القائمة الرئيسية

الصفحات

الكراهية شعور سلبي ناتج عن تعلق لم يجد إشباعه

 


الكراهية شعور سلبي ناتج عن تعلق لم يجد إشباعه

الكراهية ليست مجرد نفور عابر أو رفض سطحي، بل هي في عمقها انعكاس لعاطفة لم تُشبَع. فالأصل في أغلب مشاعر الإنسان أن تبدأ بالتعلّق؛ إذ يتجه القلب والعقل نحو شخص أو فكرة أو غاية يظنّ أن فيها راحته وإشباع حاجاته النفسية. وحين يُخيّب الواقع تلك التوقّعات، ويتحوّل الرجاء إلى خيبة، ينقلب التعلق نفسه إلى نواة للكراهية.

التعلق كبذرة

التعلق هو محاولة النفس أن تجد في الخارج ما يكملها. قد يكون ذلك في صورة حب لشخص مقرّب، أو إعجاب بفكرة، أو اندفاع نحو هدف. هذا التعلق يحمل وعدًا ضمنيًا: أن الإشباع سيأتي من هذا المصدر. فإذا وجد الفرد القبول أو النجاح أو المشاركة، يتحول التعلق إلى رضا وسكينة.

لحظة الانكسار

لكن حين يُحرم الإنسان من الإشباع، أو يواجه إهمالًا، أو يرى خيانة، يبدأ التعلق في التآكل. المشاعر التي كانت دافئة تتحول تدريجيًا إلى غضب. هذا الغضب لا يختفي، بل يبحث عن مخرج، فيتجسد في صورة كراهية. هنا تصبح الكراهية استمرارًا للتعلق ولكن بصورة معكوسة؛ فالإنسان يظل مشدودًا إلى الموضوع ذاته، ولكن عبر رفض عنيف بدل القبول.

أسر الكراهية

الكراهية تعني أن الشخص لا يزال سجينًا لذلك التعلق الأول. فهو يتحدث عن من يكرهه أكثر مما يتحدث عن من يحبه، ويعيد استحضاره ذهنيًا رغم رفضه. الكراهية بهذا الشكل ليست تحررًا، بل استمرار للتبعية، إذ يظل مركز الانفعال خارج الذات.

البعد النفسي والاجتماعي

في العلاقات الإنسانية، يظهر هذا بوضوح في قصص العشق التي تنقلب عداوة عند الفشل، أو في علاقة التلميذ بأستاذ لم ينل منه الاعتراف، أو العامل بمديره الذي حجب عنه الفرص. جميعها حالات تثبت أن غياب الإشباع يحول الارتباط الإيجابي إلى جرح مفتوح ينزف كراهية.

 التفسير الفلسفي

  • فرويد: يرى أن الإنسان محكوم بدوافع لاواعية، أبرزها الغرائز الجنسية والعدوانية. التعلق يمثل محاولة لإشباع هذه الدوافع في موضوع خارجي. فإذا لم يتحقق الإشباع، يتحول الدافع المكبوت إلى عدوان، فتخرج الكراهية كنتيجة طبيعية للفشل في تحقيق الرغبة.

  • نيتشه: يقرأ المسألة من زاوية "إرادة القوة". الكراهية عنده ليست مجرد انفعال سلبي، بل علامة على أن الإنسان يشعر بالعجز أمام من أو ما تعلّق به. ما دام لم يحصل على ما أراد، فإن إرادته للطاقة والسيطرة تتحول إلى رفض حاد، لكنه رفض يبقيه أسيرًا لموضوع التعلق. في هذا المعنى، الكراهية ضعف مقنّع، لأنها تفضح عجز الإرادة عن تجاوز ما لم يتحقق.

  • الوجودية (سارتر): تضيف أن الكراهية تكشف قلق الحرية. فالإنسان حين يعجز عن التوفيق بين توقعاته وواقع الآخر، يختار أن يحمّله وزر الإخفاق. الكراهية إذن هروب من مواجهة الذات، وإلقاء للذنب على الخارج بدل الاعتراف بأن الحرية مسؤولية.

سبيل التحرر

الخروج من دائرة الكراهية يتطلب وعيًا بأن المشاعر السلبية هي مجرد ظل لتعلق لم يُشبع. حين يدرك الإنسان أنه هو مصدر اكتماله، وأن الخارج ليس إلا محفزًا، يبدأ في استعادة سيادته على نفسه. عندها فقط تتحول الكراهية إلى درس، والتعلق إلى خبرة، ويستعيد المرء قدرته على الحب دون قيد.


تعليقات