أثر البيئة الفيزيقية على السلوك الإنساني من منظور علم النفس البيئي
· مقدمة:
يعيش الإنسان في بيئة متكاملة تتفاعل فيها العناصر الفيزيقية والاجتماعية بشكل مستمر، مؤثرة على سلوكه وتفكيره وانفعالاته، وقد أدركت العلوم النفسية والاجتماعية أهمية دراسة هذه العلاقة التفاعلية بين الإنسان وبيئته مما أدى إلى ظهور علم النفس البيئي كفرع متخصص يهتم بدراسة التأثيرات المتبادلة بين البيئة والسلوك الإنساني، ويمثل علم النفس البيئي أحد الفروع الحديثة نسبياً في علم النفس، حيث بدأ الاهتمام به بشكل منهجي منذ سبعينيات القرن العشرين، وذلك استجابة للحاجة المتزايدة لفهم كيفية تأثير البيئة المحيطة بالإنسان على سلوكه وصحته النفسية، وقد تطور هذا العلم ليشمل دراسة مختلف جوانب التفاعل بين الإنسان وبيئته الفيزيقية والاجتماعية، وكيفية تأثير هذا التفاعل على الجوانب النفسية والسلوكية للأفراد والمجتمعات.
· مشكلة البحث وأهميتها:
تكمن مشكلة البحث في الحاجة إلى فهم أعمق للعلاقة بين البيئة الفيزيقية والاجتماعية من جهة، والسلوك الإنساني من جهة أخرى، وذلك من منظور علم النفس البيئي، فعلى الرغم من الاعتراف المتزايد بأهمية هذه العلاقة، إلا أن هناك حاجة مُلحة لتوضيح الآليات التي تؤثر من خلالها البيئة على السلوك، وكيفية الاستفادة من هذه المعرفة في تحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة النفسية للأفراد، وتبرز أهمية هذا البحث في عدة جوانب هي:
1. الجانب النظري: يسهم البحث في إثراء المعرفة العلمية حول علم النفس البيئي وتوضيح المفاهيم والنظريات الأساسية في هذا المجال.
2. الجانب التطبيقي: يقدم البحث فهماً أعمق لكيفية تأثير البيئة على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات أكثر ملاءمة للإنسان، سواء في المنزل أو العمل أو المدرسة أو المستشفى أو غيرها من البيئات.
3. الجانب الاجتماعي: يسهم البحث في فهم العلاقة بين البيئة الاجتماعية والسلوك مما يساعد في تطوير استراتيجيات لتحسين العلاقات الاجتماعية وتعزيز التماسك المجتمعي. 4
4. الجانب البيئي: يساعد البحث في فهم العوامل التي تؤثر على السلوك البيئي للأفراد، مما يسهم في تعزيز السلوكيات المستدامة والصديقة للبيئة.
· أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى تحقيق الأهداف التالية:
1. توضيح المفاهيم الأساسية لعلم النفس البيئي ونشأته وتطوره.
2. استعراض النظريات الرئيسية في علم النفس البيئي وتطبيقاتها.
3. تحليل تأثير البيئة الفيزيقية بمختلف عناصرها على السلوك الإنساني.
4. دراسة تأثير البيئة الاجتماعية بمكوناتها المختلفة على السلوك الإنساني.
5. استكشاف التطبيقات العملية لعلم النفس البيئي في مختلف المجالات.
· منهجية البحث:
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي، الذي يقوم على جمع المعلومات والبيانات من المصادر العلمية المختلفة، وتحليلها وتفسيرها للوصول إلى استنتاجات علمية دقيقة، وقد تم الاعتماد بشكل أساسي على المصادر العربية في مجال علم النفس البيئي مع الاستعانة ببعض المصادر الأجنبية عند الضرورة تم تقسيم البحث إلى خمسة فصول رئيسية، تتناول الإطار المفاهيمي لعلم النفس البيئي والنظريات الرئيسية في هذا المجال، وتأثير البيئة الفيزيقية على السلوك.
الفصل الأول: الإطار المفاهيمي لعلم النفس البيئي
· تعريف علم النفس البيئي
يعتبر علم النفس البيئي فرعاً داخلياً من علم النفس نشأ من المعلومات والحقائق والنظريات المنحدرة من العديد من مجالات العلم الأخرى مثل علم النفس الاجتماعي والعلوم السياسية والعمارة وعلم الإنسان وعلم الأخلاق، وقد تعددت التعريفات التي تناولت هذا العلم، ومن أبرزها: حيث عرّفه بروشانسكي عام 1990م بأنه: "فرع من فروع العلم يهتم بالتفاعلات والعلاقات بين البشر والبيئات المحيطة بهم" (تعليم جديد، 2020)، كما يُعرف بأنه "المجال الذي يدرس العلاقة والتفاعل بين الأفراد وبيئتهم الفيزيائية، بما في ذلك البيئات المبنية والطبيعية، فضلاً عن استخدام الموارد الطبيعية وإساءة استخدامها، والسلوك المتعلق بالاستدامة" النجاح (نت 2024). ويعرفه (العثمان، 2022) بأنه "دراسة علمية لتأثير البيئة بجميع أشكالها على سلوك الإنسان، إذ أن السلوك الإنساني بأبعاده المختلفة ما هو إلا انعكاس لعملية التفاعل المستمر والمتعدد الأبعاد بين الفرد وما يواجهه من مواقف بيئية متنوعة.
