في هذا المقال سوف نتعرف إن شاء الله على الفرق بين
الكلام وما كلام الله وقوله.
ولعل المسلمين يومياً يقولوا على القرآن الكريم أنه
(كلام الله)، وعندما يقرؤوا آية أو سورة من القرآن يقولوا (قال تعالى) ولا يتأملوا
اختلاف قولهم في الحالتين.
فما معنى كلام الله وما معنى قول الله؟!
فهناك فرق
كبير بين الكلام والقول فإذا ما قلنا هذا القرآن كلام الله فنحن نعني شيء وعندما
نقول أن القرآن قول الله فنحن نعني شيء آخر فلا يوجد ترادف بين الكلام والقول رغم وحدة المصدر وأنه لا يمكننا معرفة كلام الله إلا من
خلال قول الله.
قال تعالى:
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (سورة البقرة 75)
فهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه أي أن كلام الله
لابد من يعقله الإنسان لكي يبلغ العلم منه وتحريفهم هنا كان عن علم وليس عن جهل
بكلام الله.
قال تعالى:
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا
مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ
لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ
(47) } (سورة الحاقة 40 - 47)
وهنا حمل الرسول محمد صلى الله وسلم لنا تنزيل من رب
العالمين ومن قبله جبريل عليه السلام وهنا يكون النقل لا العقل لقول الله الذي
يختلف عن وعينا وعقلنا لكلام الله تعالى في قوله الذي يحتاج منا العقل بعد هذا
النقل فهو ليس بقول كاهن ولا قول شاعر وهذا سوف نعلمه حين نعقل كلام الله في هذا
القول وأن هذا القول الذي نقله لنا رسولنا الكريم لم يتقول فيه بأي شيء من عنده
وما كان له ذلك فهو قولاً خالصًا لله يحمل كلام الله ففارق كبير بين قول الله
وتطبيق رسوله الكريم لقوله بعد استخراج ما عقل من كلام الله فيه بتطبيقه في أمور حياته
وحياة من حوله.
فالإنسان الأول
غير قادر على اختراع اللغة، واللغة ربما تكون إشارة أو قول مكتوب أو مسموع، هذا
القول يحمل معنى ولتوضيح هذا المعنى ربما نحتاج للعديد من قوالب القول ليصل للطرف
الآخر بالقول المسموع وبالإشارة وبتعبيرات الوجه مجتمعه لبلوغ هذا المعنى،
وبالتالي لابد له من معلم يعلم هذا الإنسان القول وقبل القول لابد أن يعلمه المعنى
الذي ينقله القول فمن علم أول من خلقه الله تعالى آدم عليه السلام وماذا علمه
وأعلمه حيث قال تعالى:
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } (سورة البقرة 31 - 33)
أي أن الله تعالى عرض على الملائكة قوالب الأسماء التي
تحوي المعنى بصورتها التي يمكن لآدم والملائكة المكلفين بالسجود له بخدمته وتنفيذ
الأمر الإلهي في الأرض تلك الصورة مجردة من اللغة التي سوف تتغير بتغيير لسان
الإنسان في مكان وزمان ما، فالشجرة قالبها هو قول الله بوجودها بحيزها الذي تشغله
على الأرض فهذا هو مقامها بما تحويه وتحتويه وتملكه وسوف تملكه وكل ما سوف يخرج
منها في هذا الحيز ويوجدها الله بمكان ما على هذه الأرض في ميقات بدايتها ونهايتها
وهذه الشجرة التي هي قول الله بصياغتها المادية تحمل في رحلتها الدنيوية كلام الله
فيها بصياغة أمرية في عالم الأمر .
ما الفارق بين الكلام والقول؟!
