القائمة الرئيسية

الصفحات

نبوءات دانيال (الجزء الأول : رؤية نبوخذ نصر)

نبوءات دانيال (الجزء الأول : رؤية نبوخذ نصر)

رأى نبوخذ نصر ملك الإمبراطورية البابلية بعد تتويجه بسنتين (عام 503 أو 602 ق.م) رؤيا في منامه أغضبته وأثارت قلقه، فاستدعى السحرة والكهنة والعرافين والمنجمين، فدار حوار بينه وبينهم، رواه سفر دانيال.

رؤيا الملك نبوخذ نصر

قال لهم الملك:

إني حلمت حلمًا انزعجت له نفسي وأن تطمئن حتى تعرف الحلم ومعناه.

فأجابوه:

لتعش إلى الأبد أيها الملك أسرد على عبيدك الحلم فنفسره لك.

فقال لهم لملك:

قد صدر علي الأمر: إن لم تسردوا على الحلم وتفسروه تمزقوا إربًا إربًا، وتصبح بيوتكم أنقاضًا، وأن أنبأتموني بالحلم وتفسيره أغدق عليكم هدايا وجوائز، وأسبغ عليكم الإكرام، والآن أسردوا على الحلم.

فأجابوه ثانية:

لينبئ الملك عبيده بالحلم فنكشف عن معناه.

فرد الملك:

أني أعلم يقينًا أنكم تسعون لاكتساب الوقت، إذ أدركتم إني أصدرت أمرًا مبرمًا بمعاقبتكم إن لم تنبؤوني بالحلم، لأنكم اتفقتم على اختلاق الكذب والضلال لتنطقوا بهما أمامي إلى أن يتحقق معنى الحلم لذلك أنبؤوني أولاً بما حلمت فأعلم أنكم قادرون على تفسيره

فأجابوا:

ليس على الأرض إنسان في وسعه تلبية أمر الملك، ولم يحدث قط أن ملكًا عظيمًا طلب مثل هذا الأمر من مجوسي (كاهن) أو ساحر أو منجم، ومطلب الملك متعذر لا يمكن لأحد أن ينبئ به الملك سوى الآلهة الذين لا يسكنون مع البشر.

نبوخذ نصر أخذ في إصراره وثباته على موقفه حيث أن الشائع في ثقافتهم ن الرؤى رسائل إلهية للملوك وعلى درجة كبيرة من الأهمية بحيث لا يقدر على تفسيرها إلا الحكماء، أي لا يقدر على معرفة الرؤيا ولا تفسيرها إلا نبي حامل للوحي الإلهي ومخبر عنه، وع استمراره في إصراره يروي دانيال:

واستشاط الملك غضبًا وحنقًا وأمر بإبادة كل حكماء بابل وتلقى المدعو أربوخ رئيس شرطة الملك الأمر الضريح بقتل وإهلاك الحكماء والعلماء الذين وقفوا عاجزين إزاء إطلاع نبوخذ نصر وإعلامه بحقيقة حلمه، ومن جملة أولئك الذين شملهم الأمر دانيال، ولما ذهبت الشرطة بقيادة رئيسهم للقبض عليه في محل إقامته داخل القصر الملكي، جرى بينهما حوار رواه سفر دانيال بقوله:

فخاطب دانيال بحكمة وتبصر أربوخ قائد حرس الملك الذي خرج ليقتل حكماء بابل، وقال له:

لماذا أصدر هذا الأمر العنيف؟ فأخبر أربوخ دانيال بما حدث.

ثم روى السفر بعد ذلك ما فعله دانيال قائلا:

فمثل دانيال أمام الملك وطلب منه أن يمنحه وقتًا فيطلعه على تفسير الحلم فوافق على طلبه، فمضى دانيال إلى بيته وأبلغ رفقاءه حننيا وميشائيل وعزريا بالأمر، ليطلبوا من إله السموات الرحمة بشأن هذا اللغز لكي لا يهلك دانيال ورفقاءه مع سائر حكماء بابل".

وفي تلك الليلة رأى دانيال رؤيا كشف له عن مضمون حلم الملك وحقيقته وفي صبيحة اليوم التالي أقبل دانيال على أربوخ وقال له في نبرة ناهية وأمرة في الوقت نفسه، لا تقتل حكماء بابل، أدخلني للمثول أمام الملك، فأكشف له عن تفسيره"، ونزل أربوخ عند رغبة دانيال "فأسرع بإحضار دانيال إلى الملك، وقال: قد عثرت على رجل من سبى يهوذا، وهو ينبئ الملك بتفسير الحلم".

فسأل الملك دانيال:

هل تستطيع أنت أن تطلعني على الحلم الذي رأيت وعلى تفسيره.

فأجاب دانيال:

لا يستطيع ساحرًا أو حكيم أو مجوسي (كاهن) أو منجم أن يطلع الملك على السر الذي طلبه، ولكن هناك إله في السماء يعلن الخفايا، وقد أخبر الملك نبوخذ نصر مما يحدث في آخر الأيام".

دانيال يروي ما رآه الملك في حلمه

فروى دانيال له رؤيته بقوله:

أيها الملك فيما أنت مستلق على مضجعك انتابتك الأفكار مما يحدث في الأيام المقبلة، والذي يكشف الخفايا عرفك بما سيكون، وقد أعلن لي هذا السر، لا لحكمة في أكثر من سائر الأحياء، إنما لكي يطلع الملك على تفسيره وتدرك أفكار قلبك". أي فيما يفكر عن مستقبل الزمان في رموز حلمه الذي رآه.