وبشكل عام، يمكن تعريف علم النفس البيئي بأنه العلم الذي يدرس العلاقة التفاعلية بين الإنسان وبيئته الفيزيقية والاجتماعية، وكيفية تأثير هذه البيئة على سلوكه وصحته النفسية، وكيفية تأثيره هو بدوره على هذه البيئة.
· نشأة وتطور علم النفس البيئي:
بدأ علم النفس البيئي مع ظهور نظريات الجشطالت في الأربعينيات من القرن العشرين، حيث اعتقد علماء نفس الجشطالت أن البشر لديهم ميل فطري إلى تنظيم عالمهم الإدراكي في أبسط صورة ممكنة. فالبشر مفطورون على جمع الأشياء وتصنيفها على أساس التشابه، وفهم علماء نفس البيئة أن البشر يقومون بدور إيجابي في بناء وصياغة إدراكاتهم للبيئة (تعليم جديد، 2020).
كما اعتمد علم نفس البيئة في نشأته على علم النفس الاجتماعي الذي يرى علاقة وثيقة بين البيئة الفيزيقية والسلوك البشري الذي يشمل الأحداث الظاهرية الخارجية، والأحداث الضمنية الباطنية وبذلك يشمل التفكير والتخيل والتصور والإدراك والانفعال والتعلم والإبداع والتأمل وكافة الاستجابات،
وظهر الاهتمام بدراسة تأثير البيئة على سلوك الإنسان في إطار علم النفس التجريبي في المجتمعات الأمريكية والغربية منذ وقت مبكر، يرجع إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد ظهر ذلك خلال نظرية المجال لكيرت ليفين في الأربعينيات من القرن العشرين (1890-1947) وعمله على الجماعات البشرية وحراكها، فظهر نتيجة لذلك علم النفس البيئي (العثمان، 2022) وأول من أسهم من العلماء في علم النفس البيئي روجر باركر وهربرت رايت اللذان أنشأ أول مشروع هدفه الوحيد دراسة الكيفية التي تؤثر بها بيئات العالم الواقعي على السلوك الإنساني سنة 1945م، وبدأ باركر ورايت في إجراء دراسات جماعية في المدن عن تأثير البيئة في سلوك الإنسان (تعليم جديد، 2020).
وقد كان علم النفس العمراني هو الباعث على ظهور علم النفس البيئي الذي يؤكد دور الموقف الفيزيائي في استثارة السلوك الإنساني، حيث برز علم النفس البيئي في أوائل السبعينات وحتى التسعينيات من القرن العشرين.
· العوامل التي أدت إلى ظهور علم النفس البيئي
هناك عدة عوامل أدت إلى ظهور علم النفس البيئي، ومن أبرزها:
1. تعاظم مشكلات البيئة في المجتمع النامي: حيث أدت المشكلات البيئية المتزايدة مثل التلوث والازدحام والضوضاء إلى زيادة الاهتمام بدراسة تأثير هذه المشكلات على السلوك الإنساني.
2. زيادة الجدل حول دور كل من البيئة والوراثة في صناعة سلوك الإنسان: وذلك نتيجة لتفاعل عوامل مختلفة مثل ارتفاع نسبة التخلف العقلي في المناطق الملوثة.
3. ظهور بعض الدراسات التي حاولت الربط بين البيئة الفيزيقية وبعض المتغيرات النفسية: ولم تقنن هذه الدراسات إلا في السبعينات فالأحياء الفقيرة هي مسرح للجريمة والتخلف
4. فشل الرؤى الأحادية في معالجة مشكلات البيئة السلوك: مما اضطر العلماء إلى الأخذ بالرؤية المنظومية (والمنظومة هي تداخل التخصصات المختلفة فيما بينها) (تعليم جديد 2020)
5. الحاجة إلى فهم أفضل للعلاقة بين البيئة والسلوك: حيث أدركت العلوم النفسية والاجتماعية أهمية دراسة العلاقة التفاعلية بين الإنسان وبيئته، وكيفية تأثير هذه العلاقة على الصحة النفسية والسلوك.
· علاقة علم النفس البيئي بالعلوم الأخرى:
يرتبط علم النفس البيئي بالعديد من العلوم الأخرى، ومن أبرزها:
1. علم النفس الاجتماعي: حيث يشترك معه في دراسة تأثير البيئة الاجتماعية على السلوك، ولكن علم النفس البيئي يركز بشكل أكبر على تأثير البيئة الفيزيقية.
2. علم الاجتماع: حيث يدرس كلاهما العلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين الأفراد ولكن علم النفس البيئي يركز على تأثير البيئة على هذه العلاقات.
