حرب التجميد – شل حركة الخصم بصمت
في عالم المؤسسات الإدارية، ليست كل المعارك تُخاض بالصوت العالي أو بالمواجهة المباشرة. هناك نوع من الصراع لا يُرى بالعين المجردة ولكنه يُشعر به في كل التفاصيل، إنه "حرب التجميد" — أسلوب يستهدف شل حركة الطرف الآخر، ليس بهجوم مباشر، بل بجعل الزمن يقف عنده، وتقييد كل أدواته، حتى يصبح عاجزًا عن التقدم.
ما هي حرب التجميد؟
حرب التجميد هي حالة مقصودة يتم فيها تعطيل قدرة شخص أو قسم أو حتى فكرة على التطور أو التنفيذ، عبر وضعه في "وضع الانتظار" الدائم.
بدلاً من أن يُقال لك "لا"، يُقال: "سوف ننظر في الأمر"، "سنبحث الموضوع لاحقًا"، "نحتاج موافقة جهة أعلى"، وتستمر هذه الدورة بلا نهاية، حتى يتبخر الحماس، ويذبل المشروع، ويتوقف الطرف المستهدف عن المحاولة.
أدوات حرب التجميد
-
تأجيل القرارات
-
الهدف: إطالة زمن الانتظار حتى يفقد الموضوع أهميته.
-
مثال عملي: موظف يقترح تطوير نظام الأرشفة، فيُحال الأمر إلى "اللجنة الفنية"، ثم إلى "اللجنة العليا"، ثم إلى "الدراسة الميدانية"، وكل ذلك بلا جدول زمني واضح.
-
-
تقييد الموارد
-
الهدف: إبقاء الطرف الآخر في حالة عجز مادي أو لوجستي.
-
مثال عملي: طبيب في مركز طبي يحتاج جهازًا لإجراء فحص معين، فيتم تأجيل طلبه بحجة "عدم وجود ميزانية حالية"، رغم أن أجهزة أقل أهمية يتم توفيرها لآخرين.
-
-
البيروقراطية المفرطة
-
الهدف: جعل تنفيذ أي خطوة يتطلب سلسلة طويلة من الإجراءات غير الضرورية.
-
مثال عملي: موظف يريد الحصول على بيانات لأداء تقرير، فيُطلب منه 5 توقيعات من 3 إدارات مختلفة، وكل توقيع يتأخر أيامًا.
-
-
الإغراق في الاجتماعات
-
الهدف: إضاعة الوقت دون الوصول لنتائج حقيقية.
-
مثال عملي: دعوة الموظف المستهدف لاجتماعات طويلة وغير منتجة، بدلاً من منحه فرصة تنفيذ عمله.
-
الأثر النفسي لحرب التجميد
حرب التجميد لا تؤثر فقط على العمل، بل على نفسية الشخص المستهدف:
-
الإحباط: مع مرور الوقت يشعر أن جهوده بلا نتيجة.
-
الاستسلام: يبدأ في تقليل طموحاته والاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء.
-
العزلة: يفقد الحافز للتفاعل مع محيطه، ويصبح أقل تأثيرًا في المؤسسة.
كيف تُدار حرب التجميد بذكاء؟ (من الطرف المهاجم)
في بعض الحالات، تستخدم الإدارات العليا هذا الأسلوب عن قصد، ليس بدافع الانتقام، بل لضبط إيقاع التغيير أو انتظار ظرف سياسي/مالي أفضل.
-
تأجيل مشروع حتى يتم توفير دعم كافٍ له.
-
الحد من انتشار فكرة قد تسبب إرباكًا للهيكل الحالي.
لكن في الحالات السلبية، يكون الهدف إضعاف شخص أو فريق لمنعهم من تحقيق إنجاز يُحسب لهم.
كيف تواجه حرب التجميد إذا استُهدفت بها؟
-
تحديد جدول زمني واضح
-
اربط كل خطوة بتاريخ محدد، واطلب التزامات كتابية أو عبر البريد الإلكتروني.
-
-
تنويع قنوات الدعم
-
ابحث عن داعمين من خارج دائرتك المباشرة، كإدارة أخرى أو جهة إشرافية أعلى.
-
-
تحويل الضغط إلى فرصة
-
استخدم وقت الانتظار لجمع بيانات، إعداد نماذج تجريبية، أو كسب مؤيدين للفكرة.
-
-
التوثيق المستمر
-
احتفظ بسجل لكل المراسلات والتأجيلات، فقد تحتاجه لاحقًا لإثبات التعطيل المتعمد.
-
خلاصة
حرب التجميد من أخطر أساليب الحروب الصامتة في المؤسسات، لأنها لا تترك أثرًا مباشرًا يمكن اتهام أحد به، لكنها قادرة على تدمير المعنويات وإيقاف عجلة التغيير. النجاح في مواجهتها يتطلب الوعي المبكر، والتحرك الذكي، وبناء شبكة دعم قوية.
تعليقات
إرسال تعليق