ثم شرع دانيال في رواية الحلم قائلا:

رأيت أيها الملك، "وإذا بتمثال ضخم كثير البهاء واقفًا أمامك، وكان منظره هائلاً، وكان رأس التمثال من ذهب نقي وصدره وذراعاه من فضة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه خليط من حديد ومن خزف وبينما أنت في الرؤيا أنقض حجر لم يقطع بيد إنسان وضرب التمثال على قدميه المصنوعتين من خليط الحديد والخزف فسحقهما، فتحطم الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معًا، وانسحقت وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الرياح، حتى لم يبق لها أثر، أما الحجر الذي ضرب التمثال فتحول إلى جبل كبير وملأ الأرض كلها".

إذن شاهد في حلمه:

- صورة الإنسان وهيئته المألوفة.  إنسان في منتهى الكبر والضخامة والطول، يملأ العين حسناً وجمالاً وبهاء، فيأنس به الرائي ولا يستوحشه ومظهره العام باعث على المهابة والخوف، ودافع للرهبة والحذر.

- أعضاء ذلك الإنسان وأجزاءه، فعلى النحو التالي:

1- كان الجزء الأعلى من جسمه، أي الرأس الذي يضم الجمجمة والوجه ومراكز الإحساس، من الذهب الخالص، ولونه أصفر لماع.

2- ما دون العنق إلى البطن أي الصدر، وأيضًا من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى وهو الذراع، فمن الفضة البيضاء براقة اللون.

3- أما القسم الأمامي الأسفل من جسمه، وفيه الأمعاء، أي البطن والجوف، وأيضًا ما بين الركبة والورك، أي الفخذ، فمن نحاس أحمر يميل لونه إلى السمرة.

4- وما بين القدم والركبة من الرجل، فمن حديد رمادي يميل لونه إلى الزرقة.

5- أما ما يقف ويمشي عليه، أي القدم فهو مزيج غريب يجمع بين الحديد والفخار معاً.

وفيما العاهل البابلي مشدوها بصورة الإنسان الماثلة أمامه ومتحير من مكوناته المتنافرة، إذا به يرى حجرًا صلبًا لم يعرف له قاطع، ولا من أين أتى أنتزع، وقد أقبل من بعيد مندفعًا بسرعة شديدة تجاه قدمي التمثال المكونتين من الحديد والفخار، فضربهما ضربة بلغت من العنف والقسوة درجة تكسرنا معًا إلى قطع صغيرة الحجم ومتفرقة في كل ناحية وأدى تكسر القدمين تلقائيًا إلى انهيار الجسم كله وسقوطه أرضًا لتتناثر مكوناته مجتمعة من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخزف إلى قطع متناهية في صغرها، حتى شبهت له في الحلم بذرات القش الصغيرة المتبقية بعد فصل الحبوب عن قشورها، فسرعان ما تأتي الرياح وتفرقها شذر مذرًا، ومن ثم أصبح ذلك الإنسان وكأنه لم يكن من قبل.

أما الحجر الذي حطم التمثال وأسقطه من عليائه وأحاله إلى كومة كبيرة من الذارت الحجرية تذروها الرياح، فرأه يرتفع أمامه ويتمدد وينبسط رويدًا رويدًا إلى أن غطى الأرض كلها.

تفسير دانيال لحلم الملك

ختم دانیال قصته قائلًا:

"هذا هو الحلم، أما تفسيره فهذا ما نخبر به الملك".

"أنت أيها الملك هو ملك الملوك الآن إله السموات أنعم عليك بمملكة وقدرة وسلطان ومجد، وولاك وسلطك على كل ما يسكنه أبناء البشر ووحوش البر وطيور السماء، فأنت الرأس الذي من ذهب ثم لا تلبث أن تقدم من بعدك مملكة أخرى أقل شأنًا منك، وتليها مملكة ثالثة أخرى ممتلئة بالنحاس، فتسود كل الأرض، ثم تعقبها مملكة رابعة صلبة كالحديد فتحطم وتسحق كل تلك الممالك، كالحديد الذي يدق ويسحق كل شي، وكما رأيت القدمين والأصابع هي خليط من خزف وحديد، فإن المملكة تكون منقسمة، فيكون فيها من قوة الحديد بمقدار ما شاهدت فيها من الحديد مختلطًا بالخزف. وكما أن أصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فإن بعض المملكة يكون صلبًا والبعض الآخر هشًا. وكما رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين، فإن هذه المملكة تعقد صلات زواج مع ممالك الناس الأخرى، إنما لا يلتحمون معًا، كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي عهد هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لا تنقرض إلى الأبد، ولا يترك ملكها لشعب آخر، وتسحق وتبيد جميع هذه الممالك، أما هي فتخلد إلى الأبد، لأنك رأيت أن الحجر المنقض الذي لم يقطع من الجبل بيدين قد سحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب".

في الجزء القادم إن شاء الله سوف نبدأ في طرح تفسير المعاصرين لهذه النبوءة.

روابط السلسلة:

نبوءات دانيال (المقدمة)

نبوءات دانيال (الجزء الأول : رؤية نبوخذ نصر)

نبوءات دانيال (الجزء الثاني: تفسيرات المعاصرين لرؤية نبوخذ نصر – النبوءة الأولى)

تعليقات