3. العمارة والتصميم العمراني: حيث يسهم علم النفس البيئي في فهم تأثير التصميم المعماري والعمراني على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات أكثر ملاءمة للإنسان.
4. علم البيئة: حيث يدرس العلاقة بين الإنسان والبيئة، ولكن علم النفس البيئي يركز على الجوانب النفسية والسلوكية لهذه العلاقة.
5. علم الأنثروبولوجيا: حيث يدرس كلاهما تأثير الثقافة على السلوك، ولكن علم النفس البيئي يركز على تأثير البيئة الفيزيقية والاجتماعية على السلوك في إطار الثقافة.
· أهمية علم النفس البيئي في الدراسات النفسية والاجتماعية المعاصرة:
تبرز أهمية علم النفس البيئي في الدراسات النفسية والاجتماعية المعاصرة في عدة جوانب:
1. فهم تأثير البيئة على السلوك: يسهم علم النفس البيئي في فهم كيفية تأثير البيئة الفيزيقية والاجتماعية على السلوك الإنساني، مما يساعد في تفسير العديد من الظواهر السلوكية.
2. تصميم بيئات أكثر ملاءمة للإنسان: يساعد علم النفس البيئي في تصميم بيئات تلبي احتياجات الإنسان النفسية والاجتماعية، سواء في المنزل أو العمل أو المدرسة أو المستشفى أو غيرها من البيئات.
3. معالجة المشكلات البيئية: يسهم علم النفس البيئي في فهم العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على السلوك البيئي، مما يساعد في تطوير استراتیجیات لمعالجة المشكلات البيئية مثل التلوث والاستهلاك المفرط للموارد.
4. تعزيز الصحة النفسية: يساعد علم النفس البيئي في فهم تأثير البيئة على الصحة النفسية، مما يسهم في تطوير استراتيجيات لتعزيز الصحة النفسية من خلال تحسين البيئة.
5. تطوير السياسات العامة: يسهم علم النفس البيئي في توفير المعرفة اللازمة لتطوير سياسات عامة تراعي تأثير البيئة على السلوك والصحة النفسية، مثل سياسات التخطيط العمراني والإسكان والنقل والبيئة في عالم تتزايد فيه المناطق الحضرية والازدحام، يكون علم النفس البيئي مهماً لفهم كيفية تعامل الناس مع بيئتهم، وكذلك القرارات المستقبلية التي قد يتخذونها بشأنها. ويُشار إلى أن نطاق علم النفس البيئي متنوعاً، حيث تؤثر نتائج علم النفس البيئي على كيفية تخطيط الحكومات للمدن وكيفية التعامل مع الاستدامة والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى قرارات فردية أخرى، مثل تصميم الهندسة المعمارية وتصميم المناظر الطبيعية (النجاح نت، 2024).
الفصل الثاني: النظريات الرئيسية في علم النفس البيئي:
هناك عدداً النظريات والمداخل التي تفسر العلاقة بين البيئة والسلوك الإنساني، وتعتبر هذه النظريات أساساً مهماً لفهم كيفية تأثير البيئة على السلوك، وكيفية تفاعل الإنسان مع بيئته الفيزيقية والاجتماعية. وفيما يلي عرض لأهم هذه النظريات.
· نظرية الجشطالت وتأثيرها على علم النفس البيئي:
بدأ علم النفس البيئي مع ظهور نظريات الجشطالت في الأربعينيات من القرن العشرين، حيث اعتقد علماء نفس الجشطالت أن البشر لديهم ميل فطري إلى تنظيم عالمهم الإدراكي في أبسط صورة ممكنة، فالبشر مفطورون على جمع الأشياء وتصنيفها على أساس التشابه من هنا فهم علماء نفس البيئة أن البشر يقومون بدور إيجابي في بناء وصياغة إدراكاتهم للبيئة (تعليم جديد، 2020).
وتقوم نظرية الجشطالت على مبدأ أن الكل" أكبر من مجموع أجزائه، وهذا يعني أن الإنسان يدرك البيئة ككل متكامل وليس كأجزاء منفصلة، وقد أثرت هذه النظرية بشكل كبير على علم النفس البيئي، حيث ساعدت في فهم كيفية إدراك الإنسان للبيئة المحيطة به، وكيفية تنظيمه للمعلومات البيئية. ومن أهم مبادئ نظرية الجشطالت التي أثرت على علم النفس البيئي:
1. مبدأ التنظيم: يميل الإنسان إلى تنظيم المعلومات البيئية في أنماط وأشكال منتظمة.
2. مبدأ الشكل والأرضية: يميز الإنسان بين الشكل (الذي يكون في بؤرة الاهتمام والأرضية التي تشكل خلفية للشكل).
3. مبدأ الإغلاق: يميل الإنسان إلى إكمال الأشكال غير المكتملة في إدراكه للبيئة.
4. مبدأ الاستمرارية: يميل الإنسان إلى إدراك الأشياء التي تتبع نمطاً مستمراً.