علينا أن
نبحث في القرآن ونستشف المعنى من النصوص القرآنية للكلمات المتفرعة من (ك؛ ل؛ م) و
(ق؛ و؛ ل)
وجاءت
بالقرآن الكريم، الكلمات المتفرعة من (ك؛ ل؛ م):
كَلَامَ –كَلِمَةً -كَلَّمَ – كُلِّمَ – كَلِمَةٍ - كَلِمَةَ – كَلِمَةٌ – كَلِمَةُ - كَلَّمَهُ –
كَلِمَةٍ - كَلِمَتُنَا – كَلِمَتُهُ - أُكَلِّمَ – بِكَلَامِي - تُكَلِّمَ – تُكَلِّمُ – تَكَلَّمُ –
تُكَلِّمُنَا – تُكَلِّمُهُمْ – تُكَلِّمُونِ – تُكَلِّمَ – تُكَلِّمُ - تَكَلَّمُ - َيُكَلِّمُ - يُكَلِّمُنَا - يُكَلِّمَهُ – يُكَلِّمُهُمُ – يُكَلِّمُهُمْ –
نَتَكَلَّمَ – يَتَكَلَّمُونَ - كَلِمَاتٍ - كَلِمَاتُ - بِكَلِمَاتٍ - بِكَلِمَاتِ - لِكَلِمَاتِ - كَلِمَاتِهِ – بِكَلِمَاتِهِ - لِكَلِمَاتِهِ – الْكَلِمَ - تَكْلِيمًا
وجاءت
بالقرآن الكريم، الكلمات المتفرعة من (ق؛ و؛ ل):
قَالَ – قَالَا – قَالَتِ – قَالَتْ – قَالُوا – قُلْتَ
- قُلْتُ - فَقُلْتُ -
قُلْتُمْ - قُلْتُهُ – قُلْنَ -
قُلْنَا - فَقُلْنَا – لَقُلْنَا – أَقُلْ
- أَقُولَ – أَقُولُ - تَقَوَّلَهُ -
تَقُولُ – تَقُولَ - فَتَقُولُ –
نَقُولُ - سَنَقُولُ - لَنَقُولَنَّ – يَقُلْ - يَقُولُ -
يَقُولَا – لَيَقُولَنَّ -
يَقُولُوا - لْيَقُولُوا – فَيَقُولُوا - يَقُولُونَ - فَيَقُولُونَ – فَسَيَقُولُونَ – سَيَقُولُونَ
– لَيَقُولُونَ – قُلْ – فَقُلْ – قُلْنَ – قَوْلًا – فَقُولَا – قُولُوا –
تَقُولُوا – فَقُولُوا – لِيَقُولُوا – فَيَقُولُوا - قَوْلِي – فَقُولِي - قِيلَ -
قِيلًا – مَقِيلًا – قِيلِهِ – يُقَالُ – الْقَوْلِ – الْقَوْلُ –
الْقَوْلَ – بِالْقَوْلِ – قَوْلِكَ – قَوْلُكُمْ – قَوْلُنَا – قَوْلُهُ –
قَوْلِهِمْ – قَوْلِهِمُ – قَوْلِهَا – لِقَوْلِهِمْ – الْأَقَاوِيلِ – قَائِلٌ –
قَائِلُونَ – قَائِلُهَا - وَالْقَائِلِينَ
الكلمــــــــــــــــــــــــة في القرآن:
فنجد أن (الكلمة) تدور دلالاتها في إطار واسع من المعنى
يشمل المعنى الكائن في الذات المتكلمة، فعندما يدور في خلدك مجموعة من المشاعر تظل
كلامًا يحمل معاني لم تتحول إلى قول، فالغضب والفرح وكل انفعالاتك والغير مصاغة
بقول تظل في نطاق الكلمة، إلا إذا تم ترجمة تلك المعاني الكائنة والمشاعر بقول
يمكن خروجه للعلن إما يتم الاحتفاظ به بداخلك
أو خروج المعنى الكائن بالذات
للعلن بقول منطوق أو تعبير أو رمز ككتابة أو إشارة وغيرها من العديد من أشكال القول التي هي في
حقيقتها قالب القول الذي يحمل المعاني الكائنة والتي كانت كائنة بالذات (الكلام)،
فالقالب يمكن أن يكون لغة أو تعبيرات وجه أو حتى إشارة.
ولكن يظل
الإنسان بقدرته المحدودة غير قادراً على تحديد الفارق بين الكلمة والقول حيث أن
هذه العملية تتم بداخله بسرعة من الصعب أن يحتجز الكلمة بعيدة عن القول، فهناك في
نطاق الإنسان ثلاثة أحوال للكلمة:
1- كلمة تحمل مجموعة من المشاعر والانفعالات للإنسان،
ولكنها خفية حتى على الإنسان ذاته وهي ما يسميها علماء النفس بمنطقة العقل الباطن
وهي تسمى ما أخفى.
