"تفكيك الدول من الداخل: القنبلة الأيديولوجية أخطر من الجيوش"
في عالم تتغير فيه طبيعة الحروب وأدوات السيطرة، لم تعد الجيوش النظامية وحدها هي التهديد الأكبر على أمن الدول واستقرارها، بل ظهرت أنماط جديدة من التدمير تستهدف النسيج المجتمعي نفسه.
ولعل أكثر هذه الأنماط خطورة هو الاختراق الأيديولوجي المنظّم عبر جماعات عقائدية مسلحة، تُزرع داخل الدول لتفجيرها من الداخل، دون الحاجة إلى غزو أو احتلال.
■ الخطر الحقيقي ليس في الخارج فقط
تاريخيًا، كانت إسرائيل تمثل تهديدًا عسكريًا مباشرًا على دول المنطقة، يُشبه أثر قنبلة محدودة المجال والتأثير.
لكن الخطر الأعمق ظهر حين تحولت بعض الجماعات الدينية والسياسية إلى أدوات وظيفية، تمارس دورًا مدمرًا بأضعاف ما تفعله الجيوش.
تنظيمات مثل داعش، الإخوان، الجماعات السلفية المتشددة، وكل فصائل المرتزقة العقائديين، تعمل كـ"قنابل انشطارية" تُفجّر المجتمعات من الداخل، تنسف وحدتها، وتعيد تعريف الولاء والانتماء على أسس طائفية أو دينية أو حزبية.
■ صناعة الانهيار من الداخل
هؤلاء ليسوا مجرد "أعداء"، بل هم أدوات هندسة فوضى.
إنهم السلاح الأهم في ترسانة القوى الخارجية، وخاصة الصهيونية العالمية، التي لم تعد بحاجة إلى إرسال جيوش أو طائرات، طالما أن هناك من يقوم بالمهمة نيابة عنها، ويحوّل بترولنا ومواردنا وثرواتنا إلى حساباتها في صمت.
الأخطر من ذلك، أن وجود هذه الجماعات يوفر على العدو عناء الإنفاق العسكري، بل يُغنيه عنه تمامًا.
فكلما ازدادت الفوضى والانقسامات، زادت فرص التدخل والتحكم ونهب الثروات دون مقاومة تُذكر.
■ حين تتبنّى الجيوش عقيدة ليست من رحم المجتمع
المأساة تكتمل حين تتحوّل الجيوش الوطنية نفسها إلى أدوات أيديولوجية، تتبنى فكرًا مضادًا للفكر المتطرف، لكنه لا ينتمي بالضرورة لثقافة المجتمع، بل يُفرض فرضًا تحت مسمى "الاستقرار".
في هذه الحالة، لا تنتصر الدولة، بل تتحول إلى دولة فاشلة، تتجاذبها تناقضات داخلية، وتُصبح هويتها مرهونة بإرادة الحاكم أو المؤسسة المسيطرة.
وهنا، يفقد المواطن الإحساس بالأمان مع كل انتقال في السلطة، لأنه لا يرى الدولة ككيان مستقر، بل كجهاز تابع لزعيم جديد بأيديولوجية جديدة.
■ المجتمع بين السلبية والنفاق
في ظل هذا المشهد، تُصاب الشعوب بحالة من الإحباط الجمعي، فتتوزع ردود أفعالها بين:
-
السلبية: حيث ينسحب الفرد من أي مسؤولية مجتمعية أو سياسية.
-
النفاق: التظاهر بالولاء للقوة المسيطرة دون قناعة.
-
التسلق والفساد: حيث يُصبح الوصول إلى المصالح هو الهدف الوحيد.
وهكذا، يُعاد إنتاج النخبة الفاسدة من رحم الفوضى، وتستمر الدورة المسمومة.
■ خاتمة: المعركة ليست على الأرض فقط
إن أخطر ما تواجهه مجتمعاتنا اليوم ليس الاحتلال المباشر، بل اختراق العقل والوجدان.
فإذا أردنا النجاة، علينا أن نعيد صياغة علاقتنا بالدين، بالسلطة، وبالذات.
أن نستعيد وعينا الجمعي قبل أن نستعيد أراضينا.
فالحرب الحقيقية ليست في الميدان فقط، بل في المدرسة، في المسجد، في الإعلام، وفي البيت.
والقنبلة الأخطر ليست تلك التي تنفجر، بل تلك التي نُربّيها بأيدينا... ثم ننكر وجودها.
تعليقات
إرسال تعليق