5. مبدأ التشابه: يميل الإنسان إلى تجميع الأشياء المتشابهة معاً في إدراكه للبيئة.
· مدخل الاستثارة (Arousal Approach):
يرتبط مدخل الاستثارة بالأداء بعلاقة منحنية؛ فيصل الأداء إلى أقصى درجاته عندما تكون الاستثارة متوسطة ويقل إذا زادت أو نقصت عن الوسط، وظهرت نظريات استخدمت مدخل الاستثارة كاستجابة فسيولوجية للتحفيز البيئي، وقد تبين أن التغيرات في معدل ضربات القلب وضغط الدم ومعدل التنفس تحدث مع التغيرات البيئية؛ فزيادة درجة الحرارة تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية، والعرق وزيادة معدل ضربات القلب، وقد ربط أطباء الأعصاب: الاستثارة مع زيادة نظام تنشيط الدماغ (تعليم جديد، 2020) ويفترض هذا المدخل أن البيئة تؤثر على مستوى الاستثارة الفسيولوجية للفرد، وأن هذا المستوى يؤثر بدوره على السلوك، فالبيئات المختلفة تثير مستويات مختلفة من الاستثارة، وهذه المستويات تؤثر على الأداء والسلوك.
على سبيل المثال، قد تؤدي البيئات الصاخبة أو المزدحمة إلى زيادة مستوى الاستثارة، مما قد يؤدي إلى تدهور الأداء في المهام المعقدة، وبالمثل، قد تؤدي البيئات الهادئة جداً إلى انخفاض مستوى الاستثارة، مما قد يؤدي أيضاً إلى تدهور الأداء بسبب الملل أو النعاس.
· مدخل الحمل التحفيزي (Stimulus Load Approach):
يعني مدخل الحمل التحفيزي أن البشر لديهم قدرة محدودة على معالجة المعلومات، وعندما تتجاوز المدخلات هذه القدرة يميل الناس إلى تجاهل بعض المدخلات وتكريس المزيد من الاهتمام للمدخلات الأكثر أهمية (تعليم جديد 2020) ويفترض هذا المدخل أن البيئة تقدم للفرد كمية كبيرة من المعلومات (الحمل التحفيزي)، وأن الفرد يحتاج إلى معالجة هذه المعلومات، ولكن نظراً لمحدودية قدرة الإنسان على معالجة المعلومات، فإنه عندما يكون الحمل التحفيزي كبيراً جداً، قد يؤدي ذلك إلى الإجهاد والتوتر وتدهور الأداء، على سبيل المثال، في البيئات الحضرية المزدحمة، يتعرض الفرد لكمية كبيرة من المعلومات البصرية والسمعية واللمسية والشمية مما قد يؤدي إلى الإجهاد والتوتر. وللتعامل مع هذا الحمل الزائد، قد يلجأ الفرد إلى استراتيجيات مثل تجاهل بعض المعلومات، أو تقليل التفاعل الاجتماعي، أو الانسحاب إلى بيئات أكثر هدوءاً.
· مدخل القيد السلوكي (The Behavioral Constrain):
مدخل القيد السلوكي هو الحالات التي يفقد فيها الأشخاص بالفعل درجة ما من السيطرة على بيئتهم مثل حركة مرور ساعة الذروة تتداخل مع التنقل السريع والضوضاء المتقطعة تحد الاتصال الفعال (تعليم جديد، 2020) ويفترض هذا المدخل أن البيئة تفرض قيوداً على السلوك، وأن هذه القيود تحد من حرية الفرد وقدرته على التصرف، وقد تكون هذه القيود فيزيقية مثل الحواجز والجدران والأبواب المغلقة أو اجتماعية مثل القواعد والقوانين والأعراف الاجتماعية.
على سبيل المثال، قد تفرض البيئة المكتبية قيوداً على السلوك من خلال ترتيب المكاتب والكراسي والممرات، مما يحدد كيفية تحرك الأفراد وتفاعلهم، وبالمثل، قد تفرض البيئة الاجتماعية قيوداً على السلوك من خلال القواعد والأعراف التي تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول.
· مدخل مستوى التكيف (The Adaptation Level Approach):
العلماء في هذا المدخل يتحدثون عن عمليتي التكيف والتوافق؛ فالكائنات الحية إما أن تتكيف أي تغير استجابتها للبيئة) أو توافق (أي تغير البيئة التي تتفاعل معها) (تعليم جديد، 2020) ويفترض هذا المدخل أن الإنسان يتكيف مع البيئة من خلال تغيير استجاباته أو تغيير البيئة نفسها، وعندما يتعرض الإنسان لمثير بيئي معين بشكل متكرر، فإنه يتكيف معه ويصبح أقل استجابة له.
على سبيل المثال، قد يتكيف الأفراد الذين يعيشون بالقرب من مطار أو طريق سريع مع الضوضاء بمرور الوقت، ويصبحون أقل انزعاجاً منها، وبالمثل، قد يتكيف الأفراد مع درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة بمرور الوقت.