2- كلمة تحمل مجموعة من المشاعر والانفعالات للإنسان
يترجمها داخل نفسه بقول يسره في نفسه ولا ينطق بها وهو ما يسمى السر.
3- كلمة تحمل مجموعة من المشاعر والانفعالات للإنسان
يترجمها داخل نفسه بقول يجهر وينطق بها بأي قالب من قوالب القول مسموع أو مقروء أو
حتى إشارة أو حتى تعبير للوجه وتسمى الجهر بالقول.
قال تعالى:
{ وَإِنْ
تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } (سورة طه 7)
فإذا كان
الكلام هو المعنى الكائن في الذات، إلا أن كلمات الله أكثر خصوصية:
{ قُلْ لَوْ
كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ
تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } (سورة الكهف 109)
فكلمات ربي لا تنفد، ولكن هناك منها ما لم يقال لنا في
عالم الوجود فهنا المقصود بالكلمات هو المعاني والدلالات الكائنة في علم الله
تعالى، وهي لها خصوصية مختلفة عن المعاني والدلالات الكائنة في علم الإنسان فشتان
بينهما.
ولعل دائماً ما يضطرب التأويل حينما لا يفهم من يقوم
بالتأويل مقصد قول الله تعالى أي عدم فهمه المعنى الكائن في ذات الله، وبالطبع لن
يعلم تأويله إلا الله، ولكن يظل هناك طرفاً من معنى يمكن أن يدركه البشر هو جزء من
المعنى الكائن بالذات الإلهية، يكشفه الله لنا كل مرة عندما يكشف لنا عن ساق
(جانب) من القرآن فنكتشف أفاق جديدة تمنحنا فهماً أعمق لمساعدتنا في فهم أحداث
جارية.
فقول الله الذي بين أيدينا هو مكون من مجموعة حروف تحمل
قالب بناء القول الإلهي الذي يحمل داخله كلام الله (المعنى الكائن بالذات الإلهية).
قال تعالى:
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا
كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
(سورة المؤمنون 99 - 100)
والسؤال هل كل من يأتيه الموت يقول ذات القول (قَالَ
رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) فكل قول لشخص
ما في القرآن الكريم ليس هو ذاته منطوق هذا الشخص سواء باختلاف الألفاظ أو حتى باختلاف
اللغة، إلا أن القول الإلهي يحمل المعنى الكائن في ذات المتكلم في أدق تعبير فهنا
كان قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) فلكل إنسان أن يقول هذا المعنى الكائن في هذا
النص القرآني بلغته الخاصة وبمفرداته الخاصة فكان لزاماً علينا أن نعي الفارق
الكبير بين كلام الله وقول الله فالكثير منا يرددون قول الله وما عرفوا شيئاً عن
كلام الله.
قال تعالى:
{ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ
اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة آل عمران 39)
فالله لم يبشر زكريا فقط بأنه سوف يرزقه الله بيحيى عليه السلام، بل وبشره بأنه مصدق بمعنى كائن في ذات الله يأتيه وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل له رسولاً، فالرسالة كلمة كلام الله تُصاغ في قول.
كيف يكلم الله البشر:
قال تعالى:
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا
وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ
مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } (سورة الشورى 51)
أولاً: وحياً:
أي بأن يوحى لهذا المصطفى من عباده بالمعنى الكائن
بالذات الإلهية والذي يعبر عنه المخلوق المصطفى بقوله بقالب لغوي يتناسب مع لغة
قومه وبدون كتاب وهي المرحلة بداية من آدم وحتى ما قبل صحف إبراهيم.
وكان المنهج
كل المنهج في شخص الرسول وهذا ما حصل بالضبط مع سيدنا نوح حيث كان نوح بكليته
وشخصيته يمثل كل المنهج فإذا ما قال نوح قال المنهج، وذلك ينطبق على كل من أرسل
قبل إبراهيم
ثانياً: من وراء حجاب:
وهو مستوى أقرب
كأكثر وضوحاً، انقسم بين ما وراء الحجاب، ولكن أيضاً بالمعنى الكائن بالذات
الإلهية وآخر يصيغه المخلوق المصطفى من البشر ليصيغه بقوله بقالب لغوي يكتب بكتاب
يحمل مضمون الرسالة وهي مرحلة تميزت به الرسالات السماوية المكتوبة بداية من
إبراهيم عليه السلام حتى ما قبل محمد عليه الصلاة والسلام.
