القائمة الرئيسية

الصفحات

النية والهدف: حين تصبح البوصلة أصدق من الخريطة

 


1. المعنى الأول: الهدف يوجّه، والنية تُحرّر

الهدف هو نقطة محددة تسير نحوها.
النية هي اتجاه داخلي مفتوح نحو معنى أوسع.
في علم النفس المعرفي، الهدف يفعّل نظام “التنفيذ الموجّه” في الدماغ، فيركّز الانتباه ويستبعد كل ما لا يخدم الغاية.
لكن هذا التركيز الشديد يقلل من “المرونة المعرفية”؛ أي القدرة على توليد أفكار جديدة.
أما النية فتنشّط نظام الفضول والاكتشاف، فتجعل العقل يستقبل الاحتمالات بدل أن يحاكمها.


2. منطق التوازن بين البذرة والسور

النية تشبه البذرة، تنمو في كل اتجاه.
الهدف يشبه السور، يحمي المسار لكنه يحدّه أيضًا.
حين يتضخم السور، تختنق البذرة.
لكن حين تعمل النية أولًا، ويأتي الهدف خادمًا لها، يتحقق النمو الطبيعي: توجّه بغير جمود، ووضوح بلا انغلاق.


3. أمثلة من الحياة

أ‌- في العلم والاكتشاف:
ألكسندر فليمنغ لم يكن يبحث عن دواء للبكتيريا حين نسي أطباق مزرعته، لكن نيته في “فهم الظاهرة” جعلته يلاحظ ما لم يقصده: البنسلين.
النية فتحت باب الصدفة، بينما الهدف الضيق كان سيغلقه.

ب‌- في الفن والكتابة:
الكاتب الذي يسعى لجائزة يكتب بعين على الجمهور.
أما من يكتب بدافع الصدق الداخلي، فإبداعه يخرج من القلب ويصل إلى القلوب.
النية تصنع الأثر، والهدف يصنع الشكل.

ج‌- في العمل والإدارة:
رائد الأعمال الذي يجعل هدفه “الربح السريع” يغفل عن فكرة قد تغيّر السوق.
لكن من ينوي “تقديم قيمة حقيقية” يفتح مجالًا للابتكار، وربما يربح أكثر من غيره دون أن يكون ذلك مقصده الأول.

د‌- في العلاقات الإنسانية:
من يدخل علاقة بهدف الامتلاك أو الإشباع يعيش صراعًا دائمًا.
ومن يدخلها بنية التفاهم والنمو المشترك، تتحول العلاقة إلى مساحة ارتقاء.


4. البعد الفلسفي: بين السيطرة والاكتشاف

الهدف يوهم بالتحكم، أما النية فتدعوك إلى الاكتشاف.
العقل الموجَّه بالهدف يرى طريقًا واحدًا، والعقل الذي تحركه النية يرى ألف طريق محتمل.
الغاية تُنظم العقل، لكن الدهشة هي التي تُنيره.


5. الخلاصة

النية هي الروح، والهدف هو الأداة.
وحين تتقدم الأداة على الروح، يختنق الإبداع.
أما إذا سارت النية في المقدمة واستعانت بالهدف خادمًا لها، يتحول الفعل إلى رحلة اكتشاف لا تنتهي.

قال جلال الدين الرومي:
“ابدأ السير من نيتك، لا من خطتك. فحيثما تصل، يكون هو المقصود الحقيقي.”

تعليقات