· المدخل البيئي (The Ecological Approach):
يتم تصميم بيئات لاستيعاب سلوكيات معينة، ويتم تقييمها من حيث مدى تناسب السمات البيئية المترابطة والسلوكيات التي تحدث فيها، فمثلا فناء المدرسة يتم تقييمه من حيث مدى ملاءمته لسلوك اللعب عند الأطفال (تعليم جديد، 2020) ويفترض هذا المدخل أن هناك علاقة تكاملية بين الإنسان والبيئة، وأن السلوك هو نتيجة للتفاعل بين الإنسان والبيئة ويركز هذا المدخل على دراسة السلوك في سياقه البيئي الطبيعي وليس في المختبر.
على سبيل المثال، قد يدرس علماء النفس البيئي كيفية استخدام الأفراد للمساحات العامة مثل الحدائق والساحات وكيفية تأثير تصميم هذه المساحات على السلوك. وقد يستخدمون هذه المعرفة لتصميم بيئات أكثر ملاءمة للاستخدام البشري.
· نظرية البيوفيليا لإدوارد ويلسون:
تبعاً لفرضية البيوفيليا لعالم الأحياء إدوارد أوسبورن ويلسون، للبشر غريزة فطرية للتواصل عاطفياً مع الطبيعة، لا سيما جوانب الطبيعة التي تسترجع ما أطلق عليه علماء النفس التطوريون "بيئة التكيف التطوري، والظروف الطبيعية التي تطور فيها النوع البشري للعيش (ويكيبيديا العربية، 2025). تفترض هذه النظرية أن البشر لديهم ميل فطري للارتباط بالطبيعة والكائنات الحية الأخرى، وأن هذا الميل قد تطور عبر التاريخ التطوري للإنسان. وتشير النظرية إلى أن التواصل مع الطبيعة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الصحة النفسية والجسدية للإنسان.
على سبيل المثال، قد يشعر الأفراد بالراحة والاسترخاء عند التواجد في بيئات طبيعية مثل الغابات والحدائق، وقد يكون لديهم استجابات إيجابية للنباتات والحيوانات. وقد تم استخدام هذه النظرية لتفسير فوائد العلاج بالطبيعة والبستنة العلاجية،
· المفاهيم السائدة في علم النفس البيئي
هناك عدد من المفاهيم السائدة في علم النفس البيئي، ومن أبرزها:
- فكرة الحتمية البيئية: أي تأثير الشكل أو التصميم المعماري على السلوك، ويذهب الحتميون إلى القول بأن لكل معلول علة أو لكل مثير استجابة بالضرورة. وفكرة الحتمية غير مقبولة على نطاق واسع بين العلماء بسبب زعمها أن البيئة هي سبب السلوك مع إنكار حدوث التفاعل بين الإنسان والبيئة (تعليم جديد، 2020).
- فكرة الإمكانية البيئية: وهي تعني أن البيئة تقدم إمكانيات للسلوك، ولكنها لا تحدده بشكل قاطع، فالبيئة توفر فرصاً وقيوداً، ولكن الفرد يختار كيفية الاستجابة لهذه الفرص والقيود.
- فكرة الاحتمالية البيئية: وهي تعني أن البيئة تزيد أو تقلل من احتمالية حدوث سلوك معين، ولكنها لا تحدده بشكل قاطع، فالبيئة تؤثر على احتمالية حدوث السلوك، ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر
أيضاً:
- مفهوم الفضاء الشخصي: وهو المساحة المحيطة بالفرد والتي يعتبرها خاصة به، ويشعر بالانزعاج عندما يخترقها الآخرون ويختلف الفضاء الشخصي باختلاف الثقافة والجنس والعمر والشخصية والموقف.
- مفهوم الازدحام: وهو الشعور بأن المساحة المتاحة غير كافية، وقد يكون هذا الشعور نتيجة للازدحام الفعلي (أي وجود عدد كبير من الأفراد في مساحة صغيرة أو الازدحام النفسي، أي الشعور بالازدحام حتى في وجود عدد قليل من الأفراد).
- مفهوم الخصوصية: وهي القدرة على التحكم في التفاعل مع الآخرين، وتشمل القدرة على الانسحاب من التفاعل الاجتماعي عند الرغبة في ذلك. وتختلف الحاجة إلى الخصوصية باختلاف الثقافة والشخصية والموقف.
- مفهوم التعلق بالمكان وهو الرابطة العاطفية التي تتشكل بين الفرد والمكان، وقد تكون هذه الرابطة إيجابية مثل الشعور بالانتماء والأمان أو سلبية (مثل الشعور بالخوف والكراهية).
- مفهوم هوية المكان وهي الطريقة التي يساهم بها المكان في تشكيل هوية الفرد، فالأماكن التي نعيش ونعمل فيها تصبح جزءاً من هويتنا وتؤثر على كيفية رؤيتنا لأنفسنا وللعالم.