ونزل المنهج منشطرًا ومجزئًا بين كتاب سماوي وبين الجانب
الشخصي للرسول يكون من وراء حجاب، وهذا ما حدث مع كتاب التوراة وموسى ومع كتاب
الإنجيل وعيسى ومع كتاب الصحف وإبراهيم وفي هذه المرحلة كان للرسول مساحة يتفاعل
بها مع قومه خارج الكتاب بآيات نسميها معجزات، فهو جزء من المنهج فقد يشرع موسى
تشريعًا ليس موجودًا في التوراة أو يأتي بمعجزة، لأن موسى مـٌكمـِل للتوراة، بمعنى
إن التوراة ناقصة من غير موسى وسيرة موسى ناقصة من غير التوراة لأن المنهج النازل
والآيات منشطرة بين شخص موسى وما بعثه به من آيات وبين التوراة وكذلك عيسى عليه
السلام والإنجيل.
ثالثاً: يرسل رسولاً فيوحي بإذنه:
والرسول هنا
سماوي مثل جبريل مكلفًا يحمل كلمة الله وقوله معًا فلا تغيير بالصياغة من جانب
المخلوق المصطفى من البشر، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي نزل من ساحة السماء إلى
الأرض بكلام الله (المعنى الكائن بالذات الإلهية) وقوله المصاغ بصياغة ربانية فكان
من خلال جبريل كرسول بإذن الله ليحمل كلام الله وقوله للرسالة الخاتمة التي اختزلت
المنهج كل المنهج في كتاب وهو القران الكريم، وهنا توقفت ساحة التفاعل النبي محمد
مع قومه خارج الكتاب، لتكون مساحة التفاعل بين النبي وقومه في الرسالة الخاتمة من
الكتاب دون غيره، فكان بشيرًا ونذيرا، بدون أي معجزات خارج نطاق الكتاب أو تشريع
خارج نطاق الكتاب وإن ادعوا المحرفين لقول الله غير ذلك.
قال تعالى:
{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا
مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ
فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ
كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ
قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي
السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا
نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } (سورة
الإسراء 90 - 93)
قال تعالى:
{ إِذْ
(قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ) يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } (سورة آل عمران 45)
وهي صورة من صور الوحي من خلال رسول فعيسى في حدود
البشرى كان كلمة ومعنى كائن بذات الله ويظل عيسى كلمة في مجال العلم الإلهي ويصبح
قول في عالم البشر المتجسد، أما الملائكة وهم يتحدثون مع مريم ويفصحوا عن هذه
الكلمة (البشرى) فهم قالوا البشرى بقالب لغوي (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ) فقد
صاغوا الكلمة بقول (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
{
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ } (سورة آل
عمران 46)
وفي هذه الآية دلالة خاصة، فعيسى عليه السلام رسول كان
له خصوصية في أنه كلم الناس في المهد وكهلًا، وإذا كان المقصود هنا القول كان من
المستحيل فهم الآية على وجهها الصحيح فكيف يظل صامتاً ما بين المهد حتى يكون كهلاً
في عمر الرجولة (33 عام تقريباً) فالقرآن
به كبير السن شيخاً وكبيرة السن عجوزاً فهذا قول الله فيهما:
{ قَالَتْ
يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } (سورة هود 72)
فعيسى عليه
السلام كلم الناس في المهد بالمعنى الكائن بذات الله حين قال:
{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ
حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
(33) } (سورة مريم 30 - 33)
فقد قال بلغة قومه بكلام الله (بمعنى كائن بذات الله)، فهذا معنى كيف تكلم الناس بالمهد، وبالطبع لم يتوقف حين نطق صغيراً عن القول ولكنه توقف عن كلام الله ولكنه عندما بعث للناس رسولاً فقد تكلم بكلام الله ورسالته الذي تم صياغته بقوله من الإنجيل، أي كلمهم وهو كهل برسالة الله حين قال لبني إسرائيل:
{ وَإِذْ
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ
إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا
بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } (سورة الصف 6)
ولما كانت الكلمة معنى تريده الذات فيمكن التعبير عنها
بالرمز عند البشر كسبيل للتعبير عن الكلام أي المعنى الكائن عن الذات المتكلمة
وبدون الحاجة لقول وتم الاستعاضة بالرمز، فالرمز من ضمن قوالب القول.
