القائمة الرئيسية

الصفحات

أكثر التجارب العلمية جنونًا (الحلقة الثانية)

استعرضنا في المقالة السابقة تجربة ميلغرام (Milgram Experiment) في عام 1961 لدراسة طاعة الأفراد وقدرتهم على إلحاق الأذى بالآخرين بناءً على أوامر السلطة كتجربة علمية مجنونة، وفي هذه المقالة نستعرض تجربة علمية أخرى أكثر جنوناً من الناحية العملية وهي:

تجربة روزنهان (Rosenhan Experiment):

في عام 1973، نفّذ العالم النفسي ديفيد روزنهان تجربة لاختبار قدرة الأطباء والمستشفيات النفسية على التعرف على الأمراض النفسية. حيث تظاهر روزنهان ومجموعة من الأشخاص بأعراض اضطراب عقلي وتم إدخالهم إلى المستشفيات النفسية. وقد تبيّن أن الأطباء والمختصين لم يتعرفوا على أن هؤلاء المرضى هم في الواقع كاذبون وليسوا مرضى بالفعل. وتعتبر هذه التجربة جنونية بما فيها من التضليل والتلاعب بأرواح الأشخاص والأضرار النفسية المحتملة.

مدى أهمية تجربة روزنهان:

تكمن أهمية التجربة في تحديد مدى الثقة في تشخيص الأمراض النفسية التي أجراها أستاذ جامعة ستانفورد عالم النفس ديفيد روزنهان وقد نُشرت التجربة في مجلة ساينس العلمية عام 1973 وكان عنوان الدراسة المنشورة «أن تكون عاقل في أماكن مجنونة/ On Being Sane in Insane Places» والتي تعتبر دراسة انتقادية لتشخيص الأمراض النفسية، والذي اتضح من خلال تظاهر مجموعة بالهلوسة حتى تم إدخالهم لمستشفيات الأمراض النفسية وقاموا بعد ذلك بالتصرف بشكل طبيعي ومع ذلك لم يكتشف الأطباء وأصروا أنهم مرضى نفسيين، وتم تشخيصهم باضطرابات نفسية، وعلى أساس ذلك تم التعامل معهم بعقاقير وأدوية نفسية.

 حيث كان في الأساس التصور من التجربة أنه للحصول على ثقة في التشخيصات النفسية إلا أنه خلصت الدراسة أننا لا نستطيع التمييز بين العاقل من غير العاقل في داخل مستشفيات الأمراض النفسية كما سنرى في التجارب التي تم إجراؤها.

التجربة الأولى:

تم استخدام المساعدين من الأصحاء أو ما يسمى المرضى الكاذبين، وكانت المجموعة عبارة عن (3 نساء و 5 رجال بما فيهم روزنهان نفسه) وقد تظاهروا بالهلوسة لفترة قصيرة في محاولة منهم للقبول في 12 مستشفى للأمراض النفسية في خمس ولايات من ولايات أمريكية، ومن خلال تقييمهم النفسي المبدئي كان ادعاؤهم أنهم يسمعون أصواتًا وتم قبولهم جميعاً وتشخيص الاضطرابات.

وبعد قبولهم تصرفوا المرضى الكاذبون بشكل طبيعي وأخبروا الأطباء أنهم بخير ولم يعد لديهم تلك الهلوسة، ولكن تم إجبارهم بالاعتراف بمرضهم العقلي واضطروا للموافقة وتناول عقاقير مضادة للذهان كشرط لإطلاق سراحهم، وكان تشخيصهم جميعاً بمرض الانفصام ما عدا واحد تم تشخيصه اضطراب ثنائي القطب، وقضوا كمتوسط حوالي 19 يوم بالمستشفى، مما يدل على أن المرض العقلي حالة لا رجعة فيها ووصمة عار مدى الحياة بدلاً من اعتباره مرض قابل للشفاء.

ورغم أن المرضى الكاذبون كانوا يدونون ملاحظاتهم بكل دقة إلا أن العاملين بالمستشفى لم يكتشفوا زيفهم، في حين أن المرضى الحقيقيين كانوا أقدر من العاملين في التعرف على ادعائهم المزيف بالمرض، حيث أنه في أول ثلاث مستشفيات عبّر عدد 35 من إجمالي 118 مريض عن شكوكهم نحوهم، فبعضهم ظنوا أنهم باحثين أو صحفيين يحققون داخل المستشفى وعلى العكس من ذلك موظفين المستشفى كانوا يفسرون سلوك المرضى الكاذبون على أنه زيادة في مرضهم العقلي، حيث وصفت احدى الممرضات أن تدوين الملاحظات الدائمة من خلال أحد المرضى الكاذبين بأنه «سلوك الكتابة» واعتبرتها أنها حالة مرضية.

وقد تم تجهيز محامي قبل إجراء التجربة للتدخل في حالة عدم اطلاق سراحهم بعد فترة وجيزة، واضطروا أن يوافقوا على تناول العقاقير التي كانوا يقومون بإسقاطها بالمرحاض، وقد تلاحظ عدم وجود إنسانية في التعامل مع المرضى العقليين لما لاحظوه من غزو لخصوصيتهم أثناء دخولهم المستشفى وتفتيش لممتلكاتهم بشكل عشوائي، وفي بعض الأحيان كان يتم ملاحظتهم وهم بالمرحاض، ويتم عادة مناقشة الأطباء بعضهم البعض لحالة المريض وكأنه غير موجود، ويتجنب الأطباء عادةً التفاعل مع المرضى إلا للضرورة القصوى، كما أن بعض الموظفين يسيئون لفظياً وجسدياً للمرضى عندما يكون باقي الموظفين غير موجودين.

التجربة الثانية:

الجزء الثاني من الدراسة بعد أن تحدث مع إدارة المستشفى عن تجربته الأولى وطلبوا منه إرسال مرضى كاذبين مرة أخرى ضمن المرضى، حيث أرسل عدد 250 مريض حدد الأطباء منهم عدد 41 مريض كاذب محتمل في حين أنه لم يرسل أي مريض كاذب للمستشفى، فكانت النتيجة والخلاصة أن عملية التشخيص عادة تعطي أخطاء كبيرة من هذا النوع وعدم ثقة في التشخيص النفسي.

 الانتقاد العلمي لتجربة روزنهان

انتقد روزنهان إمكانية الوثوق في التشخيص النفسي والتعامل المهين للمرضى وولدت مقالته في المجلة العلمية جدلاً واسعاً، حيث دافع الكثيرون عن الطب النفسي وأن المخطئ المريض الكاذب وليس الأطباء، وأنه ليس بالضرورة أن يتوقع الطبيب النفسي أن المريض يتظاهر بالمرض النفسي ومن ثم الدراسة مفتقرة للواقعية، بل شكك الكثيرون في صحة الدراسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهم المصادر والمراجع:

- د. روزينهان "على أن تكون عاقلا في أماكن مجنونة". مجلة العلوم [الإنترنت]. 1973، متوفر على هذا الرابط

- د. روزينهان "حول كونك مجنونا في أماكن الطب الشرعي": أهمية أخذ تاريخ كامل في تقييم الصحة العقلية الجنائية [الإنترنت] تايلور وفرانسيس. 2020، متوفر على هذا الرابط

- د. روزينهان "على أن تكون عاقلا في أماكن مجنونة". مجلة العلوم [الإنترنت]. 1973، متوفر على هذا الرابط

تعليقات