· تطبيقات النظريات في فهم السلوك البيئي:
تساعد النظريات السابقة في فهم العديد من جوانب السلوك البيئي، ومن أبرز هذه التطبيقات: 1
1. فهم تأثير التصميم المعماري على السلوك: تساعد نظريات مثل المدخل البيئي ومدخل القيد السلوكي في فهم كيفية تأثير التصميم المعماري على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات أكثر ملاءمة للاستخدام البشري.
2. فهم تأثير الازدحام على السلوك: تساعد نظريات مثل مدخل الاستثارة ومدخل الحمل التحفيزي في فهم كيفية تأثير الازدحام على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات تقلل من الآثار السلبية للازدحام.
3. فهم تأثير الضوضاء على السلوك: تساعد نظريات مثل مدخل الاستثارة ومدخل مستوى التكيف في فهم كيفية تأثير الضوضاء على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات تقلل من الآثار السلبية للضوضاء.
4. فهم تأثير البيئة الطبيعية على الصحة النفسية: تساعد نظريات مثل نظرية البيوفيليا في فهم كيفية تأثير البيئة الطبيعية على الصحة النفسية، مما يساعد في تصميم بيئات تعزز الصحة النفسية.
5. فهم تأثير البيئة الاجتماعية على السلوك: تساعد نظريات مثل مدخل القيد السلوكي ومفهوم الفضاء الشخصي في فهم كيفية تأثير البيئة الاجتماعية على السلوك، مما يساعد في تصميم بيئات تعزز التفاعل الاجتماعي الإيجابي.
وتعتبر هذه النظريات والمفاهيم أساساً مهماً لفهم العلاقة بين البيئة والسلوك، وتوفر إطاراً نظرياً لدراسة تأثير البيئة الفيزيقية والاجتماعية على السلوك الإنساني، وسنرى في الفصول التالية كيفية تطبيق هذه النظريات في فهم تأثير البيئة الفيزيقية والاجتماعية على السلوك الإنساني بشكل أكثر تفصيلاً.
الفصل الثالث: تأثير البيئة الفيزيقية على السلوك الإنساني:
تلعب البيئة الفيزيقية دوراً محورياً في تشكيل السلوك الإنساني وتوجيهه حيث تؤثر العناصر المادية المحيطة بالإنسان على استجاباته وتفاعلاته وحالته النفسية ويهتم علم النفس البيئي بدراسة هذه التأثيرات وتحليلها لفهم العلاقة المعقدة بين الإنسان وبيئته الفيزيقية.
· مفهوم البيئة الفيزيقية وعناصرها البيئة الفيزيقية:
هي كل مكونات الوسط المادي الذي يتفاعل معه الإنسان مؤثراً ومتأثراً بشكل يكون العيش فيه مريحاً نفسياً وفسيولوجياً، وتشمل البيئة الفيزيقية كلاً من البيئة الطبيعية والبيئة المشيدة (المبنية) التي صنعها الإنسان. تتضمن عناصر البيئة الفيزيقية ما يلي:
1. العناصر الطبيعية: وتشمل التضاريس والمناخ والنباتات والحيوانات والموارد الطبيعية.
2. العناصر المبنية: وتشمل المباني والطرق والجسور والحدائق والمتنزهات وغيرها من المنشآت التي شيدها الإنسان.
3. العناصر الداخلية للمباني: وتشمل التصميم الداخلي والأثاث والإضاءة، والألوان، ودرجة الحرارة، والتهوية.
4. العناصر الحسية: وتشمل الضوضاء والروائح والإضاءة ودرجة الحرارة والرطوبة.
5. العناصر المكانية: وتشمل المسافات والكثافة والازدحام والفضاء الشخصي.
تؤثر هذه العناصر مجتمعة على السلوك الإنساني بطرق مختلفة، وقد تكون هذه التأثيرات مباشرة أو غير مباشرة إيجابية أو سلبية، قصيرة المدى أو طويلة المدى.
· تأثير التصميم المعماري والعمراني على السلوك:
يلعب التصميم المعماري والعمراني دوراً مهماً في تشكيل السلوك الإنساني، حيث يؤثر على كيفية تحرك الناس وتفاعلهم واستخدامهم للمساحات، وقد أشارت الدراسات إلى أن التصميم المعماري يمكن أن يعزز أو يثبط أنواعاً معينة من السلوك.
على سبيل المثال، يمكن للتصميم المفتوح للمساحات أن يشجع على التفاعل الاجتماعي، بينما يمكن للمساحات المغلقة أن توفر الخصوصية والهدوء. كما يمكن للتصميم المعماري أن يؤثر على الشعور بالأمان والراحة والانتماء وفي السياق العمراني، يمكن لتخطيط المدن والأحياء أن يؤثر على أنماط التنقل والتفاعل الاجتماعي والنشاط البدني فالمدن التي تتميز بشوارع آمنة وممرات للمشاة ومساحات خضراء تشجع على المشي والتفاعل الاجتماعي، بينما قد تؤدي المدن التي تعتمد بشكل كبير على السيارات إلى قلة النشاط البدني والعزلة الاجتماعية، كما أن التصميم العمراني يمكن أن يؤثر على معدلات الجريمة والسلوك المعادي للمجتمع.، فقد أظهرت الدراسات أن المناطق التي تتميز بإضاءة جيدة ورؤية واضحة ومراقبة طبيعية من خلال النوافذ والشرفات تشهد معدلات أقل من الجريمة.
