القائمة الرئيسية

الصفحات

 

دعهم يفعلون ما يشاؤون. دعهم يكذبون إن أرادوا، ويتجاهلونك متى شاءت مصالحهم، ويتحدثون من وراء ظهرك كأن الهمس يرفعهم درجة فوقك. دعهم يخدعونك إن كانت الخديعة لغتهم التي لا يعرفون سواها. فليس من مهامك إصلاح قلوبٍ اختارت الاعوجاج، ولا إلزام نفوسٍ اعتادت أن ترتدي قناعاً فوق قناع.

لا أحد يستطيع أن يُجبر إنساناً على الوفاء؛ فالوفاء ليس سلوكاً يُفرض، بل معدنٌ يُولد مع صاحبه. ولا تستطيع أن تُحول الكاذب إلى صادق، لأن الصدق سلوك من الداخل، لا يُستعار ولا يُدرّس. وما دمت تحاول ضبط الناس وفق ما تتمناه، ستعيش عمراً كاملاً في صراع لا ينتهي.

أعطهم الحرية ليكونوا كما هم، لا كما تريدهم أن يكونوا. حرّرهم من توقعاتك، وحرّر نفسك من خيبتك. حينها فقط سيظهر كل واحد على حقيقته: من كان وفياً سيزداد وضوحاً، ومن كان مخادعاً سينكشف بلا جهد، ومن كان يحسب خطواته بميزان مصلحته سيعرّي نفسه دون أن يدري.

فاللحظة التي تتوقف فيها عن محاولة السيطرة على تصرفات الناس، هي اللحظة التي يبدأ فيها العالم حولك بإظهار وجهه الحقيقي. الصمت هنا ليس هروباً، بل مرآة صافية تعكس ما حاول الآخرون إخفاءه. يظنون أن تجاهلك ضعف، وهو في الحقيقة قوة تهدم الأقنعة واحداً تلو الآخر.

لا تنتظر من الناس ما لا يستطيعونه، ولا تحزن حين ترى حقيقتهم تتكشف أمامك. فالحياة تختصر عليك الطريق حين تسقط الأقنعة مبكراً، وتُعفيك من بناء جسور فوق هواء. والقلوب التي لا تقدر حضورك لن تقترب منك إلا لتأخذ، والقلوب التي تحبك حقاً لن تحتاج إلى توجيه أو اختبار.

اتركهم وشأنهم. سيقول كل واحد منهم، بفعل واحد فقط، أكثر مما قد يقوله بلسان كامل. وسيكشف الزمن، ببطءه وصدقه، من يستحق أن يبقى ومن لم يكن لائقاً بالمرور قرب حياتك أصلاً.

فالسماح للناس بأن يكونوا على طبيعتهم ليس تنازلاً، بل انتصار. انتصار لسلامك الداخلي، ويقظة لبصيرتك، وحراسة لنقاء قلبك. ومن يعرف قيمته لا يطارد اعتراف الآخرين، ومن يعرف الحقيقة لا يخشى أن تُكشف.

تعليقات