{ قَالَ
رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكَارِ } (سورة آل عمران 41)
ولكن هنا يجب أن نعلم أن الآية التي طلبها زكريا كانت في حدود اصطفاءه فهي لم تكن صومًا عن القول كما يفهم من ظاهر الآية، ولكن أن الوحي الذي يتلقاه من الله لا يقوله للناس إلا رمزًا، والكتابة أيضًا من ضمن أدوات الرمز.
{ وَرُسُلًا
قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } (سورة النساء 164)
فقد كلم الله موسى تكليمًا وهو مستوى أعلى من مستويات
الوحي من وراء حجاب بالمعنى الكائن بالذات الإلهية فكان هناك دائماً تداخلًا من
الشيطان بدرجة ما كانت أقل ما يمكن بالنسبة لموسى فكان المعنى الكائن بالذات
الإلهية ينتقل للرسل وعليهم أن يقولوه لقومهم (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي
أُمْنِيَّتِهِ) فلا يستوى المعنى الكائن بالذات الإلهية مع قول رسول في آية
فينسخها الله، مستثنى من ذلك تماماً القرآن الكريم كونه منزل من عند الله كما
بالكتاب المحفوظ.
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا
نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ
اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي
شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ
لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (سورة الحج 52 - 54)
القــــــــــــــــــــــــــــــــول في القرآن:
فهو صياغة الكلمة التي داخل الذات بقالب لغوي
عبر لغة محددة وهذا يتجلى في قوله تعالى:
{ وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا
مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } (سورة الأَنْفال 31)
وهنا يقولون (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) بما
يعني أنهم يقصدون لصغنا قولاً مثل هذا، وهم يعلمون أنهم لا يمكن أن يصيغوا المعنى
الكائن بالذات الإلهية ، فعندما يأتي أحدهم مدعيًا أنه يمكن أن يأتي بقول له نفس
الوزن والسجع القرآني تجده فارغًا من المعاني والدلالات التي تجعله يرقى للمطلق
والمحكم، فالقول هو صياغة المعنى الكائن في ذات المتكلم في قالب لغوي بغض النظر عن
إخراج هذا القول خارج الذات ، فالقول قد يبقى داخل الذات أو جزء منه ولكن بعد
صياغته:
{ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا
اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
(سورة المجادلة 8)
فهنا فرق
الله لنا بين قول تم صياغة المعنى الكائن في الذات، وقول تم التصريح بالمعنى
الكامن بالذات للناس.
{
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ
الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } (سورة طه 120)
وهنا أيضًا
من خلال الوسواس صاغ المعنى الكائن بالشيطان ونقله لآدم في قالب ما تم ترجمته في
صدر آدم بقالب لغوي يتناسب مع طبيعة آدم البشرية عن طريق هذا الوسواس.
وقد يخرج
القول خارج الذات فيكون شاهداً على قائلة:
{ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ
بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ
أَعْمَالَكُمْ } (سورة محمد 30)
فالقول
مسألة مجردة عن خروجه من النفس أو إبقائه داخل النفس
{ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ
جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } (سورة
الرعد 10)
{
قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) } (سورة
الملك 13)
فالقول هو الصياغة اللغوية للمعنى الكائن بالذات بغض
النظر عن إيمان المتكلم بهذا المعنى أم لا، فقد نصيغ أقوال وتخرج من الفم على نقيض
ما يضمر في قلوبنا، أي يمكن أن نقول ما يناقض الكلام ، أي ما يناقض المعنى الكائن
بالذات وهذا يوضحه قول الله تعالى :
{ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ } (سورة آل عمران 75)
{ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ } (سورة آل عمران 78)
{ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } (سورة آل عمران 167)
{ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } (سورة المنافقون 1)
إذاً..
الكلام:
هو الدلالة والمعنى الكائن في ذات المتكلم.
القول: صياغة هذا الكلام بقالب لغوي عبر لغة
محددة، فكل كلمة مقولة لابد أن تمر بمرحلتي الكلام والقول.