· تأثير الضوضاء والتلوث الضوضائي على الصحة النفسية والسلوك:
تعد الضوضاء أحد أكثر الملوثات البيئية انتشاراً في العالم الحديث، وقد أثبتت الدراسات أن التعرض المستمر للضوضاء يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والسلوك من الناحية الفسيولوجية، يمكن للضوضاء أن تسبب زيادة في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستويات هرمونات التوتر، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية على المدى الطويل، ومن الناحية النفسية، يمكن للضوضاء أن تسبب التوتر والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم، أما من ناحية السلوك فقد وجدت الدراسات أن الضوضاء يمكن أن تؤثر سلباً على الأداء المعرفي، بما في ذلك الانتباه والتركيز والذاكرة والقدرة على حل المشكلات، كما يمكن للضوضاء أن تؤثر على السلوك الاجتماعي، حيث قد تؤدي إلى زيادة العدوانية وانخفاض السلوك المساعد، وفي السياق التعليمي، وجدت الدراسات أن الأطفال الذين يتعرضون للضوضاء المستمرة في المدرسة أو المنزل قد يعانون من صعوبات في التعلم وانخفاض في التحصيل الدراسي.
· تأثير أثر البيئة الفيزيقية والاجتماعية على السلوك الإنساني:
الإضاءة والألوان على الحالة النفسية والسلوك تلعب الإضاءة والألوان دوراً مهماً في التأثير على الحالة النفسية والسلوك الإنساني، فالإضاءة الجيدة ضرورية للرؤية الواضحة والأداء الفعال، كما أنها تؤثر على المزاج والطاقة والإيقاع اليومي، فالإضاءة الطبيعية (ضوء الشمس) لها فوائد عديدة للصحة النفسية والجسدية، حيث تساعد على إنتاج فيتامين د وتنظيم الساعة البيولوجية وتحسين المزاج. وقد وجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يتعرضون لضوء الشمس بشكل كافٍ يكونون أقل عرضة للاكتئاب والقلق، أما (الإضاءة الاصطناعية)، فيمكن أن تؤثر على المزاج والأداء اعتماداً على شدتها ولونها وتوزيعها، فالإضاءة الساطعة يمكن أن تزيد من اليقظة والنشاط، بينما يمكن للإضاءة الخافتة أن تعزز الاسترخاء والهدوء، وفيما يتعلق بالألوان، فقد وجدت الدراسات أن الألوان المختلفة يمكن أن تثير استجابات نفسية وفسيولوجية مختلفة؛ فالألوان الدافئة مثل (الأحمر والبرتقالي والأصفر) تميل إلى إثارة النشاط والحيوية، بينما تميل الألوان الباردة مثل الأزرق والأخضر والبنفسجي إلى تعزيز الهدوء والاسترخاء، وفي السياق العملي يمكن استخدام الإضاءة والألوان لتحقيق أهداف محددة.
فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الإضاءة الساطعة والألوان الدافئة في المساحات التي تتطلب النشاط والتركيز مثل (المكاتب وقاعات الدراسة)، بينما يمكن استخدام الإضاءة الخافتة والألوان الباردة في المساحات التي تهدف إلى الاسترخاء مثل (غرف النوم وغرف الانتظار).
· تأثير درجات الحرارة والظروف المناخية على السلوك:
تؤثر درجات الحرارة والظروف المناخية بشكل كبير على السلوك الإنساني والحالة النفسية، فالحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة يمكن أن تسبب عدم الراحة الجسدية، مما قد يؤدي إلى التوتر والإجهاد والتهيج، وقد وجدت الدراسات أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تزيد من العدوانية والعنف.
فعلى سبيل المثال تزداد معدلات الجريمة والعنف في الأيام الحارة مقارنة بالأيام الباردة، كما يمكن للحرارة الشديدة أن تؤثر سلباً على الأداء المعرفي، بما في ذلك الانتباه والتركيز والذاكرة، أما البرودة الشديدة، فيمكن أن تؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي والخمول، حيث يميل الناس إلى البقاء في الداخل وتقليل التفاعل الاجتماعي في الطقس البارد، وبالإضافة إلى درجة الحرارة، تؤثر الظروف المناخية الأخرى مثل الرطوبة والرياح والضغط الجوي على السلوك والمزاج. فعلى سبيل المثال، يمكن للرطوبة العالية أن تزيد من الشعور بعدم الراحة في الطقس الحار، بينما يمكن للرياح القوية أن تسبب القلق والتوتر، وفي السياق العملي يمكن التحكم في درجة الحرارة والرطوبة داخل المباني لتحقيق الراحة الحرارية، مما يساعد على تحسين المزاج والأداء والرفاهية.
