القائمة الرئيسية

الصفحات

لماذا بعث الله موسى إلى فرعون الغارق لا محالة؟!

 


عندما تتأمل قصة فرعون موسى سوف تجد ثماني بديهيات أساسية:

1. سوف تعلم أن الفراعين لا تقتنع بالخطأ حتى تغرق وكل من حولها معها.

قال تعالى:

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} (سورة الأَنْفال 54)

{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (سورة يونس 91 - 92)

2. أن الفراعين يأسسون بنيان قوي ما بين حب الدنيا والظلم، فهم يظلمون فئة لحساب فئة حولهم يساندوهم ويمارسوا الظلم من أجلهم.

قال تعالى:

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (سورة الأَعراف 127)

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (سورة الأَعراف 113 - 114)

{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (سورة الأَعراف 123 - 124)

3. الفئة المظلومة تكون في قرارة نفسها عاشقة للنموذج الفرعوني وتبحث عن استبدال فرعون بأخر أو بإله صنم مجسد ومن الصعب عليهم المغادرة إلى الحرية.

من الملاحظات الثلاثة السابقة تكمن الدهشة من تكليف موسى عليه السلام بدعوة فرعون الذي هو لابد أنه غارق، لنجاة قوم مجسدين يميلون لإله بشري في قرارة أنفسهم كفرعون فاستبدلوه بالعجل.

قال تعالى:

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} (سورة الأَعراف 148)

ولكن كانت الدعوة لفرعون في حد ذاتها هو تعديل لسلوك عاشقي النموذج الفرعوني بهدم صورته في أعين هؤلاء العاشقين لهذا المستعبد لهم من خلال معجزات تُظهر مدى عجزه.

ولكن سوف نلاحظ أيضاً أنه سوف ينكر كل معجزة قبل غرقه، وسرعان ما يسترد جزء مما ضاع منه من خلال إعادة إظهار قوته وإيذاءه والإمعان في تهديد وظلم هذه الفئة.

4. إذن الفرعون يسترد ألوهيته في قلوب الناس بالإمعان في إيذائهم والحط من شأنهم.

قال تعالى:

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (سورة غافر 25)

5. إذن دعوة موسى لفرعون كانت ليس في حقيقة الأمر لعودة فرعون وتوبته، ولكن في حقيقة الأمر كان لهدم صورته في قلوب الفئة المظلومة العاشقة لظلمه.

قال تعالى:

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (سورة يونس 88)

6. وسنة الله في فراعين الأرض لا تختلف كثيراً عن فرعون موسى فرسائل الله لهم وهدم صورتهم ومغالاتهم مع اهتزاز الصورة لزيادة الظلم وزيادة إظهار الكذب والتضليل بأنه يملك النهر والزرع والضرع وقبول المظلومين لقرع سياطه، بل يتطوع منهم من يتلذذ بعذاباته.

قال تعالى:

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} (سورة الزخرف 51 - 54)

{فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (سورة النمل 12 - 14)

7. الهجرة والهروب من الفرعون لا يصيب غير جزء بسيط، ولكن الأغلبية الكاسحة تظل تحت هذا الظلم خاضعة له.

قال تعالى:

{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (سورة يونس 83)

8. غرق الفرعون في النهاية يصيب الجميع الظالم والمظلوم على حد سواء، فجميعهم غرقي لسنوات لحين استبدال قوم بقوم آخرين ربما يميلون لفرعون آخر.

قال تعالى:

{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} (سورة غافر 45 - 47)

هذه القاعدة لا يمكن تغييرها إلا إذا تغيرت الفئة المظلومة وقتل صورة الإله البشري التي عظمت في قلوبهم فينهار من استخف بهم فينتهي الفرعون تلقائياً كون أن بناء مُلكه أساسه ما عظم في قلوب المظلومين من تأليه لهذا الفرعون.

قال تعالى:

{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (سورة الزخرف 51 - 54)

فكان بعثة موسى اختباراً للمظلومين الذين أدمنوا حالة الفرعون فقوق رقابهم وليس للظالم فنهايته حتمية.

قال تعالى:

{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (سورة القصص 4 - 6)

تعليقات