وقد نأكد أن القول كصياغة له معنى مجرد واحد سواء من عند
المخلوقات أو من عند الله، ولكن الفارق بين القرآن وما دونه يعود للفارق بين الله
والمخلوقات، فالله سبحانه وتعالى يعلم علمًا مطلقًا حقيقة المعاني الكائنة في ذوات
المخلوقات فهو يعلم ما في ذواتنا وقدرته في صياغة المعاني الكائنة في ذوات
المخلوقات هي قدرة مطلقة.
فمثلًا لو صاغ أحدهم قصيدة باغيًا معنى ولو رددها أحد
غيره بنفس الحروف والصياغة، فسيقولها كما هي بغض النظر عن إدراكه للمعنى الذي
يقصده الشاعر ويكمن في ذات الشاعر، ولو جاء هذا الشخص المردد للقصيدة ليصيغها بشكل
آخر أو بلغة أخرى وحاول أن يصيغها بالمعنى الذي أدركه هو، فيكون قد صاغ شعراً في
حدود إدراكه، وهنا يصبح قوله غير متطابق مع قول الشاعر وسيكون أدنى من قول الشاعر
لأن الشاعر أعلم من غيره بما أدخله من معاني في القصيدة الأصلية، وماذا أيضاً يحدث
إذا حولنا القصيدة إلى لغة أخرى، هل ستحمل نفس المعاني التي كانت في ذات الشاعر.
ولكن الله تعالى سيكون صياغته مطلقة لا تزيد ولا تنقص،
فالآيات القرآنية التي تصور لنا قول المخلوقات والقصص القرآنية التي كانت لغاتها
مختلفة تأتي في صورة مطلقة وبصياغة لغوية مطلقة للمعاني الكائنة في ذوات المخلوقات
ومن هنا لم يكن مهماً معرفة اللغة المنطوقة حينها، ولكن ما يهمنا الصياغة المطلقة
لحقيقة المعاني
إذاً اللغة والصياغة التي نراها في القرآن بلسان عربي
التي تصور الأحداث والقصص لا يشترط أن تكون بذاتها وبحرفيتها نطق بها شخوصها، ولكن
هي حقيقة المعاني المطلقة في ذوات القائلين وهي تلك المعاني التي يعرفها الله
علماً مطلقًا، بل الصياغة الربانية لا يمكن أن يبلغها القائل ذاته.
ومن العجيب ن نجد في القرآن أمر للرسول بأن يقول قول
الله للبشر ولا يزيد عنه كلمة أو ينقص كلمة مثل:
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ
فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ
خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
(سورة البقرة 219 - 220)
{ أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا
بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ } (سورة هود 35)
{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ
أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ }
(سورة يونس 53)
وقول الرسول الكريم كمقول بلا تبديل من ساحة إلى ساحة
فهو تنزيل من رب العالمين وهو القرآن الكريم:
{ أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ
} (سورة المؤمنون 68)
{ إِنَّا
سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } (سورة المزمل 5)
{ إِنَّهُ
لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } (سورة الطارق 13 - 14)
{ إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا
تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (سورة الحاقة 40 - 43)
ولعل قول الله تعالى:
{ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا
تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا
فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } (سورة مريم 26)
فيه من وضوح الفارق بين الكلمة والقول القرآني فلمريم
بنت عمران أن تقول لفظًا محددًا (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ
أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) كما أمرها الله لأن هذا صياغة الله الذي أمرها
بقالب لغوي يتناسب ووصول معاني ودلالات تلك الكلمات لبشر، وفي ذات الوقت لا تكلم
اليوم إنسيًا بأنها تمتنع عن التصريح بالمعاني والدلالات الكائنة بذاتها لأنها لن
تخرج على هيئة قول فلا تصرح بمشاعرها وغضبها من استهجان فعلها واتهامها في شرفها،
فكان نتيجة التزامها بأن تكلم في المهد صبيًا ليرد عنها.
إذن
الكلام: هو المعنى الكائن بذات المتكلم
القول: فهو صياغة الكلمة التي داخل الذات بقالب لغوي عبر لغة محددة يمكن الاحتفاظ بها وعدم النطق بها أو النطق بها بأي نوع من أنواع القول من خلال قول منطوق بلغة أو حتى إشارة أو إيماءة
وقد يخالف القول الكلام بأن نقول غير الكلام
الكائن بالذات، فابتسامة المسرور قول يعبر عن الكلام، وابتسامة الحزين قول يناقض
الكلام
تعليقات
إرسال تعليق