· تأثير الازدحام والكثافة السكانية على السلوك:
يُعد الازدحام والكثافة السكانية من العوامل البيئية المهمة التي تؤثر على السلوك الإنساني، ويمكن تعريف الازدحام بأنه الشعور الذاتي بأن المساحة المتاحة غير كافية، بينما تشير الكثافة السكانية إلى العدد الفعلي للأشخاص في مساحة معينة، وقد وجدت الدراسات أن الازدحام يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والسلوك، فمن الناحية النفسية، يمكن للازدحام أن يسبب التوتر والقلق والاكتئاب والشعور بفقدان السيطرة، ومن ناحية السلوك، يمكن للازدحام أن يؤدي إلى زيادة العدوانية وانخفاض السلوك المساعد والانسحاب الاجتماعي، وفي السياق السكني، وجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعيشون في مساكن مزدحمة قد يعانون من مشاكل في العلاقات الأسرية وصعوبات في التركيز والدراسة وزيادة في السلوك العدواني، وفي السياق العام، يمكن للازدحام في الأماكن العامة مثل وسائل النقل العام والمتاجر والمطاعم أن يسبب التوتر والإجهاد والتهيج؛ ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تأثير الازدحام يمكن أن يختلف باختلاف الثقافة والشخصية والموقف، فبعض الثقافات قد تكون أكثر تسامحاً مع الازدحام، وبعض الأشخاص قد يكونون أكثر قدرة على التكيف مع المساحات المزدحمة.
· الفضاء الشخصي والخصوصية وتأثيرهما على السلوك:
الفضاء الشخصي هو المساحة المحيطة بالفرد والتي يعتبرها خاصة به، ويشعر بالانزعاج عندما يخترقها الآخرون دون إذن ويختلف حجم الفضاء الشخصي باختلاف الثقافة والجنس والعمر والشخصية والموقف، أما الخصوصية، فهي القدرة على التحكم في التفاعل مع الآخرين، وتشمل القدرة على الانسحاب من التفاعل الاجتماعي عند الرغبة في ذلك، وتختلف الحاجة إلى الخصوصية باختلاف الثقافة والشخصية والموقف، وقد وجدت الدراسات أن انتهاك الفضاء الشخصي وفقدان الخصوصية يمكن أن يكون لهما تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والسلوك. فمن الناحية النفسية، يمكن لانتهاك الفضاء الشخصي أن يسبب التوتر والقلق والشعور بعدم الأمان، ومن ناحية السلوك، يمكن لفقدان الخصوصية أن يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي والعدوانية والسلوك الدفاعي وفي السياق العملي يمكن تصميم البيئات بطريقة تحترم الفضاء الشخصي وتوفر الخصوصية.
فعلى سبيل المثال، يمكن تصميم المكاتب بحيث توفر مساحات خاصة للعمل الفردي ومساحات مشتركة للتعاون، ويمكن تصميم المساكن بحيث توفر مساحات خاصة لكل فرد ومساحات مشتركة للتفاعل الأسري.
دراسات حالة عن تأثير البيئة الفيزيقية على السلوك في العالم العربي.
التوصية:
في ضوء ما توصل إليه البحث من نتائج، يوصى بضرورة الاهتمام بتصميم البيئة الفيزيقية بطريقة تراعي احتياجات الإنسان النفسية والاجتماعية، مع تعزيز العوامل التي تدعم الراحة النفسية والانتماء والفعالية، وذلك عبر التخطيط الواعي للمساحات العمرانية والمعمارية بما يتماشى مع مبادئ علم النفس البيئي.
الخاتمة:
ختامًا، يتضح أن البيئة الفيزيقية ليست مجرد إطار خارجي لحياة الإنسان، بل عامل حيوي يؤثر في سلوكياته وانفعالاته وتفاعلاته الاجتماعية، ومن هنا تبرز أهمية تبني منظور علم النفس البيئي لفهم العلاقة الديناميكية بين الإنسان ومحيطه، والعمل على تطوير بيئات أكثر دعماً لصحة الأفراد النفسية والاجتماعية.
أهم المراجع والمصادر:
1. تعليم جديد، (2020): علم النفس البيئي: تم الاسترجاع من https://www.new- educ.com/علم النفس البيئي
2. النجاح نت، (2024): ما هو علم النفس البيئي: تم الاسترجاع من https://www.annajah.net/ما-هو-علم-النفس-البيئي - 3- 44235-article
3. ما هو علم النفس البيئي، تم الاسترجاع:
https://www.annajah.net/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D9%8A-article-44235
4. العثمان، إبراهيم، (2022): علم النفس البيئي، جامعة المستنصرية: تم الاسترجاع من
https://uomustansiriyah.edu.iq/media/lectures/5/5_2022_04_04%2102_40_06_PM.pdf
5. ويكيبيديا العربية، (2025)، علم النفس البيئي، تم الاسترجاع من: https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النفس_البيئي
تعليقات
إرسال تعليق