"فرق تسد: لعبة السيطرة في دهاليز الإدارة"
في عالم الإدارة، لا تكون القرارات دائمًا محكومة بالمنطق أو المصلحة العامة، بل أحيانًا تخضع لرغبة المدير في السيطرة المطلقة. من أخطر الأدوات التي يستخدمها بعض الرؤساء لإحكام قبضتهم على المؤسسات هي استراتيجية "فرق تسد"؛ وهي خطة قديمة في التاريخ السياسي والعسكري، لكنها تجد لنفسها مكانًا متجددًا في بيئة العمل الحديثة.
كيف تُدار اللعبة؟
المدير الذي يعتمد "فرق تسد" لا يكتفي بقيادة الفريق نحو الأهداف، بل يفتعل خطوطًا خفية من الانقسام. يزرع الشك بين الموظفين، يشجع المنافسة غير الصحية، يضخم أخطاء طرف، ويعطي امتيازات غير مبررة لطرف آخر.
بذلك، يبقى الجميع منشغلين بالصراعات الجانبية بدلًا من الالتفات إلى ضعف إدارته أو مساءلته عن قراراته.
لماذا يلجأ إليها؟
سيكولوجية هذا المدير تقوم على عدة دوافع:
-
هاجس السيطرة: يخشى أن يتوحد الفريق ضده، فيسعى إلى تفكيك أي جبهة محتملة.
-
الشعور بالنقص: كثيرًا ما يعوض ضعفه الإداري أو نقص كفاءته بإشعال الخلافات حتى يبدو هو الحكم أو المرجع الذي لا غنى عنه.
-
الخوف من الانكشاف: عندما ينشغل الموظفون ببعضهم، يقل احتمال أن يكتشفوا تلاعبه أو تقصيره.
-
حب الأضواء: يريد أن يظهر دائمًا على أنه المنقذ الذي يحل النزاعات، مع أنه هو من يصنعها أصلًا.
مصير المؤسسة تحت هذه الاستراتيجية
قد ينجح المدير في تحقيق استقرار مؤقت لنفوذه، لكنه في المقابل يزرع بذور الانهيار داخل المؤسسة:
-
تآكل الثقة: الموظفون يفقدون الثقة ببعضهم، فلا يمكن بناء فريق متماسك.
-
ضعف الإنتاجية: ينشغل الجميع بالسياسة الداخلية بدل الإنجاز.
-
نزيف الكفاءات: أصحاب العقول والمهارات يختارون الهروب من البيئة المسمومة.
-
صورة مهزوزة خارجيًا: العملاء أو الشركاء يلاحظون الفوضى، مما يضعف سمعة المؤسسة.
كيف يتعامل الفرد الواعي مع هذا العبث؟
الموظف الذي يرى بوضوح لعبة "فرق تسد" أمامه لا يجب أن يندفع لمواجهة صريحة مباشرة، لأنها غالبًا ستكلفه الكثير. بل يحتاج إلى استراتيجية مضادة:
-
الحفاظ على الحياد: لا تنجر إلى التحالفات المصطنعة، ولا تسمح أن تُستخدم كأداة في الصراع.
-
بناء الثقة الفردية: ركز على علاقات مهنية قائمة على الاحترام والشفافية، بعيدًا عن دائرة التلاعب.
-
تثبيت الحقائق: اعتمد على الوضوح في عملك وتقاريرك، فلا تترك مجالًا لإعادة تفسير مجهودك بشكل خاطئ.
-
الصبر الاستراتيجي: أحيانًا مجرد الاستمرار في تقديم عمل متقن وبناء سمعة إيجابية يكشف زيف الإدارة التي تبني قوتها على الفوضى.
-
المخارج البديلة: إذا وصل العبث لمرحلة تهدد مستقبلك أو صحتك النفسية، فالتفكير في الانتقال قد يكون أفضل وسيلة لمواجهة لعبة خاسرة.
🎯 الخلاصة:
"فرق تسد" ليست مجرد أسلوب إداري منحرف، بل هي انعكاس لذهنية خائفة، ترى في تمزيق الصفوف وسيلة لحماية الذات. لكنها استراتيجية قصيرة العمر، إذ قد تحمي الرئيس وقتًا قصيرًا لكنها تُدمّر المؤسسة على المدى الطويل. أما الموظف الذكي، فيدرك اللعبة، ويختار أن يكون أكبر من الانجرار إلى الفوضى، مستندًا إلى وعيه وهدوئه ورؤيته لمستقبله.
تعليقات
إرسال تعليق