يجب أن نفرق جيدًا بين
التفسير والتأويل، ويجب أن نتعرف على مراحل التأويل، حتى نستطيع أن نعي معاني
أسماء الله الحسنى قراءةً وترتيلًا وتلاوةً.
· أولاً: التفسير:
هو تفعيل وإتقان
واكتمال مفارقة الطريقة المعتادة إلى السنن والقوانين التي تبين طريقة الارتباط
والتحكم والسيطرة على الشيء محل التفسير.
لذا يقال على سبيل
المثال (تفسير الظاهرة).
فلكل ظاهرة اعتدنا أن
نعيش فيها أو نراها، وراءها سنة أو قانون مرتبط بظهورها ويتحكم ويسيطر عليها، وتفسير
الأمور المادية قد يكون جائزًا في حدود الإدراك الإنساني المحدود، وفي هذه الجزئية
لا يجب الخلط بين تفسير الظاهرة المادي وتفسير الظاهرة المطلق، وعليه لا يجب أن
يقال تفسير الكتاب أو القرآن الكريم، فلا تفسير لسنن الله فيه بشكل مطلق وأقصى ما
يقال فيه التأويل.
·
ثانياً: تأويل الكتاب:
هو تفعيل وإتقان وكمال
ضبط الوصل والصلاة بكتاب الله وأوامره وبيانه وبرهانه ونقله من نطاق الكتاب إلى
نطاق التطبيق قراءةً ثم ترتيلاً ثم تلاوةً.
·
ثالثاً: مراحل تأويل الكتاب:
المراحل ثلاث هي القراءة
والترتيل والتلاوة.
وفيما يلي سوف نستعرض
المراحل الثلاث وخصائصهم.
وسوف نُتبِع كل مرحلة
بخصائصها زيادةً في الإيضاح وعلى القارئ محاولة الربط بين الخاصية وتفعيلها وكيف
يمكن أن تكون هي وسيلتنا لبلوغ التأويل.
·
المرحلة الأولى: القراءة:
قال تعالى: {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (سورة العلق 1)
فأمر الله اقرأ هو أمر
عام غير متعلق بترديد الكلام، فالببغاء يردد بالتبعية، فالقرآن من قرء، وكلمة قرء الكتاب على سبيل
المثال تعني:
استخراج الأمر الإلهي
من القرآن والمنهج والتشريع والذكر واندماجه بالنفس، واندماج وربط وتأليف
وتآلف وضبط أحوال وأمور المؤمن بهذا الأمر الإلهي على الدوام.
(استخراج - اندماج -
ارتباط - تأليف - ضبط)
ففي حياتنا من يعي
الكلمة ومداها حين يقول مثلاً، لقد قرأ الموقف، أو قرأ نيته، قرأ وجهه... الخ، فكل ما سبق استخراج
فهم وإدراك ووعي وليس مجرد ترديد أجوف.
·
خصائص:
قراءة القرآن:
قرأ القرآن: استخرج الأمر الحق
والبرهان والدليل القرآني.
قرأ القرآن: أدمج الأمر الحق
والبرهان والدليل القرآني بالنفس.
قرأ القرآن: أدمج الأمر الحق
والبرهان والدليل القرآني مع أموره وأحواله.
قرأ القرآن: نما داخل نفسه حالة مغايره
نتيجة اندماجها بالحق والدليل والبرهان القرآني فتحول من الضلال إلى الهدى.
قرأ القرآن: ربط الدليل والبرهان
القرآني بأحواله وأموره والتحكم فيها وبين أطرافها بالحس والبصيرة.
قرأ القرآن: تأليف مستمر بين أموره
وأحواله المختلفة والمتفرقة وهذا القرآن وما به من أوامر ومنهج وتشريع.
قرأ القرآن: ضبط أموره وأحواله
بهذا القرآن ضبطاً تاما فيؤنس بهذا الضبط في حركة حياته على الدوام.
·
المرحلة الثانية: الترتيل:
قال تعالى: {وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (سورة
الفرقان 32)
فالله تعالى رتله على
عباده وليست جملة واحدة وكذلك أوصانا بعد قراءته أن نرتله، فبعد قراءة الكتاب يصير
صفته قرءان، فكلمة رتل القرآن على سبيل المثال تعني:
الارتباط التام بين
أمور وأحوال المؤمن في كل ميقات ومكان بأوامر ومنهج وشريعة الله تعالى، وتلاحمها
وتواصلهما مع نسيج حركة الحياة بتطبيق أوامر الله ومنهجه وشرعته، من خلال بيان ما
أُختزن في القرآن لبيان ما يلزم تطبيقه مع طبيعة أموره وأحواله.
(ارتباط - تلاحم وتواصل
- اكتشاف ما أُختزن فيه - تطبيق)
·
خصائص:
ترتيل القرآن:
رتل القرآن: ارتبط ارتباط تام
بأوامر ومنهج وشرعة الله تعالى بالقرآن الكريم.
