لفترة، وكان في البداية يحاول حسني مبارك إقناع الجيش أن التغيير من داخل النظام، فأتى بعمر سليمان نائباً وشفيق رئيساً للوزراء، إلا أن هذه الاختيارات لم تكن على هوى البعض بالخارج والبعض بالداخل فهي تشكل خطراً وبقاء لنفس المشكلة بعدم وجود تنازلات إضافية للمعسكر الغربي والذي جعل دويلة قطر هي الرقيبة على النظام لاستثارة دول الجوار الأخرى.

لذلك تم الدعم وخاصة الخارجي من القوى الغربية للإخوان ليكونوا سبباً في أكثر التنازلات فيما بعد، فكانت ثورة تصحيح من خلال كومبارس، ليس له وجود في السلطة الحقيقية ولكن له سلطة مارسها على الشارع فأفسد علاقته بالشارع حتى جاءت ثورة التصحيح قبل الأخيرة.

ثورة التصحيح السابعة:

حيث تم استدعاء الشعب بعد خلع مرسي من خلال الجيش، حيث جرت مظاهرات 30 يونيو 2013 في مصر في محافظات عدة، نظمتها أحزاب وحركات معارضة للرئيس محمد مرسي. توقيت المظاهرات كان محددًا مسبقًا منذ أسابيع. طالب المتظاهرون برحيل الرئيس محمد مرسي، الذي أمضى عامًا واحدًا في الحكم. في يوم 3 يوليو، وأعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي وقتها إنهاء حكم محمد مرسي، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور الذي رقَّى السيسي إلى رتبة المشير بعد ثمانية أشهر.

وصولاً لرئاسة عبد الفتاح السيسي والذي بدأ حكمه في عام 2014 حتى وقت كتابة المقالة

ثورة التصحيح الثامنة:

كما استعرضنا أن ثورات التصحيح تحدث إما عن طريق رأس النظام مثل السادات أو جناح من النظام الثورة على الملكية وثورة 25 يناير، إلا أننا أمام وجوب تغيير المعسكر والتوجه نحو المعسكر الشرقي واختيار نموذج اقتصادي يتناسب مع هذا المعسكر وآلياته، حيث بات واضحاً أن إفريقيا يتم انتزاعها من المعسكر الغربي ويتوقف اكتمال النزع على دولتي مصر والجزائر، ومصر بالذات سيكون لها الدور الأساسي في هذا التشكل للقوة الإقليمية الإفريقية، وأصبح هناك خياراً ملحاً لتحديد الوجهة، فما تم زرعه من مشاكل اقتصادية أحاطت بمصر، هو ذاته الذي يجعل تغيير الوجهة شيء لابد منه.

الغريب أن معظم الخطط الغربية بالمنطقة باتت سبباً مباشراً لنجاح روسيا والصين في تواجد تأثيرها على إفريقيا، وكأن الغرب يزرع الأسباب اللازمة لذلك.

ويأتي السؤال من سيقوم بثورة التصحيح للتوجه للمعسكر الغربي، هل رأس النظام أم جناح من داخله، ومن أهم المعوقات دور الإخوان في مواجهة تغيير الوجهة وأيضاً داعش.

وفي كل الحالات ستأخذ الأمور منحنى متسارع أسرع مما نظن، ولكن أياً ما كان التوقيت، فسوف يسبقه مصارحة للشعب عن بعض الأمور التي تبرر هذا التوجه، ففور أن ترى أو تسمع عن مصارحة ما، فاعلم أن عجلة الأمور تتسارع والوجهة تتبدل.

تعليقات