رتل القرآن: ربط الأوامر والمنهج
والتشريع الإلهي بالقرآن بأموره وأحواله الدنيوية.
رتل القرآن: إتمام وإتقان الارتباط
بالأوامر والمنهج والتشريع الإلهي في حركة الحياة الدنيوية.
رتل القرآن: تلاحم الأوامر والمنهج
والتشريع الإلهي بالقرآن بنسيج حركة المرتل الدنيوية.
رتل القرآن: طبق الأوامر والمنهج
والتشريع الإلهي في حركة حياته بساحة الخلق.
حيث إن الله تعالى جعل
القرآن فيه من الأوامر والمنهج والشريعة ما يمكن الإنسان من الارتباط به بما
يتناسب مع أموره وأحواله في الحياة الدنيوية، والتي يمكن أن تتلاحم ونسيج حركته
الدنيوية بساحة الخلق، فيتم بها أموره وأحواله بخير وإتقان وبدونها يكون نقصه
وهلاكه، فكان متلاحماً بالتطبيق الفعلي لأحوال وأمور الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم فيما يُعرف بالخطأ أسباب النزول، وإنما المعنى الحقيقي ترتيل القرآن.
فالقرآن الكريم فيه
ذِكرنا وذِكر من قبلنا، وترتيل يتناسب مع حياتنا وحياة من قبلنا وفيه اختزان
لأحوالنا وأمورنا وأحوال وأمور من بعدنا، فيجب استمرار الترتيل على مر العصور.
·
المرحلة الثالثة: التلاوة:
قال تعالى: {الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ
بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (سورة البقرة 121)
تفعيل إتمام وإتقان تطبيق
أوامر الله تعالى وشريعته ومنهجه بتلاحم وتواصل بنسيج حركة المؤمن في ساحة الخلق، وجمع
ووصل بين خواص هذه الأوامر وما بها من حكمة ظاهرة وباطنه على الواقع التطبيقي في
الحياة الدنيا، وما يستلزمه من إعادة فهم وإعادة تطبيق مع كل مقام ومكان وميقات.
(إتمام - إتقان - تطبيق
- تلاحم - تواصل - جمع - وصل المنهج والتطبيق)
·
خصائص:
تلاوة القرآن:
تلى القرآن: أتم أموره وأحواله بخير
وإتقان بتطبيق الأمر الإلهي والتشريع والمنهج القرآني في ساحة الخلق.
تلى القرآن: تلاحم وتواصل نسيج
حركته في ساحة الخلق بالأمر الإلهي والتشريع والمنهج القرآني.
تلى القرآن: أتم وأتقن الارتباط
بالأوامر والمنهج والتشريع الإلهي في حركة الحياة الدنيوية.
تلى القرآن: جمع ووصل بين خواص
الأمر والتشريع والمنهج الإلهي وما به من حكمة ظاهرة وباطنه على الواقع التطبيقي
في حركة حياته الدنيوية.
فهذا القرآن تنزل من عند الله وبه
كلمات الله وقوله وصياغته، صياغة إلهية بلسان عربي مبين فباندماج الشخص أو المجتمع
فيه يتحولا به لكيان واحد ويصبح الشخص أو المجتمع في حال غير ذات الحال الذي كان
عليه فلا يكون هناك أثر للشخص أو المجتمع قبل أن يعمر القلوب بالقرآن والإيمان
فيتبدل حاله من حال إلى حال، فبعد ما بلغه الإنسان من علم لا محالة أن يعود لحالته
الأولى فلا يكون لها أثر فيدمغ في القلوب كل باطل ويحل محله كل حق، وهذا يتوقف
بالطبع على مقدار وسرعة حركة القرآن في هذه القلوب.
فإن
بارتباط فؤاد المؤمن به يجعله يتحكم بأحواله وأموره وأطرافها من خلال
الحس والبصيرة، فيتآلف معه ويفرق المؤمن بهذا القرآن بين أموره وأحواله الدنيوية فيضبطها
ضبطاً تاماً وتظهر صفاته الإيمانية على غيرها من أباطيل، فيؤنس به المؤمن ويصبح هو
والقرآن نسيج واحد، بزيادة مستمرة في تأليف القلب والأمور والأحوال مع كل زمان
ومكان ومقام.
حيث تصبح صفات المؤمن
نقيه ناتجة عن تعاليم القرآن وهداية الله تعالى له منقاه بلا اختلاط مع باطل، ومتنافرة
مع كل صفة باطلة وينسفها وينهي القرآن على غيره من أباطيل
لينفرد ويبقى وحيداً متفرداً فيقضي على كل ما يختلط به ومدسوس عليه، فهو علم من
عند الله لا يحتاج لغيره ليدعمه أو يكمله.
تعليقات